حققت حملة "بزوغ الفجر" حتى الآن إنجازات عسكرية مبهرة من ناحية إسرائيل؛ فقد بدأت بخطوة مبادرة فاجأت "الجهاد الإسلامي"، وألحقت بالتنظيم إصابة شديدة، وفي مركزها قتل رؤساء الذراع العسكرية لديه، وأدت إلى تشويش الخطة لتنفيذ عملية إطلاق مضادات الدروع قرب حدود القطاع.
ومع ذلك حذار أن تتباهى إسرائيل بالإنجازات التي حققتها. أولا، يجب التذكر بأن هذا تنظيم يتخلف في قدراته العسكرية جداً عن "حماس"، وبالتالي يطرح تهديداً محدوداً على إسرائيل.
ثانياً، من الحيوي تحليل المعركة من زاوية استراتيجية وليس فقط من زاوية نظر التغطية الجارية والتكتيكية. في هذا الإطار تبرز الصعوبة الجوهرية للتسوية التي يجري العمل عليها منذ نحو سنة في غزة لضمان الهدوء الأمني، وذلك رغم مساعي إسرائيل التي تشكل سابقة لتحسين الواقع المدني في المنطقة انطلاقا من الفرضية بأن الأمر سيقلل احتمال التصعيد.
عملياً يتبين أنه عندما لا تكون ثمة بادرات طيبة مدنية يتطور التصعيد، لكن أيضا عندما تتحقق كهذه يقع التصعيد رغم ذلك. إضافة إلى ذلك ينبغي اتخاذ نظرة نقدية تجاه الشرخ الحاد الذي ضربته إسرائيل بين "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، صاحبة السيادة في غزة والمسؤولة عن حفظ الهدوء في إطار التسوية، والتي تجلس على الجدار بدلاً من فرض إمرتها على "الجهاد".
هذا فصل يعفي "حماس" من المسؤولية على ما يجري في غزة، يعكس تبني روايتها حول "صعوبة العمل تجاه المارقين"، وعملياً يساهم في العودة إلى واقع الجولات الذي ساد قبل نحو عقد وتقلص منذ عملية "الجرف الصامد" في 2014.
أثبتت "حماس" في الماضي أن فرض الإمرة على فصائل "الإرهاب" في غزة هو مسألة إرادة، وليست مسألة قدرة.
في الوقت الحالي توجد لإسرائيل مصلحة في إبقاء "حماس" خارج دائرة المواجهة، المهمة التي ستصبح أصعب فأصعب كلما طالت المعركة، وبخاصة إذا ما وقعت خسائر واسعة في الأرواح في الجانب الفلسطيني، أو وقع اضطراب حول الحرم.
ولكن من تعلم دروس المعركة على إسرائيل أن تحدد الموقف الحيادي ظاهراً لـ "حماس" كإمكانية كامنة لتحديات قاسية في المستقبل، حيث سيتم تقويضها من خلال ضغط اقتصادي وسياسي.
من المحظور أن تنهي إسرائيل المعركة الحالية بينما تفهم فصائل "الإرهاب" أنه فتحت أمامهم إمكانية العمل ضد إسرائيل دون الخوف من رد حاد من "حماس" أو من اضطراب جماهيري ضدها.
في اليوم التالي للمواجهة يجب التأكيد من جديد أمام "حماس" على قواعد اللعب: المطالبة بتدخل نشط في الإنفاذ، بل اشتراط استمرار السياسة المدنية الموسعة، وبخاصة خروج العمال للعمل في إسرائيل بعمل مصمم ضد من يخرق التسوية.
لن تضمن سياسة كهذه الهدوء على مدى الزمن في قطاع غزة، لكنها ستضع "حماس" أمام معضلة صعبة يحتمل أن تدفعها لتعمل بشكل مختلف. بالتوازي مطلوب من إسرائيل استيضاح نقدي للسياسة التي انتهجتها في السنة الأخيرة، سنة حظيت بلقب "السنة الأهدأ منذ عشرين سنة في القطاع".
في أعقاب الحملة الحالية من شأن هذه السنة أن تشبه تلك التي سبقتها. وبين هذا وذاك، فإن المعركة اليوم تجسد مرة أخرى الآثار السلبية لغياب استراتيجية مرتبة في سياق قطاع غزة على مدى الزمن.
عن "يديعوت"