كثيرةٌ هي المشاكل التي تظهر على أطفالنا في مراحلهم الأولى مثل مشاكل النطق "التأتأة"، وإما يتم معالجة هذه المشكلات من خلال جلسات علاج طبيعي أو جلسات طبية، يُساعد فيها الأخصائيون الطفل على النطق السليم، وهذا ما تقوم به بعض المدارس الخاصة بغزّة، لكِن بعض مشاكل النطق تظل مع الطفل حتى يكبر ومن هنا تبدأ معاناته مع أقرانه في الدراسة أو في المجتمع، فتتحول تلك المعاناة معهم إلى تنمر مؤذي، يبدأ في معايرته عند الحديث، أو الضحك عليه وبوجهه وكأنهم يقولون له "نحن نضحك عليك لأنك تبدو غبياً"،
وبذلك يكبر الطفل وهو ساخط على المجتمع ويكره كل من يقترب منه فيلجأ إلى العزلة والوحدة والاكتئاب، ومن ثم يتراجع في أداء واجباته.
"يا ريتني ولدت أخرس"
"وليد" طفلٌ يبلغ من العمر عشر سنوات، تراه لا يندمج مع أقرانه الطلاب، فتجده يجلس وحيداً لا يتحدث مع أحد في المدرسة، رغم محاولات الأخصائيين التربويين والنفسيين في المدرسة التخفيف من حالة الوحدة التي يُعاني منها، حيث توجهت مراسلة وكالة "خبر" للحديث مع الطفل في حضور والده ووالدته اللذان توجها للإعلام للحديث عن معاناة ابنهما ولكي يقولوا للمجتمع إنّ ابنهم له حقوق في مثل أيّ طفل لا يُعاني من أيّ مشكلات.
ويقول وليد حين سألته مُعدة التقرير عن سبب جلوسه بمفرده في المدرسة والبيت، وما يجعله يُفضل الوحدة على اللعب مع أقرانه، فقال: "ما بدي ألعب معهم، الكل عارفني معايا تأتاة وأول ما يلمحوني بحكي بيصيروا يتغامزوا ويتهامسوا، هادا غير الكلام الي بيوجع القلب لما بسمعهم بوداني بيقولولي تعال يا تأتأة، لا أحبهم جميعاً، ولا أريد أن أختلط بهم، ما ذنبي أن لدي هذه المشكلة، حتى وأنا بعيد عنهم لا أسلم من أذاهم، الذي يعرفني والذي لا يعرفني يتنمرون عليّ".
وعما إذا حدث معه أيّ مشاكل بينه وبين من يتنمر عليه، قال وليد: "اه صارت كتير بيني وبين زملائي في المدرسة مشاكل وضربتهم وضربوني، لأنهم بيتنمروا عليّ، بس هلا خف التنمر عليّ داخل المدرسة لأنّه المسؤولين بالمدرسة عاقبوا الطلاب المتنمرين وصار الواحد فيهم يخاف يحكي معي كلمة مش تمام، لكن الناس الي بالشارع اذا سمعتني بحكي أو إذا رحت أشتري شي، وبصعوبة بطلع الكلمات بتلاقي البياع بيضل يقولي خلصني هو مفش وراي غيرك، مش عارف تحكي كلمتين على بعض".
وعن مشاعره في تلك الأثناء يصفها وليد: "بتحطم ..بتحطم، بصير بس بدي أقتل الشخص الي بيحكيلي هيك، وما بروح أشتري من عنده تاني، حتى لما ماما بتطلب مني أروح أجيبلها أيّ غرض من برا بأخذ أخي الصغير معي مشان يحكي ويتفاهم مع الناس، ياريتني نولدت أخرس ولا أسمع الي بسمعه".
من جهتها، تقول أم وليد: "عانينا في البداية مع ابننا خصوصاً أنّه دخل في دائرة الانطواء ورفض الذهاب للمدرسة، فاضطررنا إلى أنّ نستشير طبيب نفسي وتربوي، وهو أشار علينا أيضاً بجانب عمله أنّ نعرض وليد على أخصائي مخاطبة ونطق لكي يُساعده على التخفيف من حدة التأتأة، وخصوصاً أن مشكلة التأتأة عنده وراثية، فكانت لدى جده من قبله، ولكِن بالعلاج والجلسات استطعنا التخفيف منها".
