هن المؤنسات الغاليات، الضلع المكسور الذي شدّد الإسلام على الاهتمام بهن ومراعاتهن في شتى مجالات الحياة.
المرأة هي نصف المجتمع والتي يقوم عليها البيت بل المجتمع أيضاً، فهي الأم والأخت والابنة والحبيبة والصديقة والزوجة، لكِن للأسف أصبح بعضهن يتعرض لكثير من أشكال العنف الجسدي واللفظي، بل وصل الحال بهن إلى الإهانة والضرب من قبل أزواجهن، منهن من استحملن تلك الإهانات والوجع من أجل أنّ تستمر الحياة وللحفاظ على الأولاد من الضياع، وبعضهن استحالت الحياة مع شريكهن، فأصبحت المحاكم ومكاتب المحامين الشرعيين هي ملجأهن لكي ينلن حريتهن ويتخلصن من الظلم الواقع عليهن.
تعددت أسباب الطلاق في المجتمع الفلسطيني، لكِن قطاع غزّة له وضعه المختلف عن باقي المجتمعات، حيث الحصار وقلة فرص العمل، بالإضافة لعدة أسباب أسرية، أسهمت جميعها في زيادة معدلات الطلاق.
مراسلة وكالة "خبر" التقت بمجموعة من النساء اللواتي أصبحت حياتهن الزوجية في المحاكم الشرعية بانتظار إنصافهن وأخذ حقوقهن المادية.
"أسماء" وهي فتاة في آخر العقد الثاني من عمرها، كانت تجلس أمام مكتب قاضي المحكمة الشرعية في شمال قطاع غزّة بانتظار دورها للمثول أمام القاضي لتروي له معاناتها مع من اختارته شريكاً لحياتها، ومن أرادته سنداً لكِنه كان عبئاً كسر لها أضلاعها كما وصفت لمراسلة "خبر"، وقالت: "أحببت ابن خالتي كثيراً لمدة 5سنوات وانتظرته ريثما استطاع توفير مستلزمات الزواج ومصاريفه ويتقدم لخطبتي، على الرغم من أنّه تقدم لخطبتي الكثير، ولم أقبل في أيّ شخص غيره وفضلت انتظاره، وبعد خمس سنوات تقدم لخطبتي وتزوجنا، مع العلم أنني كنت أعلم من البداية مميزاته ومساوئه، فهو كان حنوناً ومحترماً، ويتحمل المسؤولية وهذا ما جعلني أتمسك به، لكِنه كان عصبياً وغيوراً، وكان لا يقبل أنّ أُرافق أمي في زيارتها لأقربائنا، مع أنّهم أقربائه أيضاً، وكان يُركز كثيراً على ماذا أرتدي ومع من أتحدث وإن ضحكت أو ارتفع صوتي أثناء الحديث كان يصرخ في وجهي ويوبخني، واعتقدت أنّه سوف يتغير بعد الزواج، وربما يفعل ذلك لأنني لست في بيته، وتزوجنا وكانت أول أشهر من أجمل أيام حياتي، صحيح كنت أتغاضى عن بعض إهاناته لي وأتحمل، حتى انتهى عقد عمله في الوكالة (البطالة)، وبدأت مشاكلنا مع عدم مقدرته على تسديد الديون وعدم مقدرته على الإنفاق عليَّ، مع أنّني كنت دائماً أحاول التخفيف عنه وأسانده بما أستطيع، لكِنه تمادى في إهانتي وذلك على الرغم من أنَّ خالتي كانت تقف إلى جانبي، لأنّه لا يسمع سوى نفسه".
وعن قرار الطلاق قالت:" شاء الله أن أحمل بابني عبد الله ، وحين علم بحملي ضاج وهاج وصرخ بوجهي وشتمني، لأننا قررنا تأجيل فكرة الانجاب لسنوات قادمة بعد أن يتحسن وضعه المادي ، ووضعت (لولب) لمنع الحمل ،مع أن وضعه قبل أن أنجب أي طفل سيسبب لي مشاكل بعد ذلك، وشاء الله أن أحمل بعد أن صمم هو ألا يكون لدينا طفل في البداية وكان دائما يقول ،كيف سننجب طفل أبوه لا يستطيع ان يصرف عليه وعلى أمه ، إرادة الله كانت قوية ، وبدل أن يرضخ للأمر ويحمد الله على النعمة ، ازدادت مشاكلنا وفي كل مرة ينعتني بأبشع الالفاظ ويهينني وكنت صابرة لكي لا أدمر حياتنا وأُشمت بنا الآخرين، بعد قصة الحب الكبيرة ، لكن خلافاتنا أصبحت يومية ،صباحا ومساءا تفق لبعضنا على الكلمة ،عدا عن الأسلوب البشع الذي يعاملني به حتى زاد الخلاف بيننا في يوم وضربني وأنا في بداية حملي ونزفت كثيرا ونقلوني على المستشفى واجهضت طفلي، اجهضت من استحملت المرار لأجله ، لم أُرد أن أُدمر البيت لكن زوجي كان يصر على أن يبدل الحب الذي كنت أُكنه له إلى كره ، وصممتُ على أن أظل في بيت أهلي ، رغم أنه حاول أن يراني فكنت أرفض ، وها أنا الآن في المبنى الذي كتبنا به شهادة زواجنا ، جئت اليوم لأستلم ورقة طلاقي ."
تفاصيل كثيرة وصغيرة ساهمت أيضاً في انفصال أسماء عن زوجها، فكان الوضع الاقتصادي الصعب الذي أصبح يُلاحق زوجها من بين تلك التفاصيل، فتارةً الديون المتراكمة عليه وتارةً أخرى متطلبات الحياة التي لم يستطع أنّ يُلبيها، فبدل أنّ يواجه الحياة مع زوجته أصبحت هي "فشة الخلق" له.
وفي قصةٍ أخرى، تقف "اعتدال" مع والدها تنتظر أخذ ورقة من المحكمة لتُلزم طليقها على الإنفاق على أولاده الأربعة الذين يعيشون معها في منزل جدهم، فتقول اعتدال: "لا أعلم ماذا أقول ولكن قدر الله وما شاء فعل، عشت مع زوجي أجمل أيام حياتي، وكان يعمل في مجال البناء ويكسب من عمله جيداً، لكِن أحواله تبدلت حينما أنجبت ابنتي الرابعة، فكان لا يعود إلا في ساعة متأخرة للمنزل، بحجة أنّه لا يستطيع تحمل الضوضاء التي يقوم بها أولاده وليت الأمر وقف عند ذلك، بل شاهدته كثيراً يتناول حبوباً لم أكن أعلم وقتها أنّها حبوب مُخدرة وكنت كلما أسأله يوبخني ويقول لي إنّه يتناولها لكي ينسى التعب وهم البيت الذي لا يُطاق، ويوماً بعد يوم أصبح يستسهل النوم كثيراً ولا يخرج للعمل حتى خسر كثيراً من زبائنه، بل وصل به الحال لأنّ يستدين لكي لا ينقطع عن الحبوب التي يتناولها، وحينما هددته بأنّني سأخبر أهله وأهلي ضربني حتى أصبح الدم ينزف من فمي وأنفي ورغم ذلك تحملت وصبرت، ولكِنه لم يتعظ ولم يتراجع، بل أصبح يخرج مع مجموعة من الشباب الذين يصغرونه بأكثر من عشرة أعوام، فكانوا أصحاب سوء يوسوسون له ويزينون له الحياة، فتغير زوجي وأصبح يستدين من القريب والغريب ويعطيهم مواعيد وهمية لسداد الدين حتى أيقن الجميع بأنّه غير صادق، وأصبحوا ينعتونه بالنصاب، وقد وضعني في موقف محرج مع أهلي، وحين أخبرته بما يقوله الناس عنه، أهانني وشتمني وضربني، ففضلت أنّ أكون عند أهلي بعض الأيام لأستريح، وحين عدت للمنزل، وجدته قد باع معظم عفش المنزل، وحين سألته عن السبب أخبرني أنّه سيشتري لي أفضل منه، لكِنني لم أسكت وصرخت في وجهه لكي يفوق، وحينما قلت له سأتطلق منك (وكنت أقول له ذلك حتى يتراجع عن أفعاله) وكأنه ينتظرني لأقولها، ورمى يمين الطلاق فوراً وطردني من المنزل وهو يقول لي، وفرت عليكي رسوم المحامي ومصاريف المحكمة، سأرسل لكِ ورقة الطلاق بعد أيام".
وحينما سألناها إذا ما كان زوجها قد التزم بدفع المصاريف لأولاده الذين يعيشون معها أم لا، قالت: "لو التزم لما رأيتني الآن في المحكمة، فمنذ أكثر من سنة لم يصرف على أبنائه ولو شيكل واحد، وقد أرسلنا له رجال الإصلاح والمعارف لكي يُذكروه بأنّ له أولاد سيسأله الله عنهم يوم القيامة، فكان يتذرع بالوضع الاقتصادي وأنّه في حال حصوله على عمل سيلتزم بمصاريفهم".
وتساءلت اعتدال عن ذنب أطفالها لكي يروا ما يرونه من أباهم الذي لم يسأل عنهم منذ أكثر من سنة، وهل فعلاً الظروف الحياتية والبيئية يمكن أنّ تؤثر سلباً على الإنسان وتجعله شخصاً منسلخاً عن قيمه وأخلاقه؟!.
الخبيرة التربوية والنفسية، إحسان عز الدين، أجابت على هذا السؤال، وقالت: "بالطبع فإنَّ عدة عوامل تُساهم في تغيير الإنسان سواء بالسلب أو الإيجاب، وفي حالة اعتدال لعِبَ جو المنزل وعدم شعور زوجها بالراحة فيه، ودخول أصدقاء السوء لحياته بالإضافة لتناوله الحبوب المخدرة، دوراً في تغييره بشكلٍ سلبي مع زوجته وأولاده، وهو في هذه الحالة لا يبحث عن شيء سوى راحته وكيفه وانبساطه، غير آبه بما سيواجهه أطفاله وهم بعيدين عنه وعن المنزل الذي من المفترض أنّ يضمهم مع والدهم ووالدتهم".
ونبّهت الدكتورة عز الدين، في حديثها لمراسلة "خبر"، إلى أنَّ هناك أزمة ثقافة، ومفاهيم دينية مغلوطة عند بعض الناس وخصوصاً الأزواج، حول مفهوم العلاقة الأسرية وأهميتها، من حيث احترام الزوج لزوجته ومعرفة ما له وما عليه.
وأضافت: "على المجتمع المدني ومؤسسات ذات العلاقة أنّ تقوم بعمل ورشات عمل وبرامج توعوية للمقبلين على الزواج، لتعريفهم وتوعيتهم بالأمور والمشاكل التي ستواجههم في بداية حياتهم الزوجية، هذا من جانب ومن جانب آخر على الأسرة مساعدة أبنائهم المتزوجين حديثاً على متطلبات الحياة وإذا لم يكن في مقدورهم ذلك -إذا كانت الأسرة فقيرة- فعلى الأقل لا تزيد من عبء الحياة عليه بإرهاقه بالمصاريف وتأليبه على زوجته الجديدة باعتبار أنّها جاءت لتخطف منهم ابنهم مثلما تظن بعض الأمهات، وكم من قصص واجهناها في استبداد والدة الزوج على زوجة ابنها وتدخلها في أمور حياتها وعلاقتها بزوجها، والكثير من قصص الطلاق وقعت بالفعل وسببها مثل هذه المشاكل".
وأشارت إلى أنَّ بعض الشباب ينقصهم الوازع الديني والتربوي، لأنّه لو كان يعلم أمور دينه كاملة لما أهان زوجته أو قصر في بيته، أو حتى تخلى عن أبنائه، والتخلي هنا يُقصد به تركهم ليعيشوا مع والدتهم مع عدم التزامه بدفع مصروفهم الشهري سواء الذي أقرته المحكمة "النفقة" أو ما أقرته أخلاقه وأبوته.
ونوّهت إلى أنَّ المحاكم الشرعية في قطاع غزّة مليئة بالقصص التي يكون ضحيتها إما الزوجة أو الزوج وتجدهم في كثير من القضايا لم يتجاوز أعمارهم العشرون عاماً، وهذا بحد ذاته كارثة.
وفي تصريحٍ صحفي سابق، كشف رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، حسن الجوجو، أنَّ قطاع غزة شهِد خلال العام الماضي 54 حالة زواج يومياً، مقابل 12 حالة طلاق.
وقال الجوجو: "إنَّ المحاكم الابتدائية أنجزت (19,550) عقد زواج، في حين بلغت حالات الطلاق من نفس الزواج (1,015) معاملة طلاق".
وبيّن أنَّ حالات الطلاق الإجمالية خلال عام 2022 بلغت (4,319) معاملة، لافتاً إلى أنَّ هنالك انخفاض في حالات الزواج بنسبة (6.3%) عن عام 2021، في حين بلغت نسبة الطلاق الاجمالية (20.2%) حيث ارتفعت عن العام السابق بمعدل (0.9%).