معاريف : "غليان" في الساحة الفلسطينية وضربات في الجبهة الإيرانية

حجم الخط

بقلم: تل ليف رام

 


تشكل وتيرة الأحداث الأمنية الشاذة في نهاية الأسبوع السابق نموذج ناجعاً لمصالح إسرائيل المعقدة: وقف التصعيد في الساحة الفلسطينية وموجة "الإرهاب" بعد عمليتين قاسيتين في القدس، السبت الماضي، وفي المقابل ارتفاع درجة أخرى في المعركة الجارية مع إيران.
عملية "اليمم" في جنين – التي تنتهي بنجاح عملياتي في إحباط "خلية إرهاب" تابعة لـ "الجهاد الإسلامي" – وإطلاق الصواريخ من غزة، وعمليات قاسية في القدس، وتصعيد في شرقي المدينة، ورفع التأهب في "يهودا" و"السامرة"، وتعزيز القوات، وتوتر في السجون الأمنية، ومرة أخرى نار من القطاع.. وقع كل هذا في نهاية الأسبوع الماضي، وبين هذا وذاك وقعت هجمات في إيران وفي سورية، تعزى حسب المنشورات لإسرائيل.
الى جانب هذا سجل ارتفاع كبير في الجريمة القومية الخطيرة من جانب اليهود، عندما وقعت بعض الاحداث، بينها حرق بيوت في قرى فلسطينية، ينطبق عليها تعريف عمليات ارهابية بكل معنى الكلمة. الساحة الفلسطينية متوترة جدا: الحرم، شرقي القدس والسجناء الامنيين في السجون في إسرائيل، وتسجل في جهاز الأمن بانها البؤر المركزية التي قد تؤدي الى تصعيد اضافي، وكل هذا بينما يقترب رمضان في نهاية الشهر القادم.
يطلب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن تعمل حكومته على زيادة الحوكمة في دولة إسرائيل، لكن يبدو أنه يستصعب الحوكمة داخل حكومته نفسها. قطب ما برئاسته وبرئاسة وزير الدفاع يوآف غالنت يسعى ليتخذ خطاً أمنياً براغماتياً وفقاً لموقف جهاز الامن. ويسعى قطب آخر هنا والآن الى تشديد السياسة في شرقي القدس وفي السجون الامنية يُضاف اليها خطوات فورية لتعزيز الاستيطان في الضفة.
بين هذين القطبين، فان الضغط السياسي الذي يمارس على نتنياهو من شأنه أن يؤثر أيضا على جودة اتخاذ القرارات، ويصعب على رئيس الوزراء أن يتخذ خطاً موحداً وواضحاً.
الساحة الفلسطينية تغلي، لكن لا يزال ممكنا تبريد الميول ومحاولة تخفيض مستوى اللهيب. ولإسرائيل أيضاً ما تفعله في هذا الموضوع. لكن اختيار هذا التوقيت بالذات من جانب وزير الامن القومي، ايتمار بن غفير، للربط بين هدم منازل فلسطينية غير قانونية، على أي حال في خطة هدم مستقبلية في بلدية القدس وادارة حملة علاقات عامة وكأنه هو الذي يغير الواقع من الاقصى الى الاقصى في شروط السجناء الامنيين، يسرع ميل التصعيد.

