مجتمع وهمي اكتسح العالم واستحوذ على عواطفه وعقله، ليصبح الأبرز من ضمن المجتمعات التي نتعايش فيها، وهذا المجتمع غني عن التعريف؛ ألا وهو البيت الثاني لكل شخص منا، بل أصبح بمثابة البيت الأول للسواد الأعظم في العالم العربي والغربي، بكل تأكيد نتحدث عن العالم الأزرق صاحب أكبر توسع وتمدد عبر شبكة الانترنت وهو الفيس بوك..!
وبالرغم من اكتساحه العالم بشكل رهيب، إلا أن العقل البشري ما زال يفكر بإدمان الناس لهذا الموقع الغريب الذي اخترق بيوتهم وحياتهم الخاصة بشكل فجائي، وما زال يتساءل هل هذا التوسع مجرد صدفة وبشكل عادي أم وراءه أسباب خفية؟؟
ولهذا نطرق باب الإدمان المزمن الذي لاحق أهلنا في غزة حيث وصل إدمانهم حدًا أكبر من إدمان المخدرات بحد ذاتها..!
مدمنو الفيس بوك والحياة العامة..!
"أغلب وقتي أقضيه بالفيس بوك والواتس أب، وأينما توفر الواي فاي يفتح الموقع أوتوماتيكيًا، وفي أوقات الإجازة أقضي أكثر من ثماني ساعات يوميًا، وعادة اهتمامي عبر الفيس بالدرجة الأولي في السياسة والأخبار"، هذا أول ما بدأه أسامة عبد متحدثًا عن إدمانه على الموقع الأزرق..
ومضى قائلًا: "الكثير من الناس تصبح لهم شخصية مختلفة في الواقع عن التي نراها بالفيس بوك، وتجدهم منفصمين بالشخصية وحياتهم أصبحت متناثرة بين هنا وهناك، وربما تكون هذه الشخصية سلبية بالواقع وإيجابية بالفيس، والعكس صحيح"..
وأشار إلى نفسه: "أما بخصوصي، فبكل تأكيد حالي مثل أغلب المستخدمين أثر عليّ بشكل سلبي أحيانًا، ولكن أجد نفسي قد أدمنت هذا الوضع ولا مفر منه، وحاولت مرتين أن أبتعد عنه ولكني لم أستطع"..!
وأوضح: "إن الفيس بوك سيطر على الجميع، كبارًا وصغارًا، وحول حياتنا إلى تكنولوجيا، وأظن أن بداية الفيس كان مجرد فكرة إبداعية وسرعان ما انتبهت أجهزة المخابرات الدولية له، وشجعت الفكرة؛ لأنه تربة خصبة لجلب الشباب والطاقات وتفريغها في هذا العالم الافتراضي"، على حد قوله..
بينما سحر دغمش التي تمثل حالة الكثير من البنات، قالت: "إن الإدمان خيم على الجميع بلا استثناء، ولكن هناك نسبًا متفاوتة بينهم، وكوني فتاة ولا أجد البديل كوظيفة أو دورات تدريبية بسبب الوضع الذي يعانيه المجتمع من حصار، اعتبر نفسي مدمنة على هذا الموقع لتبادل المعارف والخبرات"..
وذكرت: "لو أني أعمل أو أخرج من منزلي لما كنت بهذا الإدمان الذي لا يستحقه، ولكنت من الطبيعي أن أتعامل معه بشكل متزن أكثر، حيث أنني أقضي معظم يومي عليه، وأقوم بنشر كل ما يجول بخاطري من اهتمامات، والتي تصب في القضايا السياسية والاجتماعية الحائزة على عقولنا بسبب أوضاعنا الخاصة كغزيين، واهتمامنا بكل كبيرة وصغيرة تحرك المواقف، ومع ذلك اتجه أحيانًا إلى نشر بعض الفكاهات والأدبيات لتغيير النظام على صفحتي"..!
وأكدت على أن الفيس بوك جزء لا يتجزأ منها ومن عائلتها، لتواصلهم المستمر عليه عن بعد، حتى لو كانوا في نفس المنطقة، معتبرة الفيس قرية صغيرة جمعت العالم بأكمله، وقربت كل بعيد..!
وأضافت: "إن هذا العالم عمل على تبادل الثقافات بين المجتمعات، ويبقي مثله كغيره سلاحًا ذا حدين، نستخدمه في الشر والخير، أما على صعيدي الشخصي فالفيس لم يسرقني من عائلتي ولم يؤثر عليّ بشكل سلبي بينما بشكل إيجابي أكثر، حيث استعمله في الخير بالمنشورات التي أنشرها"..
