في ظل تردي الأوضع الاقتصادية

تقرير: مواقع التواصل الاجتماعي تحل محل الزيارات العائلية في غزّة!!

زيارة الأقارب
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - مارلين أبو عون

"ابعت رسالة واحكي معه على الفيسبوك، بتغنيك عن الزيارة والمصاريف الزيادة".. تلك العبارة التي أصبحنا نسمعها كثيراً هذه الأيام، والتي بدورها فرّقت الأخوة والأُسر عن بعضهم البعض، وبالكاد يرون بعضهم في المناسبات بعد أشهر طويلة وربما سنوات. 

العلاقات الاجتماعية في غزّة تأثرت بعدة عوامل أهمها الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطن المغلوب على أمره، فهو بالكاد يستطيع توفير لقمة العيش لأولاده، ويركض خلفها فينشغل عن السؤال عن رحمه وعائلته، والأمر الثاني هو انتشار التكنولوجيا التي غزت كل بيت، فلا يخلو بيت فلسطيني من وجود الهاتف الذكي المليء بتطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي والتي من خلالها يتواصل أفراد الأسرة الواحدة مع بعضهم البعض، في جميع المناسبات عبر الشاشة الصغيرة مستعيضين بعض الأوقات عن الزيارات العائلية التي تُقوي الترابط الأسري والتي حث الإسلام على عدم نسيانها والمواظبة عليها.

مراسلة وكالة "خبر" التقت مجموعة من المواطنين لسؤالهم عن هذا الموضوع، وهل مازالوا مواظبين على الزيارات العائلية أم لا، حيث قالت أم محمد دردونة: "الحياة لم تعد كما كانت في السابق، وهادي الحياة مش هي اللي تربينا عليها زمان، هاي الأيام الأخ ما بيشوف أخوه غير بالسنة مرة، واذا حب يشوفه بكلمه على الواتساب أو الفيس بوك، وبفتح فيديو ويشوفوا بعض وخلص".

أما أبو محمد، فقال:" الله يعين الناس على وضعها، الأب طول السنة عاطل عن العمل، ولما بتيجي شغلانة لو بعشر شواكل باليوم، أكيد راح يطعمي أولاده فيهم وما راح يروح فيهم زيارة على أقاربه، أنا ما بقول إنه هذا الأمر صح ولكن ظروف الحياة فرضت علينا نعيش هيك ونتعامل بهادي الطريقة".

وتابع أبو محمد، في حديثه لمراسلة "خبر": "أنا قصدت بالعيلة القرايب، أما الأخ أو الأخت أو الأم والأب، أكيد زيارتهم واجبة والاطمئنان عليهم حق من حقوقهم، فالناس والمجتمع والعادات هي الي فرضت علينا كمان إنه نزور بعض بالسنة مرة، لو واحد فينا بده يروح يزور عيلته وايده فاضية بعد غياب ما راح يسلم من لسانهم وراح يقولوا غاب غاب وبالأخر ايديه فاضية، وصارت زياراتنا كلها تكليف وعبء على حياتنا".

الشاب الثلاثيني محمود الأقرع، قال: "صحيح نحن في عصر التكنولوجيا، وأصبح العالم كله قرية صغيرة، فهذا لا يمنع ولا يحل محل الزيارات العائلية الحميمية التي تعيشها الأسر، أتذكر بيت الجد والجدة الذي كان يضم الأبناء والبنات والأحفاد، ويبقوا أياماً وليالي يتسامرون ويضحكون من القلب بعيداً عن الهواتف الصغيرة التي حبستنا داخلها وقيدتنا فتقوقع العديد منا داخل تطبيقات تُسمى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي هي جاءت لتقريب المسافات لا زيادتها، لكن نحن استخدمنا تلك المواقع بشكل خاطئ فاعتمدنا عليها بشكل كلي واستغنينا عن الزيارات الأسرية".

أما المواطنة اعتماد بدح، فقالت: "معظم الناس يقصرون في صلة الأرحام، ولا يزورون بعضهم، وأكثر الشهور التي ينتبهون فيها أنهم مقصرون، هو شهر رمضان، ومع ضنك العيش والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس في غزّة بسبب (الحصار، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة) أصبح الكثيرون يرون في صلة الأرحام عبئاً اقتصادياً جديداً لا تحتمله ميزانية الأسرة الهزيلة فيحجمون عن الصلة، هذا الإحجام ليس قطيعة، ولا ناجمة عن خصومة وكراهية، إنما بسبب متطلبات هذه الصلة من الهدية وما شابه ذلك".

وأكملت بدح: "هذه السنة أوقفت أنا وزوجي الزيارات؛ لأن الميزانية لا تسمح، فأتصل بين الحين والآخر بهم للاطمئنان عليهم فقط".

كذلك الحال مع الشاب أسامة سعيد "34عاماً"، الذي أشار إلى أنَّ الناس في غزة لا تزور بعضها إلا إذا قام أحدهم بزيارته من ثم يقوم هو برد الزيارة، وأخذ هدية بنفس القيمة التي أخذها له الأول، فزيارته لهم سداد دَين اجتماعي، بعضهم يُسجل في ذاكرته أو دفتره أنّه زار فلاناً مرة واثنتين وثلاثاً فلم يرد له فلان هذه الزيارة قَط، فيُقرر مقاطعته وعدم زيارته، مُردفاً: "هذه بصراحة عادات سيئة أتمنى أنّ يبتعد عنها المجتمع، فهي ليست من ديننا ولا من أخلاقنا، والبعض يكون معذوراً لعدم رد الزيارة بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية".

ومحمد عوض الله "45 عاماً" يقطن في شمال قطاع غزّة، عقّب في حديثه لمراسلة "خبر" على الأمر، بالقول: "أنا لديَّ ابنتان متزوجتان الأولى في مدينة خانيونس، والأخرى في مدينة رفح، وكوني عاطل عن العمل، وأعتمد بشكل كلي على شيكات الشؤون الاجتماعية، التي أصبحت تتأخر كثيراً، لا أملك المال لزيارة ابنتاي أو حتى أقربائي، فأكتفي بمحادثتهم عبر الفيس بوك أو الواتس آب، صوت وصورة، وبفضل التقدم التكنولوجي أصبح العالم قرية صغيرة، نراهم ويروننا ونحن داخل بيوتنا".

الزيارات الاجتماعية واجباً لزم تنفيذه

الأخصائي الاجتماعي، أحمد العكلوك، أوضح أنَّ الزيارات الاجتماعية تُعتبر واحدة من أهم وسائل التواصل الاجتماعي بين الأفراد والأُسر داخل المجتمع، وقد عمد إليها توطيد العلاقة بين أفراد المجتمع سواءً التي تجمعهم قَرابة الدم أو الجيرة، وأيضاً الصداقة والروابط الأخرى، مُضيفاً أنَّ بعض أشكال تلك الزيارات تُعتبر واجباً حثت عليها الأعراف والأديان كزيارة "الأرحام" خاصةً في المناسبات الاجتماعية والدينية.

وبيّن العكلوك، في حديثٍ هاتفي مع مراسلة "خبر"، أنَّ الزيارات العائلية تُعتبر من الظواهر الاجتماعية القديمة، وحدثت تطورات كثيرة مرت بها، حتى وصلت لشكلها الحالي الآن، وفي فلسطين على وجه الخصوص كان لتلك الزيارات أثر كبير لتعميق أواصل العلاقات الاجتماعية، إلا أنَّ تلك الظاهرة مثل أيَّ ظاهرة اجتماعية أخرى تأثرت بالأوضاع السياسية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع، فمن المعروف بأنَّ مَن يقوم بالزيارة يجلب معه “الهدايا” والتي أصبحت واجباً على من يقوم بتلك الزيارة.

ونوّه إلى أنَّ تبادل الهدايا في الزيارات أصبحت عبئاً على أفراد المجتمع وتكليفاً قد يثقل كاهله والبعض يعجز عن توفيرها، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتزايد نسب البطالة، مما دفع البعض للتخلي عن واجباته الاجتماعية اتجاه الآخرين بسببها، أو على أقل تقدير اقتصارها على المقربين من الدرجة الأولى، إضافةً لتكاليف مادية أخرى للزيارات، مثل بُعد المسافات الأمر الذي يتطلب مصاريف إضافية.

الزيارات وسيلة من وسائل توثيق المودة 

في مواضع عديدة حث الإسلام على الترابط الأُسري وصلة الأرحام، وشدّد على الزيارات فهي بلا شك تُعتبر تقرباً إلى الله، وطاعة له وحرصاً على بقاء المودة والمحبة، وعلى صلة الرحم من أفضل القربات، ومن أفضل الطاعات، وقد صح عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنّه قال: "يقول الله عز وجل: وجبت محبتي للمتزاورين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتحابين فيّ، والمتباذلين في".

أستاذ الفقه والشريعة الدكتور، رائد العمور، أوضح أنَّ "زيارة الأقارب والجيران والأصدقاء، وغيرهم من عموم المسلمين؛ وسيلة من وسائل توثيق المودة، وتآلف القلوب، وتقوية الروابط، وفيها يتذكر الناسي، وينبّه الغافل، ويعلَّم الجاهل، ويروح بها عن النفوس، وتخفف المصائب والأحزان، وغير ذلك من الفوائد المرجوة من وراء الزيارات".

وقد تنوعت الزيارات بمسمياتها وفضائلها، حيث لفت العمور، في حديثه لمراسلة "خبر"، إلى أنَّ الزيارات لها أشكال متعددة؛ فمنها الزيارة الواجبة؛ كزيارة الوالدين، وصلة الأرحام ففي الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: "من أحب أنّ يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أجله، فليصل رحمه". ويقول عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة قاطع رحم".