منذ شهر تقريبا شنت روسيا هجوما جويا وبريا وبحريا على اوكرانيا وكما قال المتحدث العسكري الروسي بان الطيران الحربي قد قضى على غالبية المطارات العسكرية وقيادات الاقاليم العسكرية الاوكرانية ، كان الخطاب السياسي للرئيس بوتن والقيادة العسكرية بما فيها وزير الخارجية الروسي كخيار استراتيجي في هذه الحملة هو تغيير النظام السياسي في اوكرانيا وقد سبق ذلك اعتراف روسيا باستقلال اقليم الدونباز ذو الاغلبية الروسية ، كان الخطاب السياسي هو القضاء على النظام النازي في اوكرانيا والذي ارتكب مجازر بحق المواطنين من الاصول الروسية في اقليم دونباس والتفرقة العرقية والغاء الثقافة الروسية واللغة الروسية في الاقاليم الشرقية .
في البداية توقع الكثيرون ان تنتهي الحملة الروسية بتغيير النظام السياسي في اوكرانيا بعد دعوة الروس للجيش الاوكراني بخلع القيادة السياسية ، ولكن ظهر زيلينسكي رافضا اي ضغوط للخروج خارج اوكرانيا واظهره الاعلام الغربي كبطل قومي في بلورة شخصية اخرى لزيلينسكي الممثل في المسرح والممثل الكوميدي.
بلا شك ان الاعلام الغربي كان ناجحا جدا في اظهار زيلينسكي كزعيم يحافظ على قومية اوكرانيا وثقافتها، في حين ان الروس لم يكن الاعلام لديهم بالقدر الكافي للتعبير عن الاهداف الحقيقية لما تقوم به روسيا من اجل حماية امنها القومي والاقليمي امام طموحات اوكرانيا بالانضمام لحلف الناتو بل قد كشف بوتن عن دور اوكرانيا في تصنيع الاسلحة البيولوجية وربما تصديرها جرثوميا وفيروسيا لدول اخرى مستهدفة تستهدف السن او الطبقة او غيره من الاختراعات البشرية .
الاعلام الغربي والدول المتحالفة مع الغرب وامريكا الذي اتهم رئيسها بوتن بمجرم حرب لاول مره في المصطلحات الدبلوماسية والسياسية تقوم بها دولة عظمى امام دولة عظمى وعضو في مجلس الامن ، في حين ان روسيا اجابت بان النظام الدولي بالكامل يحتاج الى تغيير وايجاد متغيرات جديدة عن ما فرضتها الحرب العالمية الثانية واحتكار الدولار للسوق الدولي والتي دفعت بوتن لاعتبار اي تبادل اقتصادي او تجاري يجب ان يكون عبر العملة المحلية الروسية بالروبل ، منطقة القوة التي تتعامل فيها روسيا امام العقوبات الشاملة والقاسية التي اتخذها الغرب اتجاه روسيا هو الغاز الذي لا تستغني عنه اوروبا والتي رفضت المانيا الاستغناء عنه مما يعتبر اختراق للعقوبات وربما يصر بوتن على تعامل الروبل او الذهب امام العملة الروسية .
بالمنظور السياسي لا العسكري لن يكون النظام الدولي ما قبل اجتياح اوكرانيا كما هو بعده ، ولكن اعتقد ان الآمال الروسية في تحقيق تحالف اخر امام الغرب لم يتبلور بعد وخاصة ان الصين موقفها غير مندفع بخصوص روسيا وكذلك ايران وفانزويلا وباكستان والهند ، ولذلك كانت مواقف تلك الدول بالتاكيد محل دراسة امام السياسيين الروس .
عسكريا وحربيا اتسم الهجوم الروسي بعد ثلاثة ايام بالبطئ الشديد مما فسره الخبراء العسكريين بالمقاومة الشديدة من الجيش الاوكراني والمقاومة الشعبية التي فتح لها زيلينسكي السلاح ، ولكن بنظرة استراتيجية يمكن للروس ان يحسموا اوكرانيا بالقوة الفتاكة او الغاشمة التي لا تبقي ولا تذر ولكن الروس اعتمدوا على تغيير مطالبهم السياسية امام الحملة العالمية التي يقودها الغرب ضد روسيا ولذلك روسيا غيرت من اهدافها المعلنة سابقا بتغيير النظام السياسي الى التعامل مع النظام السياسي والتفاوض معه حول حيادية اوكرانيا ، زيلينسكي عبر عن ذلك بانه يبحث قصة ومطلب حياد اوكرانيا ولكن بشرطية ان يتراجع الروس عن مطالبهم باستقلال اقليم دونباس وجزر القرم ، اما الروس فقد تنازلوا ايضا لمطلب ادارة محلية موالية للروس ، اعتقد ان المفاوضات ستقف الى هذا الحد وخاصة عملية الحشد الامريكي والبريطاني لجعل اوكرانيا ساحة افغنة لاستنزاف القوة الروسية وانهاء طموحاتها كقوة عظمى تنافس النظام الامريكي الغربي والدفع بالشعب الروسي للمطالبة بتغيير القيادة السياسية لروسيا ، فلقد صرح رئيس المجلس الاوروبي مناشدا الجيش الروسي بالقاء السلاح وفتح باب اللجوء الى اوروبا ومن هنا نجد ان هناك تصعيد اخر من اوروبا يؤثر على الحالة المعنوية للجيش الروسي في ظل تزويد ااوكرانيا باسلحة فتاكة للجيش الاوكراني ، نجد هنا ان روسيا ركزت في هجومها على المنطقة الشرقية والشمالية في اوكرانيا ، واخيرا تراجعت القوات الروسية في الشمال وانسحبت من ضواحي العاصمة كييف كان مبرر القيادة الروسية انه حسن نوايا لدعم المفاوضات مع الاوكرانيين ولكن هناك مشكلة ايضا تواجه التفاوض هي المفاعلات النووية التي سيطر عليها الروس والبيولوجية ايضا ومستقبلها والاشراف عليها .
منطقة ضعف الحملة الروسية على اوكرانيا هو غرب اوكرانيا المفتوح على بولندا ودول اخرى الذي اصبح ساحة للتدريب والدعم اللوجستي للجيش الاوكراني والتي لم تستطيع روسيا السيطرة عليه او قطع الامدادات مما يسهل على نظرية استنزاف روسيا من المنطقة الغربية لضرب الجيش الروسي في الشرق ، اما تحييد اوكرانيا فلا انصاف حلول في مثل هذا الصراع ، واما اوكرانيا مع الروس واما اوكرانيا مع النيتو من خلال حلف الناتو الذي دخل بكل قوته بشكل غير مباشر في اوكرانيا وربما خبراء عسكريين ومقاتلين يعملون في المنطقة الغربية .
اذا روسيا لم تحقق اهدافها المعلنة في بداية الهجوم واعتقد ان المفاوضات ستصل الى طريق مسدود وستبقى ساحة اوكرانيا هي المعركة الحقيقية بين الناتو وروسيا والقاعدة الواسعة للناتو في غرب اوكرانيا.