ونوهت أنه من الطبيعي أن يكون هناك شخصيات انفصمت عن الواقع، واستغلته سلبًا، وبقيت الرجعية والجاهلية في بعض العقول رغم الانفتاح والتطور التكنولوجي..
لا للإدمان..!
وعلى الرغم من الإدمان الشديد الذي واجهته المجتمعات كلها، إلا أن هناك أيضًا من لم يدمن على الفيس بوك، ومن جيل الشباب الذين أدمنوا كذلك، ولكن أبوا أن يكون اهتمامهم بهذا المطب الزائل في أي وقت من الأوقات..
وهذه هي حال سماهر.ع. التي لا تأبه للفيس بوك كباقي زميلاتها، رغم أنها تهتم بالعلم والثقافة عبر الإنترنت..
تحدثت سماهر: "أنا لست معنية كثيرًا بالفيس بوك، فلن استفيد منه، واعتبره مضيعة للوقت، وكوني موظفة، فنصف يومي أقضيه في العمل والنصف الآخر في منزلي، وأتصفح الفيس فقط للترفيه خلال نصف ساعة أو أقل وأقفله مرة أخرى"..!
واستغربت سماهر من الناس الذين يضيعون أوقاتهم عبر الفيس قائلة: "أعلم أن الشباب ليس لديهم العمل والحياة شبه ميتة، لكن الموظفين يدمنون الفيس لماذا؟! وما الفائدة منه؟!"..
ونوهت إلى أن هذا العالم الافتراضي هدم العلاقات الإنسانية الواقعية فيما بيننا على مستوي العائلة والمجتمع، وعمّرت علاقات وهمية، منها الإيجابي ومنها السلبي، فلكل فعل رد فعل، هذا هو الفيس بوك..!
الحياة الاجتماعية والنفسية والإدمان الفيسبوكي..!
ولأن الفيس بوك اخترق بيوتنا كسهم حاد، وغيّب عنا الواقع ووجهنا للافتراضية، اتجهنا لمحاورة سامي الأخرس الدكتور في العلوم السياسية، لنتحدث عن الحياة الزرقاء التي لونت حياتنا وإلى أين أوصلتنا؟
فبدأ حديثه قائلًا: "المشكلة لا تكمن في الفكر الاجتماعي والنفسي في الحياة الفيسبوكية وإدمان الناس عليها فقط، بل تكمن بالاتجاهات التي بدأنا نتجه نحوها من خلال هذا العالم في تغيير العادات والتقاليد وأفكارنا وسياساتنا كلها أصبحت تصب في هذا المنحدر"..
وأكمل: "وفي الحقيقة الفيس بوك تحول من مصدر تفاعل اجتماعي إلى مصدر معلوماتي يمكن من خلاله التأثير في العادات والقيم والمفاهيم الاجتماعية عن بعد، ويعتبر ثقافة يمكن من خلالها تغيير أمزجة وتوجهات المجتمعات ضمن أخصائيين محترفين بعلم النفس وعلم الانسان"..!
وأشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية والبطالة غيبت العقل الشبابي وحولت الفيس بوك لشغلهم الشاغل، والمطالبة بكل حقوقه من النافذة الزرقاء فقط، حتى أنه أصبح تنفيسًا عن الكبت المجتمعي بداخلهم، ويرجع ذلك لأسباب عدة أهمها الفراغ الذي يجد نفسه فيه، والفراغ الثقافي من جهة أخرى، وهذه حال المجتمعات العربية بشكل عام..!
وكشف عن أن هذا السلوك تستغله أجهزة المخابرات العالمية ليس بالتجنيد فقط أو الإسقاط، وإنما لتغيير السلوكيات والعادات والقيم المجتمعية مع غياب أي دور للمؤسسات الثقافية في المجتمع المستهدف..
وفي مثال عن الفكر المتطرف شرحه لنا، فقال: "يروج له بشكل واسع من قبل تجنيد العشرات لشنه بطريقة تؤثر فعليًا على الشباب، مع استغلال حالة العادات المجتمعية المقيدة للحريات في الواقع، لتحول الشباب ويجد حريته في الفيس بوك، وهذا أحد عوامل انهيار الترابط الأسري"..
وتحدث: "إن مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام تعددت وحاصرت المجتمعات وخصوصًا المحافظة منها، حيث لو تأملنا المادة المقدمة بهذه المواقع نجدها مادة متكاملة دينيًا ومجتمعيًا وثقافيًا ووطنيًا، وأصبح الشباب يعتقد أن دوره في المواقع وليس في الشارع والمؤسسات التربوية والثقافية، والسبب في ذلك منحهم الحرية بشكل أكبر، وفيه مرونة أكثر مع التفاعل السريع والمحادثات واستخدام الكاميرا والمايك التي يمكن من خلالها أن يجد الشاب نفسه في عملية متفاعلة حية، وكل أركانها متوفرة"..!
ونوه إلى أن أولى حلقات أجهزة الأمن العالمية هي اختراق مكونات الخصوصية الشخصية والعائلية، وعليه يتم اسناد باقي الخطوات على ما يحصل عنه من معلومات لأي عملية تجنيد وإسقاط، ولا تتم عشوائية بل بعد عملية استقصاء شاملة للأحوال المجتمعية للشخص والعائلية والاقتصادية وجملة الظروف البيئية التي يعيش فيها، ثم يتم التعامل معه أمنيًا وفقًا لهذه المعلومات، ولذلك فطرق الإسقاط تتم معظمها إما من خلال المال أو النساء، وهذا ما يتم عن طريق الفيس بوك، باستخدام الأسلوب الأنسب على حسب دراسة نفسية الشخصية المستهدفة، وكله عن طريق خصوصية الفيس بوك..
ونصح جميع الشباب بمحاولة تقييد أوقات متابعة صفحاتهم، والانخراط في الحياة الاجتماعية والابتعاد عن العزلة مع ممارسة كل النشاطات والهوايات المناسبة على أرض الواقع، بدلًا من تمضية الوقت على فراغ ولهو لا فائدة منه..
ووجه الأخرس رسالة واضحة للشباب لأن يحاولوا تقليل الإدمان بتعويض فكرهم وفراغهم بما يناسبهم أكثر، فالحياة ليست عبارة عن مجرد شات وتواصل لشاشة مجهولة الهوية، فهناك ما يستحق في الحياة أن نرى وجوده كما وجودنا..
الفيس بوك في سطور..!
تم إطلاق الفيس بوك لأول مرة عام 2004م، وكان انتشاره محصورًا على كليات معينة داخل أمريكا، ومن تم تدرج في توسعه على مدار السنوات إلى أن وصل العالم العربي في أواخر 2007م..
وصل عدد مستخدمي الفيس بوك إلى هذه اللحظة لـ 600 مليون مستخدم وأكثر، من حول العالم عبر أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة..
مؤسس الفيس بوك هو مارك زوكربيرغ، ويعتبر الموقع شركة خاصة وليس لديه أي صلة مالية بالموقع، وجاءت هذه المعلومة في لقاء صحفي معه، بعد أن سألوه ماذا يعني لك أن تكون مليارديرًا؟ فقال أنا لست بملياردير، وكرر إجابته بأن الفيس بوك هي شركة خاصة، ولا يمكن لأي شخص أن يعرف أسماء الممولين والتكتم عنهم منذ تأسيس الموقع..
في عام 2008م تم نشر بحث مرئي على موقع اليوتيوب عن موقع الفيس البوك، وتم تتبع سلسلة الممولين بالتدريج إلي أن تم التوصل للممول الحقيقي للموقع، بعدها وفي نفس السنة تم تعديل شروط الموقع وقوانينه التي تتعلق بالخصوصية، وذلك ربما لنفي الشكوك حول ما تم نشره على ذلك البحث المرئي..
الدعم الأولي لموقع فيسبوك كان بقيمة 500 ألف دولار عن طريق بيتير فيلد مؤسس وصاحب موقع بي بال، وجاء الدعم الثاني بقيمة 12.7 مليون دولار من شركة اكسيل لصاحبها جيمس براير وكان مساهم سابق في شركة ان في سي ايه (NVCA)، وخدم بجانب غيلمان لوي وهو المدير السابق لشركة ان كيو تيل (IN.Q.Tel) وهي شركة أسسها جهاز الاستخبارات الأمريكية السي أي ايه عام 1998م، وهذه الشركة تعمل على العديد من النشاطات التي تشمل الاستخبارات التكنولوجية، بما في ذلك تكنولوجيا مراقبة البيانات..
وفي نهاية المطاف، أصبح العالم الافتراضي عالمًا حقيقيًا وجديدًا لنا نمضي معظم أوقاتنا عليه، ولكن هل فكرنا مليًا إلى أين تأخذنا هذه البوابة الزرقاء، التي كشفت عوراتنا من خلال صورنا ومعلوماتنا الأساسية وميولنا، وكل ما هو مفضل لنا، وهل راجعنا أنفسنا أين نحن من كل هذا؟ ولننظر لما يسمي بسياسة الخصوصية حيث تقتضي على أنه من حق موقع فيسبوك أن يتشارك معلوماتك الخاصة مع طرف ثالث بما فيها الشركات الخاصة الممولة لموقع فيسبوك، فسرّ بعدها..!