بحر الموت المتوسط

حجم الخط

بقلم رياض معسعس

وصلت إلى مدينة عين العرب/ كوباني السورية جثامين 8 شباب سوريين التي يتحدر منها الغرقى بعد محاولتهم الوصول إلى أوروبا عبر قارب هجرة، للدفن في مثواهم الأخير.
وكان هؤلاء الشباب قد تعرضوا لحادثة انقلاب مركبهم في 3 تشرين الأول/ أكتوبر قبالة السواحل الجزائرية، وكان من المقرر أن يتوجه إلى السواحل الإسبانية انطلاقا من مدينة وهران الجزائرية.
كان المركب يقل حوالي 34 طالب لجوء معظمهم من السوريين، غرق منهم 10 أشخاص 8 منهم من عين العرب، وواحد من اللاذقية وآخر من حلب، ولا يزال مصير 10 آخرين مجهولا.
هؤلاء الشباب هربوا من سوريا كما هرب الملايين قبلهم من بطش النظام، من الفقر، من انسداد الأفق، من الخوف على مستقبل أبنائهم في بلد لا مستقبل فيه ولا حاضر، جمعوا ما خف وزنه وحفنة دولارات وتستروا بجنح ظلام وشقوا طريق الشقاء المجهول النهاية والوجهة في الأمل المنشود الوصول على أرض أوروبية.

الموت تحت الماء

غرق المئات من السوريين في مياه البحر المتوسط، في طريق الحلم الأوروبي، كما غرق آلاف آخرون من جنسيات مختلفة استقلوا قوارب متهالكة تفتقد لأبسط معايير السلامة، مقابل مبالغ طائلة من المال لمهربين غير مبالين بحياة البشر، ومصيرهم في رحلة العبور في هذا البحر الذي ابتلع الكثير منهم.
مركز تحليل بيانات المهاجرين العالمي في برلين قام بجمع إحصائيات حول اللاجئين منذ العام 2014، وذلك ضمن مشروع “المهاجرون الضائعون” أشار المركز إلى أن أعداد الغرقى السوريين حسب التوثيق بلغ خلال السنوات الخمس الأخيرة 497 غريقا، بينهم 219 في شرقي البحر المتوسط، و278 في المنطقة الوسطى من البحر، منهم 67 طفلا.
وتعتبر هذه الأرقام أقل بكثير من الأرقام الحقيقية، بسبب أن الكثير من الغرقى لا يحملون هويات لتحديد جنسياتهم، وهناك الكثير من المفقودين الذين لم يعثر على جثثهم وبالتالي لم يسجلوا ضمن الغرقى وإنما ضمن جداول المفقودين.
وبالطبع فإن الغرقى من جنسيات أخرى من أفغان وعراقيين وأفارقة وسواهم.. تتعدى هذا الرقم بكثير.
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قدرت عدد المهاجرين الذين غرقوا أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط ارتفع إلى 1200 في النصف الأول من العام 2022 فقط. بينما يصل عدد الغرقى والمفقودين في البحر تخطى عدة آلاف خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وهناك مقابر للغرقى المجهولي الهوية انتشرت على السواحل التونسية، ولا مبادوزا، واليونان. وتتفاقم محاولات الهجرة بالعبور الخطر للبحر، ولا تزال حوادث الغرق تتكرر وتلقي عبئا ثقيلا على الدول في الجانب الآخر من بحر الموت المتوسط.

فتوى تحرم الهجرة «غير الآمنة»

“مجلس الإفتاء السوري” التابع لـ”المجلس الإسلامي السوري” المعارض، وبعد حوادث الغرق المتكررة للاجئين السوريين أفتى بعدم جواز السفر إلى أوروبا بطرق “غير آمنة”، لأن هذا النوع من السفر “يتضمن مفاسد ومحاذير شرعية
والمتسبب بلجوء هؤلاء للهجرة وسلوك تلك الطرق، ثم غرقهم أو قتلهم، آثم مشارك في الجريمة، ولا يجوز التفريط في النفوس المعصومة أو تعريضها للتلف والهلاك.
ويدخل في التفريط السفر عبر الطرق غير الآمنة، وأن السفر غير الآمن يعرض النفس للإهانة والأذى والإذلال على يد تجار البشر وخفر السواحل وجنود الحدود وغيرهم، إلى جانب إضاعة الأموال بدفع المبالغ الكبيرة لقاء التهريب، أو احتيال المهربين بأخذ الأموال من الناس وتركهم مشردين أو تائهين، أو تسليمهم لحرس الحدود.
وأن كل سفر لم يكن آمنا، ويتعرض فيه المسافر لخطر الموت أو الضياع أو الغرق، فهو سفر ممنوع شرعا، ويأثم قاصده وطالبه، ومثله الطرق البرية التي فيها خطر التعرض للهلاك جوعا أو عطشا.

المواجهات الأوروبية والقانون البحري

الدول الأوروبية الأكثر عرضة لمواجهة مشكلة اللاجئين (إيطاليا واليونان ومالطا وقبرص) أصدرت بيانا مشتركا طالبت فيه تطوير سياسة جديدة أوروبية بشأن الهجرة ” مستوحاة من مبادئ التضامن والمسؤولية التي سيتم تقاسمها بشكل عادل بين جميع الدول الأعضاء “ويقع عليها العبء الأكبر في إدارة تدفق الهجرة في البحر المتوسط”
وأضاف البيان أن”عدد عروض إعادة التوطين التي قدمتها الدول “ميد 5″ ليس سوى جزء طفيف من العدد الفعلي للوافدين غير الشرعيين الذين استقبلتهم الدول الموقعة على البيان”
ويأتي هذا البيان بعد المواجهات المتعددة بين السلطات الإيطالية وسفن الإنقاذ الإنسانية، وقد اتخذت قرارا بعدم استقبال هذه السفن في موانئها ما أثار خلافا شديدا بين دول الضفة الشمالية للمتوسط كان آخرها المواجهة بين فرنسا وإيطاليا بسبب رفض إيطاليا نداءات السفينة “أوشن فايكنغ” للمساعدة والرسو في مرفأ إيطالي ما اضطرها للتوجه إلى السواحل الفرنسية حيث رست في ميناء طولون العسكري جنوب فرنسا، بعد نحو 18 يوما قضتها في عرض البحر، وعلى متنها المهاجرون الذين كانوا في حالة يرثى لها.
ومن ضمن الانتهاكات المسجلة على قرار السلطات الإيطالية، انتهاك معاهدة جنيف المتعلقة بواجب تقديم الحماية الدولية لمن يحتاجونها. فحسب جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة، قرار إيطاليا إبقاء المهاجرين على متن السفن حرمهم، من ضمن أمور أخرى، “من التماس الحماية الدولية وفقا لاتفاقية جنيف لعام 1951، وهي عملية لا يمكن القيام بها بالتأكيد على متن السفن
وحسب “الاتفاقيات الدولية للبحث والإنقاذ ” البحري التي أصدرتها الأمم المتحدة في عامي 1979 و1982، فإن الدول الموقعة عليها مسؤولة عن إنقاذ من هم بحاجة للمساعدة على مقربة من موانئها، ونقلهم على تنظيم عمليات إنزال الناجين بأسرع وقت ممكن، لكن القانون البحري لم يأت على ذكر سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات الإنسانية، والتي بدورها تقوم بتنسيق أنشطتها تباعا مع مراكز البحث والإنقاذ التابعة للدول التي تتواجد ضمن إطارها الإقليمي.
والقانون واضح من ناحية ضرورة نقل من يتم إنقاذهم إلى مكان آمن، ولكن لم يتم تحديد طبيعة ذلك المكان. بالانتظار فإن مآسي المهاجرين الهاربين من بلدانهم لا تنتهي بمجرد ركوبهم البحر، والحل الوحيد هو البحث عن أسباب هجرة شعوب بأكملها وإيجاد الحلول الناجعة لها في مواطنها.

كاتب سوري