حماس و"اتفاق أوسلو"..الحقيقة وشبهها!

1638599527-781-3.jpg
حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 كما اليوم في 13 سبتمبر 1993، تم التوقيع رسميا على اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض، بمشاركة رسمية عربية ودولية واسعة، بعد مفاوضات سرية في العاصمة النرويجية، بدأت يناير 1993، وانتهت بتوقيع أولي 20/ 21 أغسطس 1993.

الاتفاق كان الـ "مفاجأة سياسية" الأبرز خلال سنوات ما بعد محاولات دولة الكيان بتدمير منظمة التحرر وتصفية وجودها، خاصة حرب 1982 بقيادة شارون، ولاحقا محاولات الولايات المتحدة، بتنسيق ما ببعض أطراف عربية لخلق "بديل لها" ثم استبدال الفكرة بعد فشلها الكبير، بالذهاب للبحث عن قوى أخرى، لتشكيل ما أسمته الإدارة الأمريكية بـ "البديل الموازي" عبر دراسة معهد واشنطن 1988.

المحاولات الاستبدالية، تواصلت مع تصميم مفاوضات مؤتمر مدريد للسلام 1990/ 1991، برفض وجود منظمة التحرير بأي شكل كان في تلك المفاوضات، وأن ينحصر التمثيل الفلسطيني ضمن "وفد أردني" ومن الضفة الغربية وقطاع غزة، دون القدس والمنظمة، تصميم أساسه شطب التمثيل الوطني الشرعي الأول العام للشعب الفلسطيني منذ 1964.

ومع قوة الانتفاضة الوطنية الكبرى، وصلابة القيادة الثورية للشعب الفلسطيني بقيادة الخالد المؤسس ياسر عرفات، تم تعديل ما في "شروط أمريكا إسرائيل"، لتصبح المنظمة الراعي الرسمي للوفد الفلسطيني، بأشكال متعددة.

ولذا جاء الاتفاق في المفاوضات السرية، صدمة سياسية مذهلة للولايات المتحدة، وكل أطراف اليمين واليمين الفاشي في دولة الكيان، وبعض أطراف عربية ممن حاولت ان تكون شريكا في خلق "البديل – البديل الموازي"، ففتحت أوسع حملة معارضة "مشتركة موضوعيا" بين "تحالف أعداء أوسلو"، ضم أطرافا عربية وفلسطينية وصهيونية أمريكية، وكل قوى الفاشية الجديدة وتحالفها في إسرائيل.

كان ملفتا جدا، كيف أن أطراف عربية تقود حملة رفض الاتفاق، رغم انها كانت غارقة في مفاوضات سرية مع حكومات الليكود وشامير لشطب منظمة التحرير، فيما دول أخرى استخدمت كل ما لديها من قوة وتأثير لخلق بديل لها بالقوة الجبرية.

كان منطقيا جدا، معارضة تيار واسع من الحركة الصهيونية بقيادة يهود أمريكا، خاصة فريق الخارجية وفي المقدمة دينس روس ومارتن أنديك، وكذلك الفاشية اليهودية في الكيان بقيادة الثنائي، نتنياهو شارون، فتلك مسألة تتفق مع كل ما سبق محاولات سياسية لتدمير التمثيل الوطني وشطب المشروع الوطني.

وفلسطينيا، كان رفض بعض الأطراف في سياق "رؤيا تاريخية دائمة" لها برفض أي رؤى تشتق برامج سياسية لحلول مرحلة – انتقالية منذ عام 1974، وبعض تيارات إسلاموية لها منطقها الخاص وتحديدا الجهاد، فيما سلكت حركة حماس التي تأسست رسميا فبراير 1988، بعد 21 عاما من احتلال الضفة والقدس والقطاع معارضة مركبة.

معارضة حركة حماس استندت الى دعم مباشر من الشقيقة الأردن، فاحتضنت قياداتها لعشر سنوات من التأسيس حتى عام 1997، رغم رفضها وجود أي حضور لفصيل فلسطيني بعد أحداث سبتمبر /أيلول 1970، وبدأت سريعا فتح الباب لها لممارسة عملياتها العسكرية في قلب إسرائيل (التي انتهت عمليا بعدما حققت هدفها السياسي)، لغرض التشويش على مسار الاتفاق الذي تم توقيعه بين منظمة التحرير وحكومة رابين.

مارست "حماس" معارضتها لتشكيل السلطة الوطنية بأشكال متعددة، منها فتح جبهة عمليات خاصة، وحملات تحريض واسعة ضد الاتفاق والقيادة الفلسطينية، بدعم من كل أعداء المنظمة ومعارضيها، ورفضت أي شكل من اشكال "التعاون الموضوعي"، بل أنها هددت كل من يشارك في أول انتخابات وطنية فلسطينية فوق أرض فلسطين يناير 1996 بعدما قرر بعض من عناصرها، بينهم الرئيس الحالي لها إسماعيل هنية بالتصفية لو أكملوا مشاركتهم في الانتخابات.

حماس وحتى 1997، وقبل طرد قياداتها من عمان، بعد انتهاء الدور الوظيفي، حاولت ان تستخدم سوريا وإيران وقطر لمواصلة دورها التخريبي ضد السلطة الوطنية، رغم خوض اول معركة مسلحة بين السلطة وحكومة نتنياهو 1996، الذي فاز بالانتخابات قبلها بأشهر.

كان التقدير، أن تقف المعارضة الفلسطينية، ومنها حركة حماس، بمسؤولية للتعامل مع التطورات الجديدة، خاصة بعدما قامت "الفاشية اليهودية" باغتيال اسحق رابين في سابقة تاريخية لم تحدث منذ 1948، لأنه وقع اتفاق مع ياسر عرفات ومنظمة التحرير، يستند الى التخلي عن جوهر الفكر التهويدي في الضفة والقدس.

