حالةٌ من الغضب خيّمت على الأوساط الفلسطينية كافة بعد إصدار الرئيس محمود عباس مرسوماً رئاسياً يقضي بتشكيل مجلس أعلى للقضاء برئاسته يُسمى "المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية"، حيث اعتبرته جهات قانونية ومؤسسات حقوقية استكمالاً لنهج التفرد بالحكم وعدم مراعاة القانون الأساسي الفلسطيني، واستغلالاً لتعطيل المجلس التشريعي لإحكام السيطرة على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ولا يكترث طرفي الانقسام سواء في الضفة أو غزةّ برفض الأوساط الفلسطينية لقرارات تُعزز من نفوذ كلا الطرفين، حيث يستغلان حالة الانقسام الراهنة بفرض القانونين عل الكل الفلسطيني، كونها لن تُغير من الواقع شيئاً، والخاسر الأكبر من هذه الصراعات المواطن الفلسطيني الذي يُصارع انقساماً داخلياً هو الأكثر تدميرًا على المشروع الوطني الفلسطيني من الاحتلال الاستيطاني الإحلالي؛ لأنّه ببساطة يتجاوز المصلحة الوطنية العليا لصالح مصالح ذاتية ضيقة.
وبحسب المرسوم الرئاسي فإنَّ المجلس سيكون برئاسة الرئيس عباس، وسيُشكّل المجلس، المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية.
ويتكون المجلس من رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس مجلس القضاء الأعلى – رئيس محكمة النقض، رئيس المحكمة الإدارية العليا، رئيس الهيئة القضائية لقوى الأمن، رئيس مجلس القضاء الشرعي، وزير العدل، المستشار القانوني للرئيس، النائب العام.
هذا القرار الذي يتجاوز القوانين والأعراف الفلسطينية ليس الأول، فقد سبقه الكثير من القرارات والتي كان آخرها إصدار قرار بقانون يقضي بحلّ نقابة الأطباء المنتخبة في الضفة الغربية المحتلة، وتشكيل نقابة بديلة عن التي يرأسها شوقي صبحة.
كذلك ليس ببعيد عن هذا القرار مرسوم تأجيل الانتخابات التشريعية، التي كانت مقررة في مايو من العام 2021م، والذي أثار معه موجة غضب فلسطينية كبيرة، لا تزال آثارها في تعقيد ملفات المصالحة وتعطيل جلسات الحوار الوطني حاضرةً حتى اللحظة.
هجوم فصائلي وإدانات حقوقية ومجتمعية للقرار
هاجمت فصائل فلسطينية ومراكز حقوقية أخرى هذا القرار"الغامض"، بينما عقب بيان للمجلس التشريعي بالقول إنَّ المرسوم باطل دستورياً وقانونياً وهو تجاوز لكل الحدود الوطنية والقانونية، ويُشكل امتداداً لنهج الهيمنة والتفرد وإمعاناً في انتهاك الدستور الفلسطيني.
وأضاف بيان التشريعي: "يستكمل المرسوم الانقضاض على السلطة القضائية وتقويضها، سيما وأنّه سبق بجُملة من الإجراءات التعسفية فاقدة المشروعية، ويُعد استكمالاً لضرب مبدأ الفصل بين السلطات المكفول بالمادة 2 من القانون الأساسي، ويعتدي بشكلٍ صارخ على استقلال السلطة القضائية المقرر بموجب المادة 97 من القانون الأساسي الفلسطيني".
من جهتها، طالبت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، الرئيس عباس بالكف عن إصدار القرارات بقانون ومراسيم رئاسية وخاصة التي تفتقر إلى الضرورة، وتشمل دعوتها الرئيس لضرورة سحب وإلغاء المرسوم الرئاسي الأخير، وسحب كل القرارات السابقة التي تمس باستقلالية السلطة القضائية، بما في ذلك ووقف التدخلات في عمل السلطة القضائية والعمل على إعادة بناء وتوحيد مؤسسات النظام السياسي كأولوية وطنية وقانونية بما يضمن الفصل بين السلطات وسيادة القانون وعدم المس باستقلالية القضاء الفلسطيني.
كما أهاب بيان الهيئة، بالمجتمع الفلسطيني ولا سيما أعضاء السلطة القضائية الفلسطينية ونقباء وأعضاء مجالس النقابات المهنية وخاصة نقابة المحاميين الفلسطينيين والمنظمات الأهلية والحقوقية والشعبية والأحزاب والحركات الفلسطينية لضرورة التعبير عن رفضهم لهذا المرسوم، خاصة أنه جاء كغيره دون تشاور مع أحد وبما يخالف القانون الأساسي الفلسطيني.
ودعت المقرر الخاص المعنية باستقلال القضاة والمحامين، لضرورة أخذ ما يلزم من إجراءات للضغط على السلطة التنفيذية الفلسطينية للتراجع عن هذا المرسوم وما سبقه من قرارات تمس استقلالية السلطة القضائية، بما يضمن استقلال السلطة القضائية الفلسطينية.
وطالبت بالعمل على استعادة الحياة الديمقراطية والوحدة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمبدأ سيادة القانون، ومبدأ الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، من خلال إجراء الانتخابات الشاملة للمجلس الوطني والتشريعي والانتخابات الرئاسية وبما يمكن المواطنين من ممارسة حقهم الدستوري والقانوني في اختيار ممثليهم في انتخابات عامة ونزيهة.
خطوات جدية لمواجهة القرار
بدوره، اعتبر النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، حسن خريشة، أنَّ :رسالة الرئيس عباس من خلال القانون الجديد، هي التأكيد على أنّه المتحكم في الحياة السياسية الفلسطينية في الداخل؛ باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية والتشريعية ورئيساً لمجلس القضاء الأعلى؛ وبالتالي كل السلطات أصبحت في يده".
وقال خريشة، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ هذه الإجراءات التي يتخذها الرئيس بالرجوع لبعض المستشارين الذين يُحاولون الحفاظ على مكاسبهم الشخصية بعيدًا عن مصلحة الوطن".
واستدرك: "أتمنى من الرئيس عباس، إذا كان يستمع لأحد أنّ يُقيل كل المستشارين المحيطين به؛ لأنّهم في الحقيقة لا يعملون وفقًا للديمقراطية ولا القانون الأساسي الفلسطيني الذي يتذرعون أنّهم يعملون وفقًا لأساسه".
وبالحديث عن المطلوب من الفصائل والمؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني للرد على القانون الأخير الذي أصدره الرئيس، دعا خريشة، الجميع إلى أنّ يكون على قدر المسؤولية، بمعنى أنّه من غير المفهوم إدانة الفصائل للقرار في الصباح، بينما تلتقي فيه مساءً.
وأكمل: "المطلوب من الفصائل هو أنّ تأخذ خطوات جدية، وذلك بتقديم استقالتها من المؤسسات التي أفرغت من مضامنيها- بالإشارة لمنظمة التحرير الفلسطينية-"، مُردفاً: "للأسف لا زلنا متناقضين مع أنفسنا، من جهة ننتقد الرئيس والفصائل والمنظمة، ومن جهةٍ أخرى نجتمع مع الرئيس ونُبارك خطواته".
وتساءل خريشة في ختام حديثه: "أين دور مُؤسسات المجتمع المدني التي تعتمد على التمويل من الخارج، وتستند إلى معايير الديمقراطية والحوكمة الصحيحة؟"؛ مُستدركاً: "لكِنهم غير قادرين على النزول للشارع والقول إنَّ هذا الحدث خاطئ".