17 عاماً مرت على آخر انتخابات تشريعية فلسطينية والتي عُقدت في 25 يناير 2006، وتُعد هي الثانية مُنذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، فقد جرت أول انتخابات في عهد الزعيم الراحل ياسر عرفات عام 1996. لكِن المعطيات التي أحاطت بالانتخابات الأولى والتي قادت إلى تشكيل أول مجلس تشريعي تختلف تماماً عن الانتخابات التشريعية الثانية التي جرت في عهد الرئيس محمود عباس؛ لعل أبرزها مقاطعة حركة حماس لها- بدواعي أنها امتداد لاتفاق "أوسلو" الذي تُعارضه جملةً وتفصيلاً- وقيادة حركة فتح للمجلس التشريعي الأول، حيث فازت بأغلبية في حينها.
بين الانتخابات التشريعية الأولى والثانية
لكِن الانتخابات التشريعية الثانية شهِدت مشاركة حركة حماس، رغم أنّها جرت وفقًا لمبادئ اتفاق أوسلو، ومُنذ تلك اللحظة بدأ الخلاف يتفجر بين حركتي "حماس وفتح" وصولاً إلى الانقسام الداخلي الفلسطيني المستمر منذ العام 2007 وحتى الآن؛ والذي أدى إلى الانقسام الجغرافي بين الضفة وغزّة والسياسي بتجميد الانتخابات العامة وقرارات عقابية لسكان غزّة، وكذلك استفراد حماس بحكم غزّة، رغم كل جوالات الحوار الوطني التي طافت كل أصقاع المعمورة.
وهنا لا يُمكن إغفال مشاركة ثلاثة أطراف رئيسية في إذكاء نار الانقسام الداخلي الفلسطيني إسرائيلياً وإقليمياً ودولياً، الأمر الذي ترك تداعيات قاسية على المشروع الوطني الفلسطيني، فهل يُكرر الفلسطينيون استحقاق الانتخابات العامة سواء التشريعية أو الرئاسية أو لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي طالها التهميش جراء تداخل الأدوار لصالح السلطة، وهل هناك صيغة وطنية بديلة للانتخابات أم أنّه لا بديل عن الانتخابات إلا الانتخابات؟.
أبو بكر: المفتاح للانتخابات ومستقبل القضية الفلسطينية بالوحدة الوطنية
بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حركة فتح، بكر أبو بكر، أنَّ "الانقسام بين الضفة وغزة؛ حدث نتيجة لأمرين أساسيين، الأول هو الانقلاب الذي حدث في غزّة وأدى إلى الانفصال والانشقاق والفرقة التي ما زالت قائمة، ومن ثم نتج عنه عملية تبادلية بين الأطراف ليس التبارز في مقاطعة العدو، إنّما من يستطيع الاستئثار بالكرسي أكثر من غيره، وهذا الأمر انعكس على الانتخابات".
وقال أبو بكر، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّه في ظل الوفاق الوطني ليس بالضرورة أنّ يتم إجراء انتخابات، أيّ بمعنى موافقة جميع الأطراف على وحدة وطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وضمن برنامج وطني شمولي تشاركي بين الجميع".
ورأى أنّه ما دام الشعب الفلسطيني، خاض تجربة الانتخابات لمرتين، فلا بأس أنّ تكون أحد عوامل الاتفاق الجديدة بين الأطراف، مُردفاً: "نقول الأطراف؛ لأنّ هناك طرف شرعي- منظمة التحرير الفلسطينية التي تضم الجميع- وهناك إشكالية حول دور السلطة وحجمها واستمراريتها من عدمه حيث هناك خلافات شديدة حول اتفاق "أوسلو" باعتباره انتهي -تعتبر السلطة إفراز له- حيث يجب أنّ يحتضن ليس في إطار حكومتين منفصلتين، إحداها شرعية دولية هي السلطة، وأخرى منتزعة عبر "الانقلاب" في غزّة وهذا لا يجوز"، وفق حديثه.