حماس، واصلت دورها رغم محاولة محدودة بتشكيل حزب الخلاص، ليكون جزء من التكون السياسي الفلسطيني الرسمي، لكنها سريعا ما ابتعدت بعد قمة كمب ديفيد وبدء أوسع مواجهة عسكرية قادها باراك ثم شارون لتدمير السلطة كيانا وقيادة، وفتح الباب لجديد سياسي، عبر عنه جورج بوش الابن في خطته يونيو 2004، التي عرفت بخطة "حل الدولتين" المشروطة بقيادة غير ياسر عرفات (المفضل محمود عباس).

وبعد تمكن دولة الكيان وفاشييها من اغتيال الخالد ياسر عرفات يوم 4 نوفمبر 2004، بدأت صياغة خطتها التنفيذية المعروفة بـ "خطة شارون" لفصل الضفة عن القطاع وتشكيل محميات خاصة.

بعد قرار شارون خروج قوات جيش الاحتلال من مستوطنات قطاع غزة وبعض تواجد على المعابر، تعاملت حماس مع ذلك، وكأنه "نصر لها"، وبدأت تعتبره "اليوم الوطني الفلسطيني"، في تزوير نادر للمسار السياسي، فما حدث لم يكن سوى جزء من خطة كاملة وضعها شارون بتنسيق مع أمريكا، وموقفها منه يكشف دورها الحقيقي سياسيا.

وفي خطوة تفتح الضوء لمعرفة الحقيقة لحماس، عندما قررت فجأة المشاركة في انتخابات تشريعية "خارج الاتفاق وكبديل عن الخلاص منه"، فرضتها أمريكا وتل ابيب بالتعاون مع قطر، رغم انها أعلنت رفضها المطلق لاتفاق أوسلو وما انتجه، وهددت كل من يشارك بانتخابات التشريعي 1996، لكنها بدون مقدمات انتقلت من الرفض المطلق الى المشاركة المطلقة، وحصدت ربحا انتخابيا في التشريعي، وشكلت حكومتها الأولى قادها رئيسها الحالي هنية.

حماس التي تدعي ليل نهار أنها ضد أوسلو وتتهم من قام به بكل ما لها من اتهامات، هي الجهة الوحيدة راهنا التي تغرق عمليا في الخطة اليهودية البديلة لاتفاق أوسلو، الذي رأت فيه تلك الخطة انه تخلى عن الضفة والقدس باعتبارها "قلب التوراتية".

حماس تدعي أنها ضد أوسلو، وهي من شارك في انتخابات أقل حقيقة من جوهر الاتفاق، بل كانت البديل الأمريكي – الإسرائيلي لوقف العمل بالاتفاق، تحكم قطاع غزة بقواعد مشتقة من الاتفاق، تقود حكومة فرعية وتشريعي فرعي وتشكل سلطة فرعية، ولكنها تدعي أنها ضد اتفاق أوسلو، وأوقفت كل عملها العسكري في إسرائيل ضن "صفقة غير مكتوبة" لحماية ما لها من بعض سلطة وحكم.

موضوعيا، نعم حماس ضد اتفاق أوسلو كما قادة "الفاشية اليهودية" نتنياهو وشارون وشاكيد وبينيت وبن غفير وسموتريتش، وكل أقطاب "المشروع التهويدي" المعادين لأصل اتفاق إعلان المبادئ 1993.

وكي لا تبقى حركة "الدجل السياسي" متواصلة، فإن اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) انتهى واقعيا بعد اغتيال اسحق رابين وانتخاب حكومة أعداء أوسلو بقيادة نتنياهو يونيو 1996، ولم يبق منه سوى إطار مشوه، ومؤسسات مقسمة وفق "الهوى الإسرائيلي"، ولذا كل حديث عنه ليس سوى "ضلال سياسي".

التجربة الرئيسية من الحدث التاريخي تتلخص في أن دولة الكيان لن تكون طرفا – شريكا في أي حل سياسي مقبول دون اعتراف الطرف الفلسطيني بجوهر مشروع التوراتية في الضفة والقدس وخاصة ساحة البراق، والقبول بالسيادة الأمنية الشمولية لهم فوق أرض فلسطين التاريخية.

استمرار الحديث عن اتفاق إعلان المبادئ كخيار للحل ليس سوى هروب من الرسمية الفلسطينية للذهاب الى المرحلة الجديدة من صراع سياسي، يبدأ بوقف كل ما ترتب من التزامات، لم يعد لها أثر عند الطرف الآخر، والخروج من "بوتقة" التزام كاذب بما كان، عنوانها "الاعتراف المتبادل"، وإعلان دولة فلسطين ضمن الحق القانوني في الشرعية الدولية.

ملاحظة: في ذكرى الاتفاق التاريخي سلاما لروح قائد المسار العام ياسر عرفات طائر الفينيق الفلسطيني..سلاما لروح المناضل العروبي الكبير محسن إبراهيم سندانة خلية قادت مسيرة العمل..تحية خاصة للفدائي السياسي "أحمد قريع – أبو علاء"..وتحية للرئيس محمود عباس وياسر عبدربه أعضاء خلية "التكوين الجديد"..سلاما لشهداء وطن دونهم ما كان للشرعية الوطنية بقاء وسط كم التآمر الغريب.

تنويه خاص: "معادلة حكم ومعارضة" لذات الفصيل يمكن اعتبارها "أم المكاذب"..مش هيك برضه يا حماس..مساكين أهل قطاع غزة..مش عارفين من وين يلاقوها بعد مرحلة الخداع الكبير!