مع تأخر صرف شيكات الشؤون

البرد ينهش أجساد الفقراء في ظل افتقار قطاع غزّة لأدنى مقومات الحياة!!

البرد في غزة
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - مارلين أبو عون

رغم تأخر قدوم فصل الشتاء هذا العام إلا أنه جاء مُحملاً بالخير الكثير، وقد تعرضت فلسطين لعدة منخفضات جوية تحمل كمية لا بأس بها من الأمطار، بالإضافة لتدني درجة الحرارة والتي تصل أحياناً لواحد تحت الصفر ليلاً بحيث يتجمد كل شيء ملموس، وتفشل جميع وسائل التدفئة في السيطرة على درجة الحرارة المنخفضة، ولأنَّ قطاع غزّة له خصوصية تُميزه عن بقية المدن الفلسطينية، فالحال الاقتصادي السيئ الذي يعيشه المواطنين انعكس على حياتهم اليومية، فبعضهم لا يستطيع توفير عناصر التدفئة لهم ولأولادهم، عدا عن انقطاع التيار الكهربائي بحيث وصل عدد ساعات الوصل إلى أربع ساعات فقط، وبقية اليوم تكون مقطوعة عن المنازل والمحال التجارية والمؤسسات، مما دفع البعض للجوء لوسائل التدفئة البدائية منها إشعال الفحم في المنازل، والذي بدوره أوقع عدداً كبيراً من المصابين بحالات الاختناق، بالإضافة لعدد من الوفيات جراء استنشاق الغازات السامة المنبعثة من الفحم، على الرغم من التحذيرات التي أطلقتها الجهات المختصة للمواطنين بعدم إشعال الفحم داخل المنازل وفي غرف الأطفال أثناء نومهم، بالإضافة للحملة التي قام بها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، لكِن تلك الحملات لم تُثني المواطن عن استخدام الفحم للتخلص من البرد الذي يُشعره بالتجمد والموت ألف مرة في الدقيقة.

بعض المواطنين لا يملكون حتى ما يكفيهم من الملابس والأغطية التي تقيهم البرد القارس، فتجد أنَّ بعض الصفحات المتخصصة في جمع التبرعات عبر مواقع التوصل الاجتماعي، أطلقت بعض الحملات للعائلات المستورة والتي لا تملك الأغطية التي تشعر أولادهم بشيء من الدفء، وحتى الملابس الشتوية الكافية لا يملكونها.

وتنتظر آلاف العائلات المستورة في غزّة بفارغ الصبر مخصصات الشؤون الاجتماعية منذ شهر ديسمبر 2022، وفقاً لوعودات وزارة التنمية الاجتماعية، بصرفها في وقتٍ قريب، لكِن على ما يبدو فإنَّهم بعيدين كل البعد عن حالة المواطن وما يعانيه من أعباء مالية واقتصادية في ظل موجات البرد التي نهشت جسده وجسد أطفاله.

وحتى هذه اللحظة لم يتم صرف تلك المخصصات، لذلك ناشد الفقراء والمحتاجين الحكومة في رام الله بالنظر لحالهم، وضرورة صرف مخصصاتهم التي لم يستلموها منذ شهر أكتوبر 2022م.

مراسلة وكالة "خبر" التقت عدد من المواطنين لسؤالهم عن الإجراءات التي يتخذونها للتعامل مع أيام البرد القارسة وقلة فرص العمل، بالإضافة لتأخر صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية.

إيمان الشيخ، تقول: "حسبي الله ونعم الوكيل على كل مسؤول لا يشعر بالمواطن، الحكومتين في غزّة ورام الله لا تشعران بما نشعر به، كل منهم يغني على ليلاه، لا يوجد حياة في غزة".

وأضافت الشيخ: "كنا قديما نقول إن حيطان المنازل تستر خلفها الفقراء، اليوم لا جدران ولا حتى بيوت تستطيع أن تسترهم، الكل يشكي ويعاني، ماذا تنتظرون من أب يعاني من مرض مزمن ولديه سبعة من الأطفال، وكل اعتماده على شيكات الشؤون الاجتماعية، وبيته مسقوف من ألواح الزينقو التي لا تقيه من برد الشتاء ولا حتى من حرارة الصيف!".

وتساءلت: "كما آلاف من المواطنين إلى متى سيظل المواطن يُعاني الأمرين؟، ويُعاني مرارة الفقر والحصار والجوع، ويعاني ظلم المسؤولين الذين أصبحوا في وادٍ والمواطن في وادٍ آخر".

