تتوالى التشريعات التي تصدر عن الكنيست الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، التي تضيف مؤشّرات قانونية أخرى، لتؤكد الطابع العنصري لدولة الاحتلال، والتي تؤشر، أيضاً، إلى أبعاد السياسة الإسرائيلية التي تستهدف الوجود الفلسطيني وليس فقط الحقوق السياسية.
القانون الذي أقره الكنيست قبل بضعة أيام، ويتعلق بسحب الجنسية أو الإقامة من المقاومين، والذين يتقاضون مساعدات مادية من السلطة، ويقضي بتدمير منازلهم، يشكل واحداً من الترجمات العملية لقانون القومية العنصري، والذي يؤكد، أيضاً، الآفاق الذي تلتزم بها إسرائيل لمعالجة الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، من المهم ملاحظة أن إقرار هذا القانون يعكس توافقاً واسعاً لا يقتصر على الائتلاف الحكومي وإنما يشمل أحزاباً أخرى محسوبة على ما يسمى "الوسط" و"اليسار" المزعوم.
هذا يعني أن الخلاف بين الائتلاف الحكومي والمعارضة، لا يشمل الإجراءات العنصرية، وإنما يتعلق بما تسمى الديمقراطية، والإجراءات الحكومية التي أخذت تتجاوز كل التحذيرات، سواء من قبل "المعارضة" أو الشارع أو الرئيس الإسرائيلي، حيث أقر الكنيست بالقراءة الأولى مشروع القرار الخاص بالقضاء الذي تقدمت به الحكومة.
الائتلاف الحكومي، يمضي في شرعنة الاستيطان وتوسيعه، وفي اتجاه الانقلاب على القضاء، ونحو تعميق الأبعاد العنصرية للسياسة العامة الإسرائيلية في حاضرها وآفاقها، تتم من خلال تحدّي النداءات الدولية، ونصائح الحلفاء، وأيضاً مواقف "المعارضة" التي يتسع تأثيرها في الشارع اليهودي والاستيطاني.
المجتمع الدولي بدوره، لا يتجه نحو الضغط على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن سياساتها وتشريعاتها، وسلوكها في الميدان، ولا حتى يتجه نحو تحقيق ما أراده بيان مجلس الأمن الدولي، الذي تهرّب من مسؤولياته تجاه وقف الاستيطان غير الشرعي، ووقف الإجراءات الأحادية التي تهدد "رؤية الدولتين".
بيان مجلس الأمن، يشكل تهرباً من المسؤولية عن تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية وأبعادها، ما يعطي فرصة للحكومة الإسرائيلية لمتابعة سياساتها التصعيدية.
الحكومة الإسرائيلية أشارت إلى أنها ستكتفي بتشريع تسع بؤر استيطانية، استجابة لبيان مجلس الأمن، ولكنها ستواصل توسيع الاستيطان بعد أن يتم تجاوز الأحداث المرتقبة خلال شهر رمضان.
الولايات المتحدة على رأس الدول الحليفة لإسرائيل، وصاحبة وراعية المشروع الاستعماري، ليست في وارد القيام بأي عمل من شأنه أن يفتح الآفاق أمام عملية سياسية تقوم على "رؤية الدولتين".
هذا يعني أنه لم يعد واقعياً، انتظار تطورات وتدخل عوامل فاعلة، لبناء سياسة فلسطينية قائمة على المراهنة على إمكانية تحقيق هدف دحر الاحتلال عن الأراضي المحتلة العام 1967، أو على إمكانية إحياء المفاوضات السياسية، لتحقيق عملية سلام، حتى لو كانت محدودة، ودون ما أقرته الشرعية الدولية.
لا ضرورة، لصرف الوقت والجهد في توصيف الواقع الذي يتعلق بالاحتلال وسياساته وإجراءاته، ولا حتى في توصيف الحكومة التي يصفها الإسرائيليون بالعنصرية والفاشية.
الواقع الإسرائيلي أصبح معلوماً بكل تفاصيله وأبعاده ومآلاته، ما يستوجب من الفلسطينيين البحث في تداعيات هذا كله على الصراع، وما يفرضه على الفلسطينيين من مسؤوليات تاريخية.
الفلسطينيون تائهون حتى الآن، وينقسمون فوق انقسامهم، على تعريف المشروع الوطني، وتقييم طبيعة المرحلة ومنقسمون على أشكال النضال.
ثمة حاجة ماسّة لمأسسة التفكير الاستراتيجي والاستعانة بخبراء فلسطينيين وعرب وربما أصدقاء أجانب، للوقوف على الحقائق كما هي، وتقديم الخلاصات، والاقتراحات للقيادات الفلسطينية، التي عليها أن تحول كل ذلك، لميدان ممارسة السياسة.
لا يمكن لأي خبراء، أو حكماء، أن يقدموا استنتاجات صحيحة واقعية وعلمية، إذا كانوا مرتبطين بالمستويات التنفيذية، أو مستويات صنع القرار، ما يستدعي استقلالية مثل هذه المؤسسة.
إن كل ما يجري في المنتديات والمؤتمرات، وورشات العمل، والدراسات التي لا تتجاوز في قيمتها الثرثرات، التي لا تجد من يستقبلها أو يهتم بها من القيادات السياسية، التي دأبت على الثقة، بالخبرات الحزبية، والمستشارين الملحقين بتلك القيادات والفصائل.
من جديد، يصفع الواقع، كل من يحتل موقعاً قيادياً، في مستويات اتخاذ القرار العام، أو الفصائلي، خصوصاً حين يتعلق بالانقسام، والمصالحة واستعادة الوحدة، ولا تنفع كل التصريحات التي تعبر عن مخاطر هذا الانقسام، وتدّعي حرصها على إنهائه.
لقد حان الوقت، بل لقد صرف الفلسطينيون الكثير من الوقت العبثي تحت طائلة انقسام يعترف الكل أنه يخدم السياسة الإسرائيلية، ولا يقدم للفلسطينيين أي فائدة.
ثمة جدوى من النضال على المستوى الدولي، والقاري والإقليمي والعربي، أيضاً، فلقد طردت القمة الإفريقية الوفد الإسرائيلي ومنعته من حضور القمة، بالرغم من سعي البعض لمنح إسرائيل صفة مراقب.
الفلسطينيون بحاجة ماسّة وعاجلة للإجابة عن بعض الأسئلة الحيوية والأساسية.
هل لا تزال هناك فرصة لتحقيق عملية سلام بأفقٍ سياسي، تنتج عنه دولة على الأراضي المحتلة العام 1967؟
هل من العقلانية الاستمرار في المراهنة على المشروع الوطني، الذي انبنت عليه الاستراتيجية الفلسطينية خلال مرحلة "أوسلو"؟
هل بقي شيء من "أوسلو"، يستحق التمسك به وأخذه بعين الاعتبار بعد أن أقفلت إسرائيل صفحته بكتلٍ ضخمة من الإسمنت والحديد؟
هل ثمة إمكانية لتراجع إسرائيل، إلى ما قبل تشكيل الائتلاف الحكومي العنصري الفاشي؟
كيف يمكن وقف شلّال الدماء الذي ينزف بكثافة، وآخره المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في نابلس، أمس، بعد عديد المجازر، وعمليات الإعدام الميداني، وهدم البيوت وتهجير أصحابها؟
كيف يمكن تصحيح الأوضاع العربية التي تشهد على مزيد من "اتفاقيات التطبيع" رغم افتضاح طبيعة الحكومة الإسرائيلية وأهدافها، بينما يتذرّع هؤلاء بالانقسام الفلسطيني؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها على المستويات السياسية الفلسطينية الرسمية والفصائلية، دون تأخير أو إضاعة المزيد من الوقت.