على امتداد التاريخ البشري كان مفهوم الحرية قضية لها قيمة عظمى في حياة الأفراد والجماعات على السواء. وقد كان الإنسان ولم يزل ينظر إليها على أنها مطلب أساسي يجب الحصول عليه مثلها مثل الطعام والمسكن، فالحرية مرتبطة ارتباطا كبيرا بالنشاط الإنساني، إذ أن النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأي مجتمع من المجتمعات تكون نتيجة حتمية للتفاعل بين العوامل المرتبطة بالبيئة والحضارة ماضيا وحاضرا.
فالنضال من أجل الحرية نضال قديم قدم التاريخ تقوم به الجماعات والأفراد ضد أوساطهم السياسية.
وتُعدّ حرية الصحافة العجلة الأساسية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي في جميع بلدان العالم، فلا وجود للديمقراطية دون حرية الصحافة بمعناها الفضفاض،
لكونها من أهم أبجديات مجتمع التعددية والديمقراطية، فهي تتأثر بمختلف القوانين والمواثيق واللوائح التي تؤكد على مبادئ الحرية وتلتزم بها، وتدعو إلى ممارسة أوسع لها في مختلف مناحي الحياة الإعلامية.
حيث تهتم المواثيق الدولية بالحرّيات الصحفية، حيث بدأ ذلك بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان بنصّ المادة (19)، كذلك تأكيد المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على تلك الحريات، ونصّ المادة (79) من البرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف المشكّلة للقانون الدولي الإنساني على أن الصحفيين "الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة (50). وتناول القانون الأساسي الفلسطيني المعدل الحريات الصحفية في المادة (19)، حيث نصّ على حرية الرأي والتعبير بالنشر والقول والكتابة والأشكال المختلفة، وفي المادة (27) تناول تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام وحريتها.
حرية الصحافة مطلباً إنسانياً واجتماعياً وفكرياً وسياسياً، ويأتي الاهتمام بالحرّيات الصحفية كثمرة لاحترام الصحافة ودورها المجتمعي، وممارسة الصحفيين لعملهم الرقابي على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كسلطة رابعة، والحرّيات الصحفية هي: حرية الرأي والتعبير، وحرية وصول الصحفيين للمعلومات وتداولها والحق في الاحتفاظ بالمصادر وسرّيَتها، والحق في تملك وإنشاء وسائل الإعلام المختلفة، إذ أصبحت هذه المفاهيم حقوق للإنسان يترتب عليها واجبات من السلطة الحاكمة والأجسام الصحفية المختلفة.
وللمجتمع الفلسطيني خصوصية كونه يقع تحت نير الاحتلال، ويعاني من آثار الانقسام الفلسطيني الداخلي، ووصلت الحرّيات للحد الأدنى من الاحترام خلال أحداث الانقسام، فارتكبت العديد من الانتهاكات خلال تلك الأحداث، وترتّب على ذلك وجود جسمين للسلطة، وغيبت المؤسسات الفلسطينية الموحدة كالمجلس التشريعي والأجهزة الأمنية والوزارات والمؤسسات الحكومية.
واستمرت الانتهاكات بحق الحريات الصحفية في غياب الضمانات التي تحمي الحريات الصحفية، سواء من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي أو من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة، وتفضي الحريات الصحفية بالتأكيد إلى عمل صحفي حر، يخدم المجتمع ويرتقي به، ويحمي الصحفي ويشجّعه على أن يصدح برأيه المهم الصحيح دون قيود وبالشكل الذي يراه مناسباً، وبالأسلوب الملائم، شريطة احترام آراء الآخرين، وعدم القذف أو القدح، وألا يضع نفسه تحت طائلة القانون.
تعيش الحريات الصحفية في فلسطين حالة متدنية، فالانتهاكات كبيرة وكثيرة ومتنوعة، ويقترفها أكثر من طرف، ويمكن وصفها بالمنظمة والجسيمة.
فالاحتلال يواصل انتهاك حقوق الصحفيين الفلسطينيين في كل من محافظات الضفة الغربية ومحافظات غزة، خلال العمل، وحقّهم في الرأي والتعبير والوصول إلى المعلومات وإنشاء وملكية وسائل الإعلام، فيرتقي شهداء وجرحى بين الصحفيين الفلسطينيين، ويعتقلهم، ويعتدي عليهم بالضرب ويخرّب معداتهم، ويغلق المؤسسات الصحفية ويعبث في محتوياتها، وغير ذلك من الانتهاكات والإجراءات التي تمسّ الصحفيين الفلسطينيين ومؤسساتهم بشكل مباشر.
كما يعطّل الانقسام الفلسطيني دور المجلس التشريعي الفلسطيني في تأييد أو إصدار تشريعات جديدة تحافظ على الحريات الصحفية، وساعد قوى الأمن في كل من الضفة وغزة على انتهاك حرية الصحافة باستخدام تقييدات القانون وربط ذلك بالمصلحة العامة والتي يقصد بها مصلحة السلطة الحاكمة، وانتهاك حقوق الصحفيين الفلسطينيين في الرأي والتعبير والوصول إلى المعلومات وإنشاء وملكية وسائل الإعلام، فتمنعهم من التنقل والحركة، ويعتدي عليهم بالضرب، وتعتقلهم أو تستدعيهم لمقابلة الأجهزة الأمنية، وغير ذلك من الانتهاكات التي تهدد أمن الصحفيين وسلامتهم الشخصية.
أن الاحتلال والانقسام تعديا كونهما معوقات وانتهاكات إلى أنهما أصبحا أسباباً لانتهاكات ومعوقات أخرى، وبزوالهما ستصل الحريات الصحفية إلى درجة راقية يلفّها الاحترام والحماية في فلسطين.