والسؤال بصيغة أخرى كم عاما نحتاج لقيام الدولة الفلسطينية ؟ هذا السؤال طرحه الأسير المحرر ماهر يونس بعد أربعين عاما قضاها خلف قضبان السجن؟ ويعود بنا السؤال نفسه إلى تاريخ النكبة عام 1948 وهجرة مئات ألآلاف الذين أجبروا على الخروج من منازلهم وأرضهم بقوة الجيش والمليشيات الصهيونية التي لجأت للقوة وهم يحملون مفاتيح منازلهم على امل العودة في اليوم التالي.
نفس المنطق الذي يجمع بين السؤالين.
من كان يمكن أن يتصور ان الاحتلال والهجرة والعيش في الشتات والمخيمات سيطول إلى 75 عاما وما زال ، والمنطق ذاته للأسير الذي لم يكن يتصور انه سيخرج بعد أربعين عاما والأحتلال ممتد على كافة الآراضي الفلسطينية ، والمستوطنات تلتهم الأراضى الفلسطينيىة ،وليخرج ليرى سلطة محدودة على الأرض الفلسطينية لا تتجاوز العشرة في المائة من مساحة فلسطين. منطقية السؤال في عامل الزمن والسنين الطويلة التي لا يمكن لعقل ان يدركها ويستوعبها. وهنا هل هناك أكثرر من 75 عاما للاجىء الفلسطيني الذي مات وترك مفاتيح بيته في يد أبنائه يتوارثونه جيلا بعد جيل، والأسيران ماهر وزميله كريم لا يمكن ان يتخيلا ان يخرجا من السجن ليجدا سجنا أكبر تتحكم في كل حدوده إسرائيل، وتتحكم في كل منفذ وكل حركة لكل فلسطيني.
والتساؤل المنطقي لماذا لمن تتحرر فلسطين وينتهى الاحتلال حتى الأن؟ علما ان الشعب الفلسطيني مستمر في نضاله ومقاومته ويقدم الشهيد تلو الشهيد وألاف الأسرى يقبعون داخل قضبان الاحتلال.
وهذا الرفض الشعبي الدائم دليل قاطع على هذا الاحتلال . ومع كل طفل يولد يتكرر السؤال متى ينتهى الاحتلال الإسرائيلي ؟ ومتى ستقام الدولة الفلسطينية، ويشعر المواطن الفلسطيني كأي مواطن في العالم له حريته وحقوقه وآدميته التى تهان كل يوم على منافذ الاحتلال. وليكن معلوما أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الذي يعيش تحت الاحتلال وقوة الجيش الإسرائيلي الذي ينتهك غرف نومه كل يوم.وقد يطول هذا الاحتلال وقد يقصر وهذا يتوقف على جعل الاحتلال له ثمنا كبيرا من ناحية ، ومن ناحية ثانية بالمقاومة الشاملة التي تستندعلى الشرعية الدولية بقراراتها العديدة التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه.
والمفارقة أن هذا الاحتلال وهو الأغرب في تاريخ كل أشكال الاحتلال التي عرفتها الشعوب أن إسرائيل ورغم قيامها بالقوة والحرب وحماية الفيتو الأمريكي لا تعترف أنها سلطة إحتلال، وتستمر في إنتهاك كل قرارات الشرعية الدولية بل وتستخف بالأمم المتحدة التي أنشأتها، ووصل ألأمر بنتنياهو ان يصف قرار الجمعية العامة للأمم للذهاب لإستشارة محكمة العدل الدولية عن ماهية الاحتلال بالقرار الحقير. وتستمر في ألإستيطان والتهويد وغلق كل ملفات القضية. بل وأبعد ما ذهب إليه نتنياهو ان يمنح الفلسطينين حكما ذاتيا موسعا بعد قيام السلام العربي. انهاء هذا الإحتلال تقع مسؤوليته على العديد من ألأطراف الإقليمية والدولية، لكن المسؤولية ألاولى فلسطينية وهذا هو قانون تحرر الشعوب. فالجزائر تحررت بعد ان قدمت أكثر من مائة الف شهيد وأكثر من مائة عام من الاحتلال الفرنسي، والنماذج كثيرة في العالم. ويتطلب إنتهاء الاحتلال فلسطينيا مقومات كثيرة أهمها أولا ان الشعب الفلسطيني باق على أرضه ولا تستطيع إسرائيل ان تكرر نموذج التهجير القسري كما يتم الإشارة إليه اليوم وهذه نقطة البداية الحفاظ على صمود هذا الشعب ووحدانيته وهويته.
وثانيا ببناء نظام سياسي توافقي فاعل وقادر ويضم كل القوى الفلسطينية وله شرعيته السياسية بالإنتخابات، وثالثا بصيغة رؤية للمقاومة الشاملة واساسها المقاومة السلمية المدنية وعدم منح الحكومة الإسرائيلية مبررات العنف. وعلى المستوى الدولي تفعيل كل قرارات الشرعية الدولية ودور المنظمات الدولية ومحاكمة إسرائيل على جرائمها ومحاولة نزع ثوب الديموقراطية وألاخلاقية الذي تتغطى به إسرائيل. وتفعيل دور الجاليات العربية والإسلامية والمدنية في أوروبا وأمريكا وخلق قوى ضغط على صانعي القرار فيها.
وعربيا بإستعدة دور المكون العربي على كافة مستوياته، فلا يعني السلام مع إسرائيل التنصل من المسؤولية العربية فالقضية الفلسطينية قضية شعوب عربيه وقضية أمن عربي . هذه الرؤية أساسها الرؤية الشاملة وطرح المقاربات القابلة للتنفيذ ، واهمها مقاربة الحقوق وإنتزاعها بالقوة ، ولا ننسى دور القوى في داخل إسرائيل ذاتها العربية واليسار . بهذه المقاربة نضع إسرائيل امام مقاربة حل الدولتين أو الدولة الواحده.
بهذه المقاربة يمكن ان نرى طريق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ، والتأكيد على ان هناك إحتلالا إسرائيليا لشعب تحت الاحتلال , هذا ما يقلق إسرائيل .إنهاء الإحتلال يبدأ من قلب إسرائيل ذاتها بجعل الاحتلال ثمنا عاليا . وهذا الثمن أساسه نزع مقومات الديموقراطية وكشف النزعة العنصرية والتمييزية التي تمارسها إسرائيل. وطريق إنهاء الاحتلال قد يطول وقد يقصر وهذا يتوقