على الرغم من فشله في تحقيق الموجة الحمراء الكبيرة ( لون الحزب الجمهوري) التي دعا إليها عشية الانتخابات الأميركية النصفية في الثامن من الشهر الجاري، إلا أن الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب أعلن منتصف هذا الشهر الترشح للانتخابات الرئاسية بعد عامين.
ترامب تلقى صفعة قوية على الوجه من قبل الناخبين الأميركيين الذين خذلوه ولم يختاروا المرشحين المحسوبين عليه، وهو أمر لم تتوقعه استطلاعات الرأي التي تحدثت عن مد جمهوري أحمر في أعقاب فشل الإدارة الحالية في وقف التضخم الاقتصادي والغلاء المعيشي.
نتائج الانتخابات النصفية تعكس إلى حد كبير موقف المجتمع الأميركي من سلوك ترامب خلال العامين الماضيين، وهو سلوك غير مرضٍ بالنسبة للكثير من الأميركيين رفضوا مواقف الرئيس السابق بخصوص قضايا كبيرة من بينها مسألة حق الإجهاض وأحداث «الكابيتول».
عدا عن تصريحاته الكثيرة التي تصب «الزيت» على النار وتقذف بعديد المسؤولين في الحزب الديمقراطي وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، سبق وأن قال ترامب إنه ينبغي معاقبة المرأة التي تقرر الإجهاض التلقائي، وفي موضوع «الكابيتول» ذكر أنه سيعفو عن المشاغبين في اقتحام مبنى الكونغرس وسيمنع دخولهم السجن إذا أصبح رئيساً للبلاد.
مثل هذه التصريحات بالتأكيد أثرت على شعبية الحزب الجمهوري وأثرت بقوة على شخص ترامب الذي وضع كل «بيضه» في سلة المرشحين المحسوبين عليه ولم يحققوا تلك النتائج التي كان يحلم بها، والمشكلة الآن لم تعد تتعلق بتقاليد المنافسة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وإنما بمنافسة حادة داخل معسكر الأخير.
قبل أن يعلن ترشحه حذر ترامب حاكم فلوريدا رون دي سانتيس من الترشح في الانتخابات الرئاسية 2024، ووصفه بالسياسي العادي الذي لجأ يائساً إلى سيد البيت الأبيض حينذاك للظفر بمنصب حاكم ولاية فلوريدا عام 2017.
ترامب فتح النار على زميله الجمهوري سانتيس حتى يحرقه ويمنعه من المنافسة في سباق الترشح للرئاسة، وكعادته لا يترك هذا الملياردير أي غريم من «شره»، فقد سبق وأن شيطن الرئيس جو بايدن قبيل موعد الانتخابات النصفية واتهمه بالفشل في إدارة السياسة الخارجية والملف الداخلي.
هذه هي سياسة الهروب إلى الأمام التي يتبعها الرئيس الأميركي السابق من أجل منع أي ملاحقات قضائية ضده، إذ يرى في ترشحه للانتخابات الرئاسية حصانة لعدم المساس به قانونياً، وكذلك محاولة سريعة لمنع أي منافس جمهوري من الترشح للرئاسة.
نتيجة هذه الانتخابات أن الجمهوريين خرجوا في معركة «لا غالب ولا مغلوب»، بمعنى أنهم حققوا نصراً صغيراً بانتزاع مجلس النواب من الديمقراطيين، لكنهم لم ينتزعوا مجلس الشيوخ ولم يحققوا ذلك الانتصار الانتخابي الكبير الذي قد يضمن لهم الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
صحيح أنهم سيتمكنون من عرقلة مشاريع قوانين الديمقراطيين وبرنامج عمل الرئيس بايدن، وهذا على مستوى المنظومة التشريعية، لكن تحت مظلة الحزب ثمة حرب مقبلة وتنافس شديد بين ترامب وفريقه وبين الحزب الجمهوري التقليدي.
قبل الانتخابات النصفية برز خلاف واضح بين الجمهوريين الترامبيين وخصومهم التقليديين، وحتى لا يذهب الحزب نحو التفكك آثر الجمهوريون التقليديون الاختلاف في صمت والسكوت ضد كل السياسات الترامبية، لكن مع النتائج المخيبة للآمال في الانتخابات النصفية سيحتدم الخلاف بين الطرفين.
مشكلة الجمهوريين أنهم لم يقدموا شخصية موثوقة تحظى بقاعدة شعبية عريضة كالتي يحظى بها ترامب، إذ على الرغم من تدني شعبيته، إلا أنه ما يزال يحتفظ بمكانة مميزة بين أنصاره، ولذلك يرى ترامب في ترشح حاكم فلوريدا للرئاسة تهديداً لقاعدة الأول الشعبية.
بالنسبة للديمقراطيين تعد نتائج الانتخابات النصفية بمثابة انتصار لهم، وتبدو الفرحة على الرئيس بايدن حينما أشاد بالديمقراطية الأميركية ووقف ما سماه الموجة الجمهورية الحمراء، لكن ثمة ضغطا كبيرا على الرئيس الحالي من قضايا كثيرة لعل أبرزها وقف التضخم وغلاء الأسعار ومشتقات الوقود.
الخلاصة أن السياسة عموماً لا تعرف الثبات وهي خاضعة للممكن، ومن الصعب الحديث عن أفول نجم ترامب وتصدع الحزب الجمهوري وبداية خرابه، لكن من الجائز القول إن رصيد دونالد ترامب السياسي على المحك إذا فتحت معركة حقيقية بينه وخصومه تحت مظلة الحزب.
إذا اختار الجمهوريون دي سانتيس للترشح في انتخابات 2024 ودعموه بالباع والذراع وأداروا ظهرهم لترامب، وإذا تمكنت الإدارة الأميركية الحالية من ملاحقة الرئيس السابق قضائياً والتشويش على ترشحه وقاعدته الشعبية، حينذاك يمكن القول «باي باي» ترامب.