عشرة أعوام من الشراكة الناشز!

thumb (17)
حجم الخط

 


بدهاء وسعة حيلة، تعاملت حركة حماس مع مبادرة الفصائل الفلسطينية حول معبر رفح، بحيث يمكن القول: إنها قد احتوت ما نجم عنها من قوة دفع للملف، كانت وجهته حماس، بعد أن استجاب الطرف الآخر، أي قيادة السلطة بتشكيل لجنة وزارية خاصة. 
وقد ظهر دهاء حماس في تنوع وتعدد التصريحات من جهة، ومن جهة ثانية، في تقديم الاقتراحات المضادة وصولاً إلى القول: إن المبادرة ما هي إلا واحدة من اقتراحات عديدة معروضة على بساط البحث.
وفي الحقيقة، وحيث إنه لا يوجد شيء في السياسة اسمه بيع الهواء المعلب، فإن القدرة على تمرير الموقف السياسي، لا تحتاج إلى الذكاء والشطارة وحسب، ولكن إلى قوة موقف ميداني أصلاً. 
وبرأينا، إن ما استند إليه موقف حماس، ومن ثم قدرته على صد "هجوم" المبادرة الفصائلية، كان يعود إلى أن الفصائل من جهة، تعاملت كما لو كانت وسيطاً، أو صليباً أحمر، وليست طرفاً بإمكانه - كما هو حال الوجيه العشائري مثلاً، أو كما هو حال البند السابع في مجلس الأمن - أن يفرض ما يراه مناسباً، أو ما هو محل إجماع وطني، ثم إن فتح، من جهة ثانية، ومعها السلطة المركزية أو الشرعية أو الرسمية، لا تبدوان في أحسن أحوالهما. 
كان يمكن للفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس وفتح، أن يزفوا للفلسطينيين المرهقين بالحصار والاحتلال والمعاناة المتواصلة منذ عقود - لو أنهم نجحوا في تحقيق خطوة واحدة صغيرة، من مثل خطوة معبر رفح - أن يزفوا للشعب الفلسطيني البشرى، بعد ثلاثة أشهر ونصف من الهبة الشعبية في القدس والخليل، التي قدمت نحو 180 شهيداً وأكثر من 15 ألف معتقل وجريح، وبعد عشر سنوات عجاف من مشروع نظام الشراكة الملتبس، الذي كان يهدف إلى وحدة فتح وحماس ضمن نظام السلطة بعد انتخابات كانون الثاني 2006، لكن الأمر تحول إلى عكس ذلك، إلى "زواج" ناشز بين الحركتين، عانى جراءه الشعب الفلسطيني الويلات خاصة قطاع غزة، على المستوى المعيشي والضفة والقدس على المستوى الوطني ومجمل الشعب الفلسطيني على مستوى مستقبله ومصيره الوطني. 
لم تفشل تجربة الشراكة وحسب، حيث تصادف أن كان رأس السلطة من حركة فتح، وأغلبية المجلس التشريعي من حماس، وبذا تشكلت حكومة السلطة من حماس فيما ظل الرئيس من فتح، فلم تتوافق الحكومة مع الرئاسة، كما لم تتوافق وزارات وأجهزة السلطة مع الحكومة. 
ولم يقتصر الأمر على المناكفة السياسية، وهي أمر ممكن الحدوث حتى في المجتمعات المتقدمة والديمقراطية، لكن ورغم وجود اتفاق مكة في آذار عام 2007، إلا أن الأسوأ قد حدث عبر الاحتكام للسلاح، وفصل غزة عن الضفة، وهكذا انحصر حكم حماس في غزة، واقتصر حكم فتح على الضفة الغربية. 
إذن، ليس هناك ما يشير حتى اللحظة إلى وجود أية بارقة أمل أو احتمال بقدرة حركتي حماس وفتح، أكبر فصيلين فلسطينيين على "الشراكة" في المشروع الوطني، لأن المشروع الوطني بات مشروع سلطة، حتى إنهما، رغم بعض التوافق عن بعد، فيما يخص الدعم السياسي "المحدود" لهبة القدس والخليل، إلا أن عدم إسناد الهبة لا بالتظاهرات الشعبية ولا بتنظيم صفوفها، كما حدث في انتفاضة 1987 مثلاً، عبر اللجان الشعبية المختلفة، أو بإعلان قيادة موحدة لها، أبقى عليها بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر، ضمن إطار أفعال الطعن والدهس لشباب فرادى، ما أن يتم اغتيالهم بالشبهة، أو مواجهتهم بحملة الاعتقالات الواسعة، حتى اقترب الأمر _ بالنسبة لإسرائيل من حدود القول: إن الأمر لم يخرج عن نطاق السيطرة، رغم محاولات بعض الأفراد في الداخل توسيع نطاق المجابهة مع إسرائيل!
تظهر حماس قدراً من سياسة التفرد بغزة، فيما تظهر فتح قدراً من التفرد بالضفة، بمعنى أنهما تفضلان، كل منهما، الاكتفاء منفردة بالسيطرة على أحد جناحي الوطن على الشراكة معاً في قيادة أو إدارة الوطن كله!
ويبدو أن فتح تواجه مشاكل داخلية، كما حماس أيضاً وكما كل الفصائل، ما يعني أن حالة عجز عامة تحول دون تغيير الواقع الفلسطيني برمته نحو الأفضل، رغم الاستعداد الشبابي والشعبي الكبير للاستمرار في التضحية والعطاء. 
ويبدو لحماس أن ما يخصها بالدرجة الأولى قطاع غزة، فيما يبدو أن ما يهم فتح أكثر هو حال الضفة الغربية، وإذا أرادت حماس من فتح أن تساعدها على كسر حصار غزة، فلها شروطها، وهي أن تسلم بقيادتها، والعكس صحيح، فإذا أرادت فتح من حماس أن تشاركها في "تحرير" الضفة فعليها أن تقدم لها الثمن، بشراكة رأسية أو ندية أو تقاسمها قيادة كل السلطة وكل المنظمة.
الحقيقة المفجعة هي أن المجتمعات العربية، رغم "ربيعها" قبل خمس سنوات، فشلت جميعاً في تحقيق نظام الشراكات السياسية وتداول السلطة، فما أن سقطت أنظمة حكم العسكر والأفراد المستبدون حتى حل بديلها نظام حكم الحزب الواحد، وهكذا لم يشذ الفلسطينيون الذين بدؤوا أولاً ومبكراً تجربة هذا النظام. 
وحيث إن هناك ما يشاع عن مخططات دولية لتفتيت المنطقة على أساس طائفي، فإن مصلحة إسرائيل المطلقة هي في تطبيق هذا أولاً على الفلسطينيين، وحيث إنه لا وجود لطوائف أو انقسامات طائفية أو إثنية بين الفلسطينيين، فإنه يتم استخدام الانقسامات السياسية والجغرافية على أكمل وجه لتحقيق هذه الغاية.

-