حكومة نتنياهو بين توقّعات العرّافين وتحدّيات الواقع

حجم الخط

بقلم:أحمد الجندي


منذ لاحت بوادر تشكيل حكومة يمين إسرائيلية، واليمين الإسرائيلي تغمره سعادة كبيرة في تمكّنه، للمرّة الأولى في تاريخ إسرائيل، من تشكيل حكومة يمين إسرائيلية خالصة، الأحزاب الدينية فيها قوام النصف تقريباً، إلا أن أحداث الأيام الماضية وما أسفرت عنه عمليات المقاومة من وقوع قتلى ردّاً على اعتداءات إسرائيلية، وحالة الغضب التي تكشفها تعليقات السياسيين، ومقالات الصحافيين الإسرائيليين، ومظاهرات الشارع الإسرائيلي ضد ما يعتزم نتنياهو القيام به بسنّ تشريعات جديدة، وتعديل قوانين قديمة، إضافة إلى موجة الغلاء العالمية، ذلك كله يثير تساؤلاً مهماً يتعلق بمدى قدرة هذه الحكومة على المحافظة على مؤيديها، وهل تستطيع التغلّب على الخلافات السياسية والأيديولوجية بين مكوّناتها، وتحمّل ضغط الشارع والمعارضة أم لا؟


قد يبدو السؤال سابقاً لأوانه كثيراً، خصوصاً أن الحكومة السادسة التي يترأسها نتنياهو لم يمرّ عليها سوى أسابيع قليلة منذ تشكلت، كما أن مآلات الأحداث لمّا تكشف عن كامل أسرارها بعد. ولكن، وعلى الرغم من أن الوقت مبكّر، فإن العرّافين الإسرائيليين، ومنذ اللحظة الأولى لعمل الحكومة، انشغلوا بوضع توقعات مستقبلية بشأن إنجازات الحكومة وإخفاقاتها؛ وقد كتب العرّاف الإسرائيلي، عمي جوطمان، بعد أسبوع من أداء الحكومة اليمين القانونية في 29 ديسمبر/ كانون الأول مقالاً في صحيفة معاريف الإسرائيلية، تنبأ فيه بأن تكون حكومة نتنياهو الحالية مختلفة عن كل الحكومات التي شكلها من قبل، وأن الحكومة السابقة، أي حكومة ليبيد/ بينيت، إذا كانت قد سمّت نفسها حكومة التغيير، فإن الحكومة الحالية ستكون هي حكومة التغيير الحقيقي.


ليس التغيير المقصود بالضرورة إلى الأفضل، ولكنه سوف يشمل جوانب كثيرة؛ في مقدمتها ما يسمّيه نتنياهو الثورة القانونية، والتي تستهدف وضع حزم قانونية كاملة، وتعديلات لقوانين أخرى عديدة لتحقيق السيطرة الكاملة على مفاصل القضاء، وتقييد دور المستشار القانوني، إلا أن هذه الثورة القانونية لن تتحقّق كاملة، وسوف تصطدم باعتراضاتٍ من المعارضة، أو من بعض قوى الائتلاف الحاكم نفسه، فضلاً عن الشارع الإسرائيلي. 

 

ويتوقّع جوطمان تنامي قوة المحكمة الحاخامية الدينية مقابل محكمة "العدل" العليا، وأن يكون هناك صراعٌ بين الأحزاب الدينية المشاركة في الحكومة، وخصوصاً بين بن غفير وحزبه من ناحية، وحركة شاس، ويهودت توراه تحديداً من ناحية أخرى. ويتنبأ جوطمان بأن تصبح الشرطة في حالة ضعف كمؤسسة مستقلة، وأن تزداد قوة بن غفير وشعبيّته بعد أن يحقق نجاحاتٍ في رفع ميزانية الشرطة، وتطوير خطط مواجهة الأعمال الإجرامية "والإرهاب".

 

 أما وزير المالية بتسلئيل سموتطريتش فسيواجه صعوبات كثيرة نتيجة صراعه مع المؤسسات العمّالية، وكثرة الإضرابات، والمظاهرات الناتجة عن موجة الغلاء، وارتفاع نسب البطالة. وطبقاً لهذه النبوءات، فإن الحكومة على الرغم من محاولتها الوصول إلى اتفاقيات سلام مع دول عربية جديدة، فإنها سوف تواجه مشكلات مع الأطراف التي وقّعت اتفاق أبراهام نفسه.


ووفقاً للتوقّعات، سوف تفعل الحكومة التي تحرص على تغيير كل ما فعلته سابقتها، أقصى ما في وسعها من أجل ذلك، لكنها ستفعله بطريقة تثير فيها الشعب، وتعمّق الاستقطاب والانقسام بين فئات المجتمع، ما يهدّد وحدة إسرائيل. وهذا كله يدفع جوطمان إلى القول إن نتنياهو لن يكون قادراً على السيطرة على وزراء حكومته، وإن حكومته لن تكمل مدّتها القانونية، وإن الصراعات سوف تزداد وتتعمّق مهدّدة باستقرار الشعب ووحدته. إضافة إلى ما سبق، سوف تواجه إسرائيل تهديدات أمنية واستراتيجية كبيرة؛ تتقدّمها زيادة التوترات بين اليهود والعرب داخل إسرائيل، وبين المتدينين والعلمانيين، والليبراليين والمحافظين.

إذا ما تركنا نبوءات العرّافين والمنجّمين، وذهبنا إلى الواقع سوف نجد بوادر لبعض ما جاء في كلام جوطمان؛ وعلى الرغم من أن الوقت مبكر، كما ورد سابقاً، فإن مشاهد الأحداث تنبئ بالكثير، فالتهديدات الناتجة عن العمليات الفردية المتتالية كبيرة إلى درجة تكشف أن ما وعدت به بعض الأحزاب الدينية (الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وعوتسما يهوديت بقيادة إيتمار بن غفير) من إحكام إسرائيل قبضتها الأمنية، لم تكن سوى وعودٍ كاذبة، هذه العمليات أجبرت الشرطة الإسرائيلية على منع بعض المسيرات الإسرائيلية التي كانت تستهدف بوابة نابلس في القدس.


جدير بالملاحظة أن الداعين إلى هذه المسيرات ينتمون إلى أحزاب دينية؛ وفي مقدّمتها بالطبع أنصار الحزبين الأكثر تطرّفاً في إسرائيل، الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت، والمثير فيها أن بن غفير الذي كان من أشهر من يقودون المسيرات في السابق، وكان يهاجم قرارات الشرطة الإسرائيلية إذا ما ألغت المسيرات التي يقودها، بهدف استفزاز الفلسطينيين والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم من ناحية، أو لكسب دعم التيار الديني، من خلال تصدّره الدائم مشهد المسيرات، ومحاولة لعب دور الأكثر حرصاً على تحقيق وعود الخلاص اليهودي، قد أصبح اليوم، أي بن غفير، وزيراً للأمن القومي في حكومة نتنياهو، ويتحمّل أسباب وقوع هذه الهجمات بدرجة أو بأخرى، ومن ثم يتعرّض هو والحكومة للانتقاد والاتهام بالضعف من قادة أحزاب المعارضة وأنصارها، والأهم تعرّضه للنقد من أنصار حزبه وبعض قياداته، وهو ما ظهر فيما جاء على لسان باروخ مازيل، إحد قيادات حزب عوتسما يهوديت، حيث اتهم حكومة نتنياهو وبن غفير بالضعف، بعد الهجمات التي وقعت، وبعد إلغاء المسيرة التي كان يقودها، وكانت تستهدف الوصول إلى بوابة نابلس في القدس. ولم يكتف مازيل باتهام بن غفير بالضعف، بل اتهمه أيضاً بأنه قد نسي الأيديولوجية التي انتخب على أساسها، وأن كرسي الوزارة قد أثر في قناعاته.

أصدرت الحكومة الإسرائيلية قراراتٍ، ردّا على العمليات الفلسطينية الفردية أخيراً، تضمّنت غلق بيت عائلة كل من منفذ عملية نافيه يعقوب التي قتل فيها ثمانية إسرائيليين، خيري علقم، ومحمد عليوات البالغ 13 عاماً والذي قام بهجوم لم يسفر عن قتلى، إضافة إلى حرمان عائلات منفذي هذه العمليات من أي حقوق أو مزايا، وتسريع خطوات منح تصاريح الأسلحة النارية للمستوطنين، وتوسيع نطاقها. لم يتوقف الأمر عند هذ الحد، فوفقاً لـ"يديعوت أحرونوت"، طالب نتنياهو وزير داخليته بالإنابة بالعمل على تقديم مشروع قانون لسحب الإقامة والجنسية عن "الإرهابيين"، طبقاً للفظه، وطالب أيضاً من وزير الاقتصاد بإعداد قانون يسمح بالفصل الفوري للموظفين الداعمين "للإرهاب". وعلى الرغم مما عكسته هذه القرارات من إرهاب وتطرّف معتاد من الحكومة، فإنها لم تنل رضا غلاة المتطرّفين في إسرائيل الذين اعتبروها غير كافية؛ وهاجم الصحافي الإسرائيلي يانون ماجال الحكومة، لأنها لم تُبعد عائلات منفّذي العمليات إلى غزّة، وأن عدم قيام الحكومة بتلك الخطوة يعني أن العمليات سوف تستمر.


لم يقصّر قادة الحكومة السابقة أيضاً في اتهام الحكومة بالضعف؛ وعلق يئير لبيد بأن حكومة نتنياهو أفقدت إسرائيل، خلال شهر، قوتها على الردع، بعد أن كانت حكومته قد استعادت تلك القوة خلال السنة ونصف الماضية، هي عمر حكومته، باتباع سياسة عدم التسامح، وأضاف أن التهديدات التي تتعرّض لها إسرائيل حالياً لم تقع نتيجة قتل فلسطينيين، بل لأن الفلسطينيين أدركوا أنهم أمام حكومة فوضوية ضعيفة، لم تنجح في شيءٍ سوى في إحداث أزمة اجتماعية داخلية، حكومة لا يملك فيها نتنياهو السيطرة على وزرائه، ولا سياسة واضحة لها.

وإذا كان العرّافون يتوقعون أن تواجه إسرائيل تهديدات داخلية؛ فإن خبراء الاستراتيجيات يرون أن التهديد الأكبر يتمثل في تلك العمليات الفردية تحديداً، وأن إسرائيل مطالبة بتجنّب إشعال الأوضاع مع غزة، خصوصاً أن حركة حماس تسعى كذلك إلى تجنّب اشتعال الوضع هناك، لكنها في مقابل ذلك تسعى إلى جعل مدن الضفة والداخل الإسرائيلي ساحة للمواجهة من خلال تشجيع العمليات الفردية ضد إسرائيل. 

 

ويقول اللواء احتياط تامير هيمان، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في منع العمليات "الإرهابية" لا يكون ناجعاً حينما تواجه إسرائيل عمليات ينفّذها ما أطلق عليهم "الذئاب المنفردة"، حيث يتمكّن منفذ العملية عادة من التسلّل، بعكس العمليات التي تنظم بالتنسيق داخل الحركات الفلسطينية أو فيما بينها.

 

 ويكشف هيمان عن خطر آخر لمثل هذه العمليات، أن نجاحها عادة ما يغري فلسطينيين آخرين بتقليدها، وهو ما حدث فعلياً بعد وقوع أكثر من هجوم فردي، بعد عملية خيري علقم التي أوقعت ثمانية قتلى إسرائيليين وجرحى، بينهم إصابات خطيرة.


ويرى هيمان أن على إسرائيل التصرّف بهدوء، لأن انفجار الأوضاع واتساع نطاقها ليسا في مصلحتها، خصوصاً أن التقرير الذي رفعه مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي للرئيس هرتزوغ، منذ أسابيع قليلة، أكد أن الجبهة الفلسطينية هي المرشّحة لتكون الأكثر اشتعالاً خلال عام 2023، وأن على إسرائيل أن توازن بين إبقاء قوة الردع وتحييد مصادر الاحتكاك التي يمكن أن تشعل الأوضاع.


وعلى الرغم من خطورة هذه العمليات، فإن الأخطر منها هو حالة الانقسام السياسي والمجتمعي المتزايدة بقوّة في الأعوام الأخيرة، والتي يبدو أنها سوف تزداد بصورة أخطر كلما تقدّم نتنياهو في تنفيذ خطته الهادفة للسيطرة على السلطة القضائية، مستغلاً الأغلبية التي يتمتّع بها ائتلافه اليميني في الكنيست، فهي خطّة تمثل لعباً بالنار التي لن تحرق نتنياهو وحده، بل قد تحرق إسرائيل أيضاً، وهنا تحديداً تلتقي نبوءات العرّافين مع توقعات رجال السياسية والاستراتيجية في إسرائيل.