معاريف – عملية بئر السبع ومسلسل التصعيد الأمني؟

د دورون مصا.jpeg
حجم الخط

معاريف – بقلم دورون متسا 

 

الجريمة الصادمة التي ارتكبها أحد سكان حورة في بئر السبع هي أكثر من حدث موضعي لأجواء عشية رمضان. ومع أن محافل الأمن في إسرائيل ترى في الأعياد الدينية عوامل تؤثر سلباً أحياناً على الواقع الأمني، ولكن يجدر تحليل الأمور من زاوية نظر أوسع هذه المرة.
إن خطورة الحدث لا تكمن في نتائجه فقط، ولا حتى في التاريخ البعيد أو القريب لمنفذ العملية الذي ينسب له تأييد لجهات إسلامية متطرفة مثل “داعش”، بل في الربط الذي بين هذا الحدث وبين ظواهر أخرى عاشتها الدولة في السنة الأخيرة. يدور الحديث عن فوضى في النقب وعربدة بدو يشاركون في السرقات وتهريب السلاح بل والعنف تجاه اليهود، إلى جانب الجريمة المستشرية في البلدات العربية في شمال الدولة وفي القسم الأكبر منها موجهة ضد أهالي الوسط العربي أنفسهم، وبالطبع الارتفاع في مستوى العنف الذي سجل في السنة الماضية من جانب الفلسطينيين في يهودا والسامرة.
كل هذه أحداث على إسرائيل النظر فيها كأحداث منفصلة. لكن الحديث يدور عن ظواهر حتى لو لم يكن لها مسبب مركزي واحد مبادر وموجه لها، فينبغي النظر إليها كجزء من مجمل واسع ومشترك.
نجحت إسرائيل في العقد الأخير في الحفاظ على استقرار أمني نسبي في وجه عموم الساحات الفلسطينية المختلفة وتقليص مظاهر الفاعلية الوطنية – الدينية. وقد تحقق الأمر كثيراً بفضل نهج استند إلى تلطيف حدة العنف الفلسطيني بواسطة أدوات اقتصادية، بمعنى الاقتصاد مقابل الأيديولوجيا. فالتعاون الاقتصادي مع السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن وجد تعبيره في تقليص الإرهاب الفلسطيني؛ وأسهمت سياسة الدمج الاقتصادي لمواطني إسرائيل العرب في نزعة البراغماتية السياسية لأجزاء من الزعامة في الوسط العربي. وحتى حيال قطاع غزة، دخلت إسرائيل في خطوة هادئة وغير رسمية من “التسوية” مع حماس استندت إلى صيغة المال مقابل الهدوء. لقد ولد هذا الواقع، كما أسلفنا، هدوءاً نسبياً سمح لإسرائيل للتفرع لسياقات النمو التكنولوجي – الاقتصادي وتثبت مكانتها الدولية، والإقليمية أيضاً، في شكل اتفاقات إبراهيم. ولكن برزت في السنة الأخيرة شروخ أولى في هذا الواقع، وبدأ يلوح رد فعل مضاد في داخل المجتمعات العربية – الفلسطينية على النهج الاقتصادي، من جهة أولئك الذين لم يحظوا بالتمتع بثمار الفعل الاقتصادي، وكذا من جانب أولئك الذين لم يتخلوا قط عن طموحهم الأيديولوجي وسعوا لاستعادة المجد. ودليل ذلك نجده في الأحداث الخطيرة التي وقعت في المدن المختلطة في إسرائيل في حملة “حارس الأسوار”.
والتتمة وجدت تعبيراً في تعاظم ظاهرة العنف في المجتمع العربي، والذي خرج من الدوائر الأكثر محافظة ووجه ضد أولئك الذين يسعون للانخراط في اقتصاد الدولة وسياقات الحداثة؛ وفي تعاظم الإرهاب الفلسطيني في يهودا والسامرة، وأساساً في شرقي القدس، الذي خرج من دوائر الشبان اليائسين؛ وبالطبع في عربدة مجرمي المجتمع البدوي في النقب. إن رفع الرأس لرجال الأيديولوجيا، أولئك الذين جاءوا من بلدات المحيط، نبع من الفهم بأن النهج الاقتصادي لا يعكس فقط قوة من تمتع به، بل وأيضاً ضعف أولئك الأشخاص من السياقات التي تنطوي على استخدام القوة. من زاوية النظر هذه، فإن صورة الضعف، التي تعرض في الخطاب الإسرائيلي عبر التعبير المتآكل “غياب الحوكمة” هي التي منحت ريح إسناد لأشرعة متحدي التسوية الاقتصادية – المنفعية ممن جاءوا من عموم عناصر المجتمع العربي – الفلسطيني، سواء في إسرائيل ذاتها أم خارجها.
العملية التي جرت في بئر السبع هي حلقة أخرى في سلسلة أفعال التحدي هذه. فهي تجسد، بالضبط مثل الحرب في أوكرانيا، التواجد القريب لرجال النظام الأيديولوجي – الهوية، القديم الذين يهددون بضعضعة الاستقرار في العقد الأخير من خلال استخدام جملة أدوات مشابهة تستخدم العنف على أنواعه.