لا للوقوف في خط البوابة
بين كبح التدهور مع الفلسطينيين وصعود درجة أخرى في المعركة تجاه إيران، جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، هذا الأسبوع، لتحدد جيدا الحدود مع الأميركيين – شراكة في المعركة ضد إيران وطلب سلوك سياسي عاقل دون تغييرات جوهرية في الساحة الفلسطينية.
كما نشرنا، هذا الشهر، في "معاريف"، يوصون في جهاز الامن برفع درجة اخرى في شدة استخدام القوة العسكرية ضد ايران في الساحات المختلفة، بما في ذلك على الاراضي الايرانية. مركز المعركة عمليا يجد تعبيره في ضرب محور السلاح التقليدي الايراني المتطور، بشكل عام بعد أن يكون خرج من مخازن السلاح وأرسل الى العراق او سورية، من هناك ينقل الى "حزب الله" في لبنان او الى حلفاء آخرين لإيران يعملون تحت رعايتها.
مقابل الهجومين المنسوبين لسلاح الجو على شاحنتي سلاح في الحدود السورية – العراقية، فان الهجوم في أصفهان المنسوب لـ "الموساد" على مركز إنتاج وتطوير وسائل قتالية متطورة، صواريخ دقيقة وبعيدة المدى ومسيّرات، يجسد استعداد إسرائيل لأن ترتفع مرحلة اخرى في المعركة ضد ايران والعمل ايضا ضد منشآت السلاح في ايران، بشرط أن يكون الهدف المضروب ذا قيمة استراتيجية حقيقية ولا تزال طريقة العمل تسمح بمجال معين من الغموض، ولا تؤدي الى تصعيد حتى حرب مباشرة مع الايرانيين.
اذا كانت غاية العملية في أصفهان هي ضرب مصدر سلسلة انتاج الوسائل القتالية المتطورة، فان الهجمات المنسوية لإسرائيل، هذا الاسبوع، على الحدود مع العراق غايتها أن تضرب الهدف الاقصى وهو صناعة السلاح الايرانية، على مسافة قصيرة من نقله الى "حزب الله" او جهات معادية اخرى.
بالنسبة للاعمال المنسوية لإسرائيل على الاراضي الايرانية، يمكن التقدير بأنهم في "الموساد" يعتقدون بان الوقوف في خط البوابة فقط في الكبح والاحباط لن يكفي وحده على مدى الزمن. بالمقابل فان تصفية علماء النووي، او تصفية ضباط كبار كرسالة يجعل العملية، هذا الأسبوع، المنسوبة لإسرائيل تشكل بقدر كبير ارتفاع درجة أخرى؛ هجوم ناجح من الجو يضرب هدفاً استراتيجياً في إيران.
حدث غريب مشابه، ولكن بمقياس اصغر وقع في لبنان بضرب عنصر صناعي ذي أهمية لدقة صواريخ "حزب الله" في آب 2019، ولا يزال يبدو انهم في جهاز الامن الإسرائيلي يعتقدون أنه توجد مرونة اكبر للعمل ضد اهداف في ايران على اراضيها من العمل تجاه "حزب الله" في لبنان دون التدهور الى وضع حرب.
يعتقد تقدير شعبة الاستخبارات الأخير أن ايران تهجر فكرة التموضع في سورية. فالرئيس الاسد، تحت الرعاية الروسية، يعزز مكانته وكذا المعركة في سورية، التي يديرها حسب المنشورات سلاح الجو أساساً، تعطي ثماراً. يركز الإيرانيون، الآن، جل جهودهم على تسليح "حزب الله"، وهذا الموضوع ايضا يوجد في مركز الهجمات الأخيرة المنسوبة لإسرائيل.
مثلما يفعل "الموساد" في ايران هكذا يفعل الجيش في سورية ايضا. يبدو أن هنا ايضا موقف جهاز الأمن وهو أنه يمكن تشديد الضغط على إيران، بما في ذلك ضرب وتصفية ضباط في الحرس الثوري، ممن لهم أهمية في سلسلة نقل السلاح الى "حزب الله" او ضرب خبراء في مجالات اخرى مثل مشروع الصواريخ الدقيق المشترك بين الحرس الثوري و"حزب الله".
وبالمناسبة، بعد المنشورات والرسائل التي خرجت من إسرائيل بان الايرانيين و"حزب الله" يعتزمون استخدام المطار الدولي في بيروت لنقل وسائل قتالية وعناصر تكنولوجية متطورة، لم يحصل شيء عملياً ومحور العمل هذا ليس موجوداً.
لقد ادى الجمود المطلق للاتفاق النووي، والحرب في اوكرانيا، ومحور السلاح من طهران الى موسكو، الى تعزيز المصالح بين إسرائيل والولايات المتحدة. في المناورة الاخيرة، مثلما بلغنا، الأسبوع الماضي، حطمت أسقف زجاجية في اشكال التعاون العسكري، وللمرة الأولى يجري بين الجيشين خطاب أهداف مشتركة في ايران، هو أساس عملياتي لخطط ضد مواقع النووي. تتوثق أشكال التعاون العملياتية، وتتقاسم محافل الاستخبارات المعلومات الحميمة التي تتحول الى خطط عمل.
في المسألة الايرانية يسعى الطرفان لعرض جبهة مشتركة قريبة اكثر مما في عهد ترامب. وتعبير عن هذا يمكن أن نراه في المحادثات والتنسيقات التي تجري بين الجيشين، حيث عقد وزير الدفاع غالنت في غضون فترة قصيرة جداً لقاء مع وزير الخارجية بلينكن، ورئيس الـ "سي.اي.ايه"، وليم بارنز، ومكالمة هاتفية مع وزير الدفاع، لويد اوستن.
مع ثلاثتهم طرحت المسألة الايرانية، لكن الى جانبها ايضا اهمية الحفاظ على الاستقرار في الساحة الفلسطينية. في هذا السياق، من الواضح ان العلاقات مع جهاز الأمن الإسرائيلي ومع وزير الدفاع بخاصة هي بالنسبة للأميركيين ذات أهمية كبيرة في الأيام التي لا يخفون فيها قلقهم من تركيبة الحكومة الحالية، وهكذا لجهاز الأمن أهمية اكبر هذه الأيام في الساحة السياسية أيضاً تجاه قيادة الإدارة في الولايات المتحدة.

عن "معاريف"