حرب "حزب الله" وإسرائيل: ترسيم الحدود يحدّد مصير لبنان!

حجم الخط

بقلم ابراهيم حيدر

كل المعطيات تشير إلى أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة للبنان، ليس فقط لإنتاج حلول لمعضلته الداخلية، بل قد تحدد مصيره للمرحلة المقبلة. يظهر في هذا السياق أن ملف ترسيم الحدود البحرية هو العنوان الرئيسي الذي تدور حوله المعركة، ويتحدد من خلاله مستقبل الحكومة وانتخابات الرئاسة بعد انتهاء ولاية ميشال عون أواخر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

 

يتقدم الترسيم على كل الملفات اللبنانية، من الحكومة إلى استحقاق الرئاسة، وبينهما خطة التعافي الاقتصادي والعلاقة مع المجتمع الدولي. وبات الحل اللبناني أو التسوية الداخلية معلقين به انطلاقاً من المهلة التي أعطاها "حزب الله" حتى أيلول (سبتمبر) المقبل للوصول إلى اتفاق بعد التصعيد الذي أطلقه أمينه العام حسن نصر الله، وكرّس من خلاله وضع الحزب المقرر في المجال العسكري والسياسي لبنانياً، نظراً لارتباط الملف بالاستحقاقات الأخرى وما يمكن أن يفتحه من احتمالات حول الوضع اللبناني، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بتدمير لبنان في حال نشوب حرب واستعجال تل أبيب للبدء بإنتاج الغاز خلال ثلاثة أشهر.

 

وبينما بات ملف ترسيم الحدود صلة الوصل الوحيدة مع المجتمع الدولي، تتكثف الاتصالات الأميركية لحل هذا الملف، وتجنب نشوب حرب في المنطقة، وتمكين إسرائيل من إنتاج الغاز في حقل كاريش لتصديره إلى أوروبا بديلاً من الغاز الروسي. فيزور الوسيط الأميركي المسؤول عن أمن الطاقة، آموس هوكشتاين، بيروت، لوضع المسؤولين اللبنانيين في أجواء الرد الإسرائيلي على الطلب اللبناني بالحصول على الخط 23 وعلى حقل قانا كاملاً، علماً أن أي تقدم في الترسيم يرتبط إلى حد بعيد بحدوث توافق أميركي – إيراني على إعادة إحياء المفاوضات النووية وتذليل العقبات التي تمنع الوصول إلى توقيع الاتفاق النووي.

 

اللافت أن المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، يركز على حسم ترسيم الحدود، كونه الملف الأكثر سخونة لارتباطه بمادة الغاز الحيوية أولاً، ثم لتجنب نشوب حرب قد تشعل المنطقة كلها، وتُفاقم المشكلات العالمية بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، فلا أحد يريد إعلان فشل المفاوضات النووية ولا إقفال البحث في التوصل إلى حل لترسيم الحدود، علماً أن السباق على أشده لمنع انسداد التفاوض، كونه يؤدي إلى تصعيد في المنطقة سيفجر الوضع اللبناني المرتبط مباشرة بهذا الملف وهو على تماس مباشر معه. وقد كان موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أخيراً، واضحاً في التركيز على ضرورة حل هذا الملف، مع أنه دعا إلى تشكيل الحكومة سريعاً وإنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها.

 

يفتح ترسيم الحدود على إمكان التوصل إلى تسوية لبنانية داخلية، أقله لتجاوز المأزق الذي يعيشه البلد، من فراغ وتعطيل وأزمات اقتصادية واجتماعية ومعيشية وتفلت اجتماعي، وإن كان البعض يرى أن الحل اللبناني بات مستعصياً على كل شيء حتى مع الوصول إلى اتفاق، لكن رهان قوى سياسية وطائفية في البلد يبقى على ملف الترسيم، خصوصاً "حزب الله"، إذ إن تهديداته بالحرب في حال منع لبنان من الاستفادة من الغاز، تمكنه من لعب أدوار مستقبلية أكبر في المرحلة المقبلة، وهو يعرف أن هناك حاجة أميركية وأوروبية للغاز، فيما تريد إسرائيل البدء بالإنتاج، وبذلك تتجاوز تهديداته البلد وتدخل في استراتيجيات وأهداف إقليمية ورسائل إيرانية. وفي المقابل، فإن فشل الاتفاق على الترسيم يبقي لبنان في حالة فوضى وانقسام، ويؤدي إلى مزيد من الفراغ وانهيار المؤسسات الدستورية.

 

يتضح اليوم أكثر فأكثر ومن خلال ملف الترسيم، أن لبنان لا يمكن أن ينتقل إلى مرحلة التسوية بلا رعاية دولية، أو أقله بلا تدخل دولي، بعدما دفعت الطبقة السياسية الحاكمة البلاد إلى الانهيار وهي عاجزة عن إنتاج تسوية داخلية، لذا تراهن على الترسيم للإنقاذ وعلى تحرك إقليمي ودولي للمساعدة ورعاية الوصول إلى حل يتيح إنجاز الاستحقاقات الدستورية.

 

الواقع يشير إلى أن المجتمع الدولي لا يهتم حالياً سوى بملف الترسيم، لكنه يشكل نقطة عبور للملفات الداخلية الأخرى، لذا ينتظر لبنان زيارة هوكشتاين التي ستحدد مدى التقدم الذي يحكى عنه في الترسيم، والأجواء الإيجابية التي يجري ترويجها، وهي زيارة قد تشير أيضاً إلى إمكان توافر ظروف إقليمية ودولية تضغط نحو الحل، وما إذا كانت هناك نوافذ لا تزال مفتوحة للتواصل الإيراني – الأميركي غير المباشر حول التفاوض النووي، أو أن الأمور ستسير إلى مزيد من التعقيد، أي نحو التصعيد الأمني والعسكري، وحتى في الداخل اللبناني مع الانقسام الذي نشهده في البلد، فيما "حزب الله" وإسرائيل مستعدان للمواجهة أو للحرب التي يمكن أن تفتح على المنطقة كلها.

 

وعلى رغم الترويج لأجواء إيجابية حول الترسيم، خصوصاً أن لا أحد يريد تصعيداً في المنطقة، إلا أن الضبابية لا تزال تحكم الوصول إلى اتفاق. الأميركيون يدركون أن الحرب ستمنع استخراج الغاز ووصوله إلى أوروبا واستمرار محاصرة الروس، فيما "حزب الله" الذي صعّد ليس لمصلحة لبنانية بحتة بل لاستهدافات إيرانية، يعرف مع مرجعيته الإيرانية الحاجة الأميركية، وهو أمر يدفع كل الأطراف إلى البحث عن حل أو اتفاق للترسيم لا يؤديان إلى حرب، بل يوزع النفوذ ويضمن المصالح في الداخل والخارج. لذا يقال إن الأميركيين يركزون اهتمامهم على هذا الملف لمنع الحرب، وهم قرروا تكثيف زيارات عدد من مسؤوليهم الشهر المقبل للبنان للحض على الوصول إلى اتفاق.

 

أما في لبنان، فيبدو أن تركيز "حزب الله" على ملف الترسيم وإطلاق تهديداته وتصعيده والمهل التي أعطاها، لها وظيفة واضحة في حالتي الحرب أو الوصول إلى الاتفاق. هو قدم حزبه كمقرر وله أجندات محددة محلياً وإقليمياً، وفي كل الأحوال يبدو مستفيداً بنسب أي إنجاز له حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق ولم تحدث الحرب. وفي المحصلة، فإنه في ظل مشهد إقليمي لا اكتراث للدول بلبنان، قرر البعض أخذ لبنان إلى المعركة الإقليمية من دون اعتبار لمصالحه ولمصيره ومستقبله.