بين زلزالين .. أردوغان وحكم العدالة والتنمية

تنزيل (10).jpg
حجم الخط

بقلم عريب الرنتاوي

 

 

 


يعزو محللون نجاح حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى سدة الحكم في تركيا العام 2002 إلى النتائج الكارثية لزلزال 1999 الذي ضرب تركيا وألحق بها أفدح الأضرار، وعجز الحكومة والائتلاف آنذاك عن التعامل مع ذيول الكارثة وتداعياتها.. هؤلاء المحللون أنفسهم، وغيرهم، يرجحون أن تفضي تداعيات زلزال 2023 الذي ضرب البلاد بقسوة أشد، إلى إغلاق صفحة في تاريخ تركيا الحديث، امتدت لأكثر من عقدين من الزمان.
«الزلزال جاء بهم إلى السلطة، والزلزال سيخرجهم منها»، هكذا يتحدث بعض المحللين الأتراك من خصوم الحزب ومنافسيه، ومن وجهة نظرهم فإن الزلزال تحوّل إلى عامل تغيير أساسي “Game Changer”، في السياسة التركية. دستورياً، آخر موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية هو 18 حزيران 2023، وليس سوى دخول تركيا في حرب مع قوة خارجية، من سبب دستوري يستدعي تأخيرها، أردوغان سبق أن اقترح تقديمها إلى 14 أيار القادم، دون أن يصبح هذا التاريخ موعداً رسمياً لإجرائها بعد.
لكن هذا الوضوح الدستوري القاطع، تقابله رغبات ضبابية عبّر عنها بعض حلفاء الحزب الحاكم، بإرجاء الانتخابات، حتى أن أردوغان نفسه، طالب الأتراك من على أنقاض البيوت المهدمة في كهرمان مرعش، بمنحه عاماً إضافياً لإصلاح ما دمرته أمّنا الطبيعة، وبالطبع، من دون أن يأتي على ذكر الانتخابات، تأجيلاً أو تبكيراً.
على أي حال، تعتقد كثرة من المراقبين، أن الزلزال الذي اهتزت له المنطقة برمتها، سيزلزل مكانة الحزب والرئيس في الانتخابات القادمة، ليس بإضافته أعباء جديدة على الأعباء التي ناء بثقلها الاقتصاد التركي والعملة الوطنية خلال العامين الفائتين، بل لأن كلفة الزلزال جاءت باهظة، وتقدر بأكثر من 84 مليار دولار، وبما يعادل أزيد من 7 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي.
جرت العادة أن يلجأ الرئيس «الكارزمي» وحزبه ذو المرجعية الإسلامية، إلى أدوات و»سرديات» باتت معروفة لكسب الجولات الانتخابية المتعاقبة التي خاضها.. هذه المرة يبدو الحزب والرئيس مجردين منها، فلا سبب لتصعيد الموقف ضد إسرائيل بعد أن استقبل وزير خارجيتها «متضامناً»، إثر قيام أنقرة بتطبيع علاقاتها مع تل أبيب، ولا مجال لتجريد حملة عسكرية ضد أكراد البلاد، الذي يرزح جزء كبير منهم في المناطق المنكوبة تحت الأنقاض.
والعملية العسكرية التي كانت مرسومة لسورية، تأجلت بعد التدخلات الروسية والإيرانية، واليوم باتت أشبه بالمقامرة بعد الزلزال، أما الحملات على الغرب، ومن بينها اليونان وأرمينيا، فقد فرغتها الهزات الارتدادية من مضامينها، بعد أن هرعت دول الاتحاد الأوروبي والعالم، وفي مقدمها الجارتان اللدودتان، لمد يد العون والإغاثة لملايين الضحايا والمتضررين.
الباب مفتوح لاحتمالات شتى، في حال جرت الانتخابات في مهلتها الدستورية، منها: أن يخسر أردوغان معركتي الرئاسة والبرلمان، وتلكم الطامة الكبرى، أو أن يخسر إحداهما، وهو أمر يمكنه «العيش معه» لمرحلة قادمة، أو أن يعود للسلطة مؤيداً بأغلبية برلمانية، وحينها سيعود لممارسة المزيد من الشيء ذاته.
في الحلبة الانتخابية، يتمتع حزب الشعوب الديمقراطية «ذو الغالبية الكردية» بميزة خاصة، بوصفه بيضة القبان التي قد تقرر مصير تركيا لسنوات عديدة قادمة.. أردوغان يعرف ذلك قبل الزلزال، وقبل أن تتأثر بتداعياته مناطق يتمتع بها هذا الحزب المعارض بنفوذ قوي، ولذلك فالحزب وقيادته أمام القضاء، وثمة ما لا يقل عن 15 ألفاً من قادته وكوادره، بمن فيهم زعيم الحزب المنتخب صلاح الدين ديمرطاش في السجون التركية على خلفية اتهامات بدعم منظمة إرهابية.
وإذا ما نجحت المعارضة في خطب ودّ هذا الحزب، وإذا ما أدى الزلزال إلى تأجيل إجراءات التقاضي حول شرعية الحزب أو المطالبة بحلّه، فإن من المعتقد أن المعارضة ستنجح في تضييق الخناق على الحزب والرئيس.
زلزال تركيا لم يضرب البشر والحجر والشجر فحسب، بل سيضرب النظام السياسي التركي كذلك، وبدرجة لا تقل عن 7.8 بمقياس ريختر كذلك.