في الوقت الذي اتجهت فيه عدسات وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية إلى جبل الزيتون بالقدس وباب العامود المؤدي للبلدة القديمة؛ لنقل مشاهد اقتحام المسجد الأقصى المبارك من المستوطنين الذين تم تعزيزهم بأعضاء كنيست متطرفين أمثال ايتمار بن غفير، تحت حماية قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليصل عدد المقتحمين إلى ألفي مقتحم، بينما تمكن حوالي 70 ألف مستوطن من الوصول إلى القدس وإقامة ما تُسمى بـ"مسيرة الأعلام الإسرائيلية" لإحياء ذكرى توحيد القدس، وقد تم استدعاء ثلاث كتائب من جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ لتأمين المسيرة حسب ما هو مخطط لها للانطلاق من باب العامود وباب الخليل إلى البلدة القديمة حيث الحي الإسلامي وصولاً إلى حائط البراق.
فخ للمقاومة
وكانت أنظار العالم تُراقب قطاع غزّة والرد المنتظر من فصائل المقاومة هناك؛ خاصةً أنَّ دولة الاحتلال لم تنصاع لتهديدات الفصائل التي هددت برد غير مسبوق- الرشقة الأولي من صواريخ المقاومة ستصل إلى 1111 صاروخ نحو مدن الاحتلال- حال وصول مسيرة الأعلام إلى باب العامود.
لكِن المفاجأة كانت بالتزام فصائل المقاومة التي تعمل ضمن غرفة عمليات مشتركة تضم كافة الأذرع العسكرية، سياسة ضبط النفس، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل حول أسباب هذا الصمت رغم سقف التهديدات العالية التي جعلت سكان غزة يعيشون حالة ترقب وحذر تسبق الحرب.
الكاتب والمحلل السياسي، حسن عبدو، رأى أنَّ عدم رد الفصائل على مسيرة الأعلام الاستفزازية له عدة أسباب، تتمثل في توفر معلومات للمقاومة بأنَّ الاحتلال صنع فخاً لها من خلال مناورات "عربات النار" التي تُحاكي عدوان شامل على قطاع غزّة ومناطق أخرى بشكل شامل.
وقال عبدو، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ هذه المناورات انتهت يوم أمس، مع بداية مسيرة الأعلام الاستفزازية في القدس المحتلة؛ الأمر الذي يُؤكّد أنَّ جيش الاحتلال كان في وضع انتشار قتالي بالكامل وقد اختار الوقت المناسب له للمعركة".
لا حصانة للصحافيين
وأضاف: "كذلك من بين الأسباب التي دفعت المقاومة لممارسة سياسية ضبط النفس، هي اغتيال دولة الاحتلال للصحفية شيرين أبو عاقلة بتاريخ 11 مايو الجاري، في رسالة مفادها أنّه لا حصانة لأيّ صحافي يُمكن أنّ ينقل الحقيقة".
وأشار إلى أنَّ قناة الجزيرة المملوكة لدولة قطر، لديها سياسية تتصف بالمرونة مع دولة الاحتلال حيث تستضيف قادة الاحتلال على شاشاتها؛ وعلى الرغم من ذلك تم اغتيال مراسلتها، وبالتالي لا حصانة للصحفيين في أيّ حرب قادمة.
وتابع: "كذلك فإنّ المستويين السياسي والعسكري لدى الاحتلال، أصدرت تعليمات للأجهزة الأمنية بالانتشار بكافة كتائبها ومليشياتها داخل المدن المختلطة في الأراضي المُحتلة عام 1948، وفرض حصار على مدينة القدس ومنع الوصول إليها؛ لتفريع الأقصى من المرابطين؛ وذلك لإرضاء المستوطنين والمتطرفين لتحقيق مكسب سياسي لحكومة الاحتلال الهشة".
وأردف: "كل المؤشرات سابقة الذكر تُبيّن أنَّ الاحتلال هو الذي اختار توقيت الذهاب نحو مواجهة مع المقاومة"، مُضيفاً: "الاحتلال خدع الوسطاء بإرسال رسائل طمأنه؛ لكِنه مارس سياسية المراوغة على الأرض؛ الأمر الذي جعل المقاومة تُمارس سياسية ضبط النفس وتُحافظ على الإجماع الفلسطيني في الرد".
وأوضح أنَّ حركة الجهاد الإسلامي كان لديها نوايا تصعيديه، إلا أنّها فوتت الفرصة على الاحتلال؛ لصالح حالة الإجماع الوطني؛ مُبيّناً أنَّ المقاومة تعتبر ما حدث أمر كبير ويستدعي الرد.
صمت تكتيكي وليس استراتيجي
وبالحديث عن إمكانية رد المقاومة في المستقبل القريب على ما جرى عبر مسيرة الأعلام، قال عبدو: "إنَّ المواجهة القادمة لن تطول؛ بالنظر إلى ما جرى بالأمس في مسيرة الأعلام المستفزة وتواصل الاقتحامات في المسجد الأقصى المبارك بصورة يومية في مسعي لتثبيت تقسيمه زمانياً ومكانياً لإقامة الهيكل المزعوم".
وأكمل: "لكِن جغرافيا المقاومة ستمتد وقد شهدنا خلال الأشهر الماضية امتداد المقاومة ليس في غزّة بل إلى داخل مدن الضفة الغربية، حيث انتشرت فكرة كتيبة جنين بنابلس وطولكرم وستمتد لمدن أخرى".
واستدرك: "الوقت يعمل لصالح المقاومة وهي ستختار الجغرافيا المناسبة للرد الشامل، مع تأكيد المقاومة على وحدة الساحات والمواجهة الوطنية الشاملة؛ بمعنى أنَّ فصائل المقاومة تُريد أنّ يُشارك الكل الفلسطيني في هذه المعركة".
وختم عبدو حديثه، بالقول: "إنَّ المعركة مع الاحتلال طويلة، وبالتالي المقاومة متحفزة لرد كبير في ظل قواعد الاشتباك التي رسختها، بأنَّ القدس عنوان ثابت لكل المعارك القادمة، وأنَّ الربط بين رد المقاومة والاعتداءات في القدس لا عودة عنه؛ الأمر الذي يؤكد أنَّ عدم رد المقاومة تكتيكي وليس استراتيجي".