نشهد في الفترة الأخيرة محاولات في مختلف المجالات والأشكال من أجل التغيير، أي الانتقال من الوضع الحالي إلى وضع أو أوضاع أخرى، يعتقد من يقود أو يشارك في هذه المحاولات من أشخاص أو اطر أو تكتلات، أن الأوضاع بعد التغيير ستكون افضل أو اكثر إيجابية لصالح المواطن والناس والبلد، وفي مختلف المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والتنموية وبالطبع الأوضاع السياسية أو العامة، والتي إن تم التغيير، من المفترض أن تعبر عن رغبة الناس، من خلال مشاركتهم بحرية في اختيار شكل ومضمون وحدة التغيير الذي يبتغونه، أي من خلال الانتخابات، سواء أكانت انتخابات رئاسية أو تشريعية أو محلية أو غير ذلك.
والتغيير وبصرف النظر عن نوعيته وحدته، وسواء أكان على المستوى العام كما ننشد في هذه الفترة، أو على مستوى المؤسسات أو الشركات أو الحركات الاجتماعية أو حتى على مستوى الأفراد، ليس من السهل أن ينجح، وان تحقق التغيير المطلوب، فإنه يكون قد تم بصعوبة وبمشقة وتضحيات وما إلى ذلك، والسبب هو أن الخروج من المنطقة المريحة أو السهلة التي اعتاد الناس عليها، وبصرف النظر عن الإطار الذي يتواجدون فيه ليس بالأمر المرغوب أو المحبذ، هذا رغم أن التغيير بحد ذاته هو أمر مفيد، أي أن التغيير يكون في العادة في الاتجاه أو الإطار الإيجابي.
ورغم أن أجندة التغيير في الغالب هي إيجابية، وان الهدف من التغيير هو الانتقال إلى أوضاع أفضل، إلا أن الدراسات والأبحاث والحالات العديدة التي تم التعمق فيها حول التغيير خلال السنوات الماضية، دلت على أن السبب الأساسي لفشل التغيير هو عملية "إدارة التغيير"، أي إدارة الآلية أو العملية التي يتم بها التغيير، وبالأخص ضعف التواصل والقيادة والتشارك والقناعة والالتزام وتحمل التكاليف بين مكونات عملية التغيير، والاهم من كل ذلك هو نوعية العنصر أو العناصر البشرية التي تقود التغيير.
ومن أجل أن ينجح خيار التغيير، من المفترض أن يكون خيارا واقعيا عمليا ينبع من الوضع الحالي ومن رغبات الناس، بعيدا عن الشعارات والطموحات والتخيلات التي اعتدنا عليها، وان يأخذ في الحسبان فهم ما يدور من حولنا، وفي ظل فهم ما هي إمكانياتنا وطاقاتنا ومصادرنا، وفي ظل الاستفادة من تجارب الماضي حين كانت الشعارات والآمال كبيرة ولكن بعيدة عن الواقع، وفي ظل ظروف ومتغيرات لا نتحكم فيها وتجرفنا معها، وفي ظل تذكر حين كنا نبالغ في الكثير من الطروحات ومن الخطط، متناسين مدى ما نملك من مصادر ومن حدود للمناورة أو التغيير.
والتغيير يتطلب التعامل مع الأوضاع المتغيرة، إن تم التغيير، أي الجاهزية للحفاظ على مخرجات التغيير، أي وجود كادر بشري ومؤسسات قادرة على التعامل مع الوضع المختلف في اليوم التالي، ووجود الخطط اللوجستية والنفسية لتهيئة الناس لذلك، ومن المفترض عند البدء بصياغة هذه الخطط بأن يتم تجاوز العموميات أو العناوين الكبيرة، ومن ثم الخوض اكثر في التفاصيل أو في الخطوات المحددة أو العملية، أو بطرح الأسئلة الأكثر عمليا أو تحديدا ومن ثم توفير الأجوبة أو العمل في اتجاه ذلك وعمليا.
وهناك فئات متعطشة للتغيير، ومنها فئة الشباب، سواء أكانوا إناثا أو ذكورا، وهذا التعطش ينبع من أهمية الدفع في التغيير من أجل الأفضل والتعامل مع حاجات الشباب، سواء من خلال الجانب السياسي وأهمية وبل حتمية المشاركة السياسية للشباب من أجل الحفاظ على الديمقراطية والانتخابات والحرية والتغيير المنظم الذي لا ينفصل عن التغيير في الجانب الاقتصادي المهم للشباب من حيث العمل والابتكار والتقدم والتنمية، والابتعاد عن شبح البطالة وتداعياتها القاسية.
وحين الحديث عن الشباب والتغيير، فمن المعروف أن المجتمع الفلسطيني بكافة تجمعاته هو مجتمع فتي أو مجتمع شاب، وهذه الفئة الضخمة من فئات المجتمع العمرية من المفترض أن يحسب لها كل الأهمية، سواء في مجالات التخطيط أو التنمية أو طبيعة التغيير أو الجوانب الصحية والاجتماعية أو في موضوع اختيار من يمثلهم، أي في الانتخابات وبصرف النظر عن نوعها، فمن المفترض أن تحتل هذه الفئة الشابة الضخمة الأهمية والحيز المطلوبين، سواء من حيث الترشح أو طبيعة البرامج الانتخابية، وبالأخص تلك البرامج التي تركز على مبدأ التغيير، سواء أكان تغييرا اجتماعيا أو تربويا أو اقتصاديا أو سياسيا، وللأسف هذا لم يتم الأخذ به حتى الآن بمن يهدف وينادي بالتغيير.
وكما بينت الدراسات والمنشورات الحديثة، فشل التغيير في حالات كثيرة بسبب الفشل في قيادة أو إدارة عملية التغيير، وهذا يعني فشل من حاول التغيير، أي الانتقال من أوضاع حالية إلى أوضاع أفضل في حشد أو إقناع من يتأثر بالتغيير، ومن الحالات التي تمت دراستها حالات شركات أو مؤسسات وضعت أجندة طموحة للتغيير ولكنها لم تنجح في إحداث التغيير، ومنها على سبيل المثال شركات سيارات وأدوية عملاقة، ولكن وبعد عدة محاولات ووضع من يقود التغيير لكي ينبع من المجموع الذي يقوم بالتغيير، نجح التغيير، أي أن التواصل والإقناع والاقتناع والعمل الجماعي من أهم سمات قيادة التغيير، وهنا تتجلى أهمية العنصر البشري الذي يقود عملية التغيير، من أجل نجاح عملية التغيير.