أما "سارة" التي اكتفت بالتعريف عن نفسها بالاسم الأول فقط، قالت: "لا أحب أنّ أتحدث عن مشكلتي كثيراً، لأنني أعرف مجتمعي جيداً، متنمر وفي أشخاص الإنسانية بعيدة كل البعد عنهم، كانوا يضايقوني، وينعتوني بأبشع الصفات، صحيح أنني لم أكن كذلك، فقد كانت مشكلة التأتأة عندي أكبر من ذلك لكن الحمد لله مع جلسات الدعم النفسي والمخاطبة والنطق استطعت أنّ أنطق بعض الكلمات التي كنت أعجز عنها في السابق، أنا الآن لا أنخرط بالناس كثيراً، أتجنبهم قدر المستطاع لكي لا أتعرض لما تعرضت له في السابق".
وعن وظيفتها، تقول: "ليست لديّ وظيفة كلما أتقدم لوظيفة، ويقبلوا فيها أوراقي لا تسعني الدنيا من الفرحة، وما أنّ أذهب للمقابلة حتى يأتيني الرد "سنتصل بكِ إن احتجنا لذلك" فأفهم أنّه تم رفضي، خصوصاً أنّني درست مجال العلاقات العامة، وليتني لم أدرسه، فهو المجال الذي لا يتناسب مع مشكلتي".
وتمنت سارة، أنّ تختلف نظرة الناس لذوي الاحتياجات الخاصة، ومن لديهم مشاكل مثل مشكلتها لكي تستطيع أنّ تتكيف معهم في المجتمع.
الخبير النفسي، في مجال النطق والمخاطبة، عبد القادر حمدونة، يُعرف لمراسلة "خبر" مشكلة التأتأة، فيقول: "إنّها ناتجة عن عدم نمو الطفل اللغوي، وتعتبر من أكثر الأسباب شيوعاً، فيكون الطفل غير متطور في نموه اللغوي، لذلك تظهر عنده التأتأة، التي تظهر من عمر 2-6 سنوات، بعدها تبدأ التأتأة بالزوال، إذا لم تكن هناك أيّ عوامل أخرى تؤثر عليها".
وأوضح أنّه إذا كانت هناك مشاكل نفسية -اضطرابات عصبية- أو مشكلة بالدماغ، يُمكن أنّ تتطور إلى ما بعد الست سنوات، وتلك الحالة تتطلب تدخل أخصائي نفسي، وجلسات عديدة مع الأهل والطفل.
وأشار حمدونة، إلى أنَّ الوراثة يُمكن أنّ تلعب دوراً مهماً وكبيراً في موضوع "التأتأة" عند الأطفال، فإذا كان أحد أفراد العائلة لديه مشكلة بما يخص هذا الموضوع، فيمكن أن تنتقل جيناته لأخيه أو ابنه.
وبيّن أنَّ الضغوطات النفسية يُمكن أنّ تلعب دوراً كبيراً في ظهور وزيادة التأتأة لدى الأطفال، فيسارع الأهل لجعل ابنهم يتحدث جملاً كاملة، ولغة فصحى، ويضغطون عليه كثيراً ليتحدث كيفما أرادوا.
وعن الطرق التي تُساعد في حل المشكلة، شدّد حمدونة، على أنَّ المشكلة تبدأ من المنزل، فإذا تم معالجتها من داخله، يُسهل على الأخصائي التعامل مع الحالة، فعلى صعيد الأم يجب أنّ تتحدث مع ابنها بصورة طبيعية وهادئة، وأنّ تسمح له بالحديث ليعبر عما يجول في خاطره دون كبح لمشاعره، فتخصص له الوقت وتُساعده على ذلك دون أنّ ترغمه على الحديث بلغتها هي.
وعن دور الحضانة أو المدرسة والذي لا يقل خطورة عن دور الأم، هو أنّ تُدرك المربية أو المعلمة لحالة الطفل، وتكون مساعدة للأخصائي والأهل لتجاوز هذه المشكلة، وقال: "على المدرسة داخل الفصل أنّ تترك حرية للطفل بالحديث، وحتى إنّ جعلته آخر الطلاب يتحدث، فالمهم أنّ لا يتم تعنيفه، أو تسمح لزملائه بالفصل أنّ يضحكوا عليه، بل أنّ يتم توعيتهم بأنَّ مشكلة التأتأة طبيعية ويُمكن أنّ تحدث عند الكثير، فإذا لم تتبع هذا الأسلوب واتبعت نقيضه، ستسوء حالته أكثر، ويصعب على أخصائي النطق معالجته".