وأكّد على ضرورة التقاء جميع الأطراف على قاعدة "البناء المشترك"، على الرغم من عشرات اللقاءات التي جرت بينهم وفشلت، وإذا كان القرار البداية من خلال "الانتخابات" فلتكن، وإذا كان القرار البداية من خلال "منظمة التحرير الفلسطينية" فلتكن، وإذا كان القرار البداية من خلال الشرعية الدولية والنضال المشترك الذي تم التوافق عليه من خلال الموافقة السلمية الجماهير فليكن ذلك أيضاً.
وأكمل أبو بكر: "الخلاصة لما سبق ذكره هي أنَّ المفتاح سواء للانتخابات التشريعية أو لمستقبل القضية الفلسطينية هو بالوحدة الوطنية".
وعن أهمية إجراء الانتخابات العامة؛ لتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية؛ باعتبارها استحقاق أمام العام، بيّن أبو بكر، أنَّ "العالم لا ينظر للضعيف؛ بدليل وجود دول في العالم لا علاقة لها بالديمقراطية وتدعمها قوى الغرب"، مُستشهداً بدعم الغرب للكيان الصهيوني ووصفه بالديمقراطي رغم احتلاله للشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أنَّ الاعتماد على الغرب لإجراء الانتخابات؛ حجة واهية لأنَّ الأصل هي التوافق فلسطينياً وأنّ يكون لشعبنا قيادة واحدة يختارها بإرادته.
استدفاء أطراف الانقسام بالكرسي
وبسؤاله عن الأطراف التي ترى في الرئيس محمود عباس حجر عثرة في طريق إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات، قال أبو بكر: "إنَّ التسلط وغياب الديمقراطية موجود في غزّة التي لا تُجري أيّ انتخابات، فكيف لمن لا يعترف بالانتخابات أنّ يدعي على الآخرين، لكِن في جميع الأحوال المشكلة الرئيسية ليست في شخص، بل في البرنامج وليس في الأشخاص حيث هناك تقاطعات داخلية دولية وإقليمية".
وأردف: "هناك استدفاء في الجلوس على الكرسي سواء في الضفة أو غزّة، على حساب الشعب الفلسطيني، وذلك من منطلق أيدلوجي، وهو أنَّ القضية طويلة فلا مشكلة بالاستمرار في حالة الانقسام، وذلك حسب معتقد أطراف الانقسام".
وعن إمكانية إنهاء الانقسام في ظل مأسسته الراهنة، قال أبو بكر: "إنَّ الزعيم الراحل ياسر عرفات كان رجل ذو وجهة نظر بعيدة، ويقول إني أرى الضوء في آخر النفق، وأنَّ الشعب أكبر من قيادته، حيث من المتوقع أنّ يكون هناك ردة فعل من الشعب الفلسطيني على التطرف الإسرائيلي بانتفاضة عارمة".
وأكمل: "الوحدة على الأرض ستنتقل إلى الأعلى، حيث إنَّ مسببات الانقسام قادرة على التلاشي من خلال الضغط على القيادة السياسية القائمة، وهكذا كانت الانتفاضتين الأولي والثانية"، مُستدركاً: "بكل تأكيد وجود دعم من القيادة السياسية سيكون أفضل".
الصواف: لا انتخابات طالما محمود عباس وفريق أوسلو موجودين
أما المحلل السياسي المقرب من حركة حماس، مصطفى الصواف، فقد رأى أنَّ "بعض الأسباب دعت من يُصدر قرار إجراء الانتخابات من عدمه، إلى وقفها في العام 2021، لأنّ نتائج الاستطلاعات على ما يبدو كشفت أنه سيواجه خسارة كبيرة".
وأضاف الصواف، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "الكل الفلسطيني يُطالب بإجراء الانتخابات وتجديد للشرعيات؛ لكِن هو لا يريد تجديدها -في إشارة للرئيس محمود عباس- لأنّه يرى أنّها لن تكون في صالحه؛ ولذلك سيُعطل الانتخابات إلى أجل لا يعلمه إلا الله".
واستدرك: "لن يتم إجراء أيّ انتخابات فلسطينية كما حدث في عام 2006 طالما أنَّ الرئيس محمود عباس وفريق أوسلو موجودين في سدة الحكم".
وتساءل الصواف: "إذا لم يكن هناك توافق على إجراء الانتخابات فهل سيتم التوافق على تجديد الشرعيات؟"، مُردفاً: "بكل تأكيد الانتخابات نقطة مهمة وجوهرية لتجديد الشرعيات وتأكيد الشعب في تجديد قيادته؛ لكِن نتائجها لن تكون مطمئنة للرئيس محمود عباس وفريق أوسلو"، وفق تعبيره.
أبو ظريفة: الانتخابات بعد قرار الأمم المتحدة 67/19 ليس كما قبله
من جهته، رأى الباحث السياسي، وجيه أبو ظريفة، أنَّ "الانتخابات العامة، استحقاق شعبي وديمقراطي ودستوري لا يجب استمرار تغييبه مهما كانت المبررات، ويجب أنّ تُجرى بشكل منتظم وتؤدي لإفراز أطر قيادية جديدة للشعب الفلسطيني، وليست مرتبطة بمزاج سياسي وتحكم طرف بآخر".
وأشار أبو ظريفة، في حديثه لوكالة "خبر"، إلى أنَّ الامتناع عن إجراء الانتخابات لفترة طويلة، أدى إلى تكلس المؤسسة الرسمية والمؤسسات الحكومية وغياب الرقابة الشعبية والبرلمانية على أداء الحكومة، وتراجع الاهتمام الشعبي بالمستوى السياسي والعمل السياسي، وكذلك فقدان الثقة بين المؤسسة الحاكمة والمواطن وحتى بين الأحزاب السياسية والشعب؛ لأنّه لا يوجد لديه القدرة على استعادة حقه في التعبير عن رأيه من خلال صندوق الاقتراع".
أما عن إمكانية إعادة تجربة الانتخابات العامة في ظل واقع الانقسام، أكّد على أنّ "الانتخابات العامة ليست قرار فلسطيني داخلي فقط، حيث لها ارتباطات متشعبة فلها ارتباط بموافقة إسرائيل؛ خاصةً أنّها تتحكم بجانب كبير من الأراضي الفلسطينية، التي يجب أنّ تُقام بها الانتخابات مثل القدس ومناطق "ج" وغيرها؛ وبالتالي إسرائيل أحد أطراف تعطيل الانتخابات".
واستطرد: "المجتمع الدولي أحد المعيقات أمام إجراء الانتخابات الفلسطينية؛ لأنّه يُريد انتخابات تؤدي لنتيجة معينة ولا يريد انتخابات ديمقراطية يعترف بنتيجتها، بالإضافة إلى غياب الإرادة الفلسطينية الداخلية وخشية الأطراف من فوز طرف على حساب آخر؛ خاصةً طرفي الانقسام".
ونوّه إلى أنَّ الانقسام الفلسطيني هو أحد الركائز المهمة لعدم إجراء الانتخابات؛ لأنّه ثبت بالتجربة أنَّ "الانتخابات ليست مدخلاً للمصالحة"، بل المصالحة هي مدخل إجراء الانتخابات.
وحول إمكانية توفر صيغة وطنية مع استمرار تعذر إجراء الانتخابات أم أنّه لا بديل عنها، أوضح أنَّ عديد الاتفاقات موقعة بين كافة الأطراف، وجزء منها يتعلق بالانتخابات وبالتالي يجب تنفيذ الاتفاقات الموقعة وفتح حوار جدي يؤدي لمصالحة حقيقية لإجراء الانتخابات، وهذا الأمر ممكن لكِنه يتطلب إرادة سياسية وتنازل من أطراف الانقسام، وصولاً إلى شراكة سياسية كاملة".
وختم أبو ظريفة حديثه، بالقول: "إنَّ المؤسسة الفلسطينية في النظام السياسي القائم لم تعد هي المؤسسة التي يجري حولها الصراع أو جرى حولها الصراع سابقاً؛ فالآن بعد قرار الأمم المتحدة رقم 19/67 عام 2012، وهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة، فيجب أنّ تكون أيّ انتخابات ضمن هذا السياق وليس تمديدًا للمرحلة الانتقالية أو مشروع "أوسلو" المنتهية صلاحيته؛ وإنّما ضمن تجسيد الدولة الفلسطينية تماشياً مع قرارات الأمم المتحدة، وعدم إعطاء مبرر جديد لاستمرار المرحلة الانتقالية وعدم الوصول لتجسيد الدولة الفلسطينية".