عبد السلام النباهين، وهو أب لخمسة أطفال، ليس له دخل يستطيع من خلاله أنّ يُنفق على أطفاله ويشتري احتياجات أيام البرد القارسة، يقول: "كل اعتمادي في الحياة على شيكات الشؤون الاجتماعية وعايش بالإيجار، وكتير صاحب البيت بيهددني بالطرد من البيت إذا ما دفعت على الأقل 3 شهور من الأشهر المتأخرة عليّ، وكل يوم أعطيه أمل وأصبره على شيكات الشؤون بتسديد جزء من الايجار، ناشدنا المسؤولين، وعلى الفاضي، هادول صار جسمهم ما بيحس فينا وقلبهم حجر، يا ريت أقدر أعيِش أولادي وألاقي أي شغل بس أقدر أوفر الهم رغيف عيش حافي، ولا إني أعيش على الصدقات والمساعدات من القريب والغريب، وللأسف لا لقيت ولا راح أعرف أشتغل لأني مريض بالغضروف وما بقدر أرفع ظهري ولا حتى أشتري علاج". 

وتابع: "تعالوا شوفوا بيتنا أنا وأولادي طول الليل ملزقين في بعض عشان ندفي حالنا بهيك جو، لا عندي أغطية تكفينا ولا غرفة دافية تحمينا، حتى طول الليل مع المطر بتنزل علينا المياه من بين الزينقو واحنا نايمين، بتذكر يوم صحينا أنا وأولادي غرقانين من المياه لولا الجيران وأهل الخير قدروا ياخذونا عندهم ويدفوا أولادي، عشان هيك بقول احنا لمتى بدنا نضل هيك؟ لمتى المسؤول بده يضل أطرش وأعمى ومشلول عن مساعدة المواطنين؟"، وفق حديثه.

إسماعيل العف، قال: "الكلمات ماتت في الحناجر، لأننا فعليا لسنا بخير، 90%من المواطنين لهم حكايات موجعة، والفقر ينهش وينهش أطفالنا".

وعن ساعات قطع الكهرباء، يُعقب العف: "حين تُعلن دائرة الأرصاد الجوية عن مجموعة منخفضات قادمة، تُسارع شركة توزيع الكهرباء في غزّة لقطع الكهرباء في الوقت الذي نحتاجها للتدفئة وقضاء أيام الشتاء الباردة في البيت ومشاهدة التلفاز، لقد حرمونا من كل شيء، والحجة هي ذاتها ولا تتغير، فتجدهم قبل قدوم الشتاء يصرعوننا بأن الشركة على جهوزية تامة للتعامل مع المنخفض، لكن إذا هطلت بعض قطرات من المطر لا نرى الكهرباء ساعات طويلة ويتذرعون أن هناك أزمة، سبحان الله الأزمة ظهرت فجأة في المنخفضات لكن قبلها هم على جهوزية للتعامل مع المنخفض، لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن يستغلنا ولا يرحم صغيرنا ولاضعيفنا".

في محل بيع ملابس البالة ، كان يقف عدد من المواطنين منهم نساء وأطفال يُقلبون المعروض من الملابس ويقومون بشرائها لأطفالهم لحمايتهم من البرد، وذلك لأنّهم لا يستطيعون شراء ملابس شتوية ثقيلة جديدة بأسعار مرتفعة في ظل هذا الوضع المزري.

المواطنة "حلا" وهي ابنة العشرين عاماً تدرس في جامعة الأزهر، سألتها مراسلة "خبر" عن سبب وجودها في محل بيع البالة، فقالت: "جئت لشراء جاكيت صوف ثقيلة لارتدائها صباحاً على الدوام الجامعي، مُردفةً بلهجة حزينة صادرة من قلبها: "أمي ما بتقدر تشتري الي أواعي جديدة، وهيني بشتري من محل البالة، هنا القطعة بـ3 أو 2 شيكل، بسعر قطعة من الملابس الجديدة بشتري 15 من البالة، بغسلهم وبكويهم وبيصيروا جداد، لا مين شاف ولا مين دري، المهم نستر حالنا في البرد". 

وعن ظروف عائلتها الاقتصادية، تقول: "أنا وأخوي بندرس بالجامعة وبورقة الشؤون قدمنا على إعفاء خصوصاً إنه لحنا مجموعنا كتير عالي، والجامعة بتاخد منا مبلغ بسيط، أبوي متوفي وأمي بتصرف علينا من شيكات الشؤون، والشؤون تأخرت من خمس شهور ما شفناها، ولأنّه أمي مابتقدر تعطيني أشتري أواعي شتوية جديدة، جمعت مبلغ بسيط من مصروف قديم ومن فلوس أعطوني إياها أخوالي وقررت أشتري فيهم الي ناقص عليا من أواعي تدفيني في الشتاء، ومواصلاتي بالباص الي بروح فيه على الجامعة".