دون الإصغاء لنداءات الشارع الفلسطيني أو الفصائل الرافضة لهذه القمة، توجهت القيادة الرسمية الفلسطينية، ممثلةً بوزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ومدير المخابرات ماجد فرج، ومستشار الرئيس مجدي الخالدي، إلى اجتماع العقبة المقرر، اليوم الأحد 26 فبراير، وذلك رغم ارتكاب "إسرائيل" مجزرة جديدة بمدينة نابلس في 22 من فبراير الجاري، وأدت إلى استشهاد عشرة فلسطينيين وإصابة ما يزيد عن مئة فلسطيني؛ رغم التفاهمات الأمنية بين السلطة و"إسرائيل" بواسطة الإدارة الأمريكية.
هدف الاجتماع.. تثبيت التهدئة في رمضان
وقالت الرئاسة الفلسطينية في بيانٍ رسمي، إنَّ الوفد الفلسطيني المشارك في أعمال هذا الاجتماع، سيُعيد التأكيد على التزام دولة فلسطين بقرارات الشرعية الدولية كطريق لإنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" وتجسيد إقامة دولة فلسطين ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967.
وأضافت: "إنَّ الوفد الفلسطيني سيُشدّد على ضرورة وقف جميع الأعمال الأحادية الإسرائيلية والالتزام بالاتفاقيات الموقعة، تمهيداً لخلق أفق سياسي يقوم على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وصولاً إلى حصول الشعب الفلسطيني على حقه بالحرية والاستقلال".
وعبّرت فصائل فلسطينية عن رفضها لمشاركة السلطة في القمة، داعيةً إياها للتراجع عن ذلك، ومؤكدةً على استمرار المقاومة.
وتستضيف الأردن، اليوم الأحد، قمة سياسية - أمنية، بمشاركة رسمية للسلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، لمحاولة التوصل لاتفاق يفضي إلى وقف التوتر الأمني قبيل حلول شهر رمضان.
وستحضر وفود من الولايات المتحدة الامريكية ومصر، في القمة التي ستُعقد في مدينة العقبة الأردنية.
وقال مسؤول أردني في تصريح صحفي: "إنَّ الاجتماع اختراق يُحسب للأردن حيث إنّه البلد الأول الذي استطاع جمع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين سياسيين وأمنيين بحضور إقليمي ودولي".
قمة العقبة.. ضغوط دولية وإقليمية على السلطة
من جهته، رأى الباحث في الشأن السياسي، جهاد حرب، أنَّ "مشاركة السلطة الفلسطينية في اجتماع العقبة، شرٌ لابّد منه، بمعنى أنَّ الضغوط التي مُورست على السلطة الفلسطينية مُنذ زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 31 يناير الماضي، وتزامن معها في 31 يناير أيضاً، زيارة مدراء المخابرات في الأردن ومصر بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، جعلت السلطة، تُوافق على إعادة النظر في مسار قمة العقبة".
وأضاف حرب، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "تأتي موافقة السلطة على الحضور، في إطار تحسين ظروفها وقدراتها في إدارة الحكم، وذلك في الوقت الذي ترغب فيه بتجنب المزيد من تدهور الأوضاع الأمنية والحد من نشاطات الحكومة الإسرائيلية بالضفة الغربية".
واعتقد أنَّ السلطة تتطلع من مشاركتها في اجتماع العقبة إلى "تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، ومن الجهة الأخرى المناورة فيما يتعلق بالشأن الإسرائيلي، خاصةً في ظل إيمان القيادة السياسية الفلسطينية بأنَّ حكومة الاحتلال بطبيعتها وتشكيلتها لا يُمكن أنّ يكون لها علاقة سليمة مع السلطة في المدى المنظور".
وبالحديث عن خسارة السلطة للشارع الفلسطيني بإصرارها على المشاركة رغم معارضته، قال حرب: "إنَّ اجتماع العقبة من حيث المبدأ لن يكون ناجحاً، لأسباب متعددة منها ما يتعلق بإسرائيل وإجراءاتها، وأنَّ الأمور تتفجر في أيّ لحظة باقتحام جيش الاحتلال للمخيمات والمدن الفلسطينية أو المناطق ذات الكثافة السكانية".
وأكمل: "إذا نجحت القمة، ستكون تباعتها على حكومة الاحتلال أكبر في ظل تركيبة الائتلاف الحكومي"، مُعتقداً أنَّ السلطة ليست رابحة ولا خاسرة من الاجتماع؛ لأنّه ليست لديها القدرة على تنفيذ الشروط الإسرائيلية وعلى مواجهة المجموعات المسلحة؛ لأنَّ أغلبية الشعب الفلسطيني مُؤيد للعمل المسلح ضد الاحتلال.
وأكّد على أنَّ مشاركة السلطة محاولة لا تعدو عن كونها مناورة سياسية، كما أنَّ القيادة الفلسطينية تُدرك ذلك، لكِنها لا تستطيع تجنب إمكانية انعقاد الاجتماع في ظل الضغط الإقليمي والدولي عليها.
أما عن إمكانية نجاح مخطط إسرائيل من اجتماع العقبة وهو "التهدئة خلال شهر رمضان" وحال فشله، هل سنذهب لتصعيد كبير في الأراضي الفلسطينية، أوضح أنَّ "الشعب الفلسطيني في مواجهة مفتوحة مُنذ مارس الماضي، كما أنَّ هذه المواجهة تأخذ أشكال متعددة؛ لكِن جميع المؤشرات تقول إنّنا ذاهبون لمواجهة كبيرة؛ خاصةً مع التقاء المناسبات الدينية؛ لأنّه يزيد من التوتر في ظل استفزازات المستوطنين للفلسطينيين".
واستدرك: "نحن نشهد في مدينة القدس المحتلة، مواجهة يومية تنبؤ بتوسع المواجهة نتيجة إجراءات الاحتلال التعسفية، وكذلك جميع الإجراءات التي قام بها الاحتلال في الآونة الأخيرة".
وبالحديث عن استفادة الخصم السياسي وهو حركة حماس من هذه المشاركة، بيّن حرب، أنَّ ذلك مرهون بقدرة السلطة على تبرير ذهابها للقمة وكيفية تعاطيها مع الجمهور وخاصة المُعارضين لها، مُستدركاً: "حماس في حال عدم انخراطها في مواجهة فلن تكسب كثيراً على هذا الصعيد، لأنَّ حماس ليس في واردها الذهاب لمواجهة مع الاحتلال".
اجتماع العقبة سيفشل
الكاتب والمحلل السياسي، أحمد رفيق عوض، اتفق مع سابقه بأنَّ السلطة الفلسطينية، يُمارس عليها ضغوط إقليمية ودولية للمشاركة في اجتماع العقبة من جهة، وأنَّ مشاركتها قد تُعطيها بعض القدرة على ممارسة سلطاتها هنا أو هناك، لأنّها ترى أنَّ العودة للمرجعيات الدولية مُفيداً رغم معارضة الشارع الفلسطيني والفصائل لذلك أيضاً.
وبالحديث عن احتمالية نجاح اجتماع العقبة، قال عوض، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ الاجتماع لن يُكتب لها النجاح؛ لأنّ إسرائيل تُريد من السلطة ومن العرب الضغط على الشعب الفلسطيني ليدفع شعبنا ثمن هذا الهدوء"، مُتسائلاً: "ما الذي يُمكن لإسرائيل أنّ تعطيه؟، فهذه الحكومة فاشية لا تحترم السلطة، وبالتالي لن تعطيه شيئاً".
وأردف: "إسرائيل تُريد ضم مناطق "ج"، وتُبقى على الاقتحامات والقتل والتدمير والمصادرة والاستيطان في الضفة الغربية؛ وبالتالي إسرائيل تذهب للاجتماع من أجل الحصول على تهدئة في الشهرين القادمين، هذا الشهر وشهر رمضان فقط لا أكثر ولا أقل".
وأكمل: "رأينا ما فعلته إسرائيل بنابلس في 22 من فبراير الجاري، قتلت عشرة فلسطينيين وإصابة ما يزيد عن مئة فلسطيني، رغم التفاهمات الأمنية التي تم توصل لها بين السلطة والولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي".
وحذّر من مخطط "إسرائيل" من اجتماع العقبة، الرامي إلى الضغط على السلطة من أجل الذهاب إلى اشتباك مع الشعب الفلسطيني؛ بمعنى آخر "إسرائيل" تريد اختلاف الفلسطينيين مع بعضهم دون أنّ تُقدم أيّ ثمن.
أما عن خسارة السلطة من مشاركتها باجتماع العقبة، رأى عوض، أنّه "لا داعي لتجريب ما تم تجريبه، فهناك جدل حقيقي حول الأساليب الحقيقية لمواجهة المحتل، لافتاً إلى أنَّ استجابة الشارع لنداء عرين الأسود للنزول للشارع يؤكد دعمه للمقاومة".
وختم عوض حديثه، بالقول: "إنّه على السلطة وكل الفصائل الفلسطينية، التنبه إلى أنَّ الشارع الفلسطيني لديه القدرة على تقديم رؤى وأفعال مختلفة؛ لذلك يجب على السلطة أنّ تنتبه جيداً لما يجري في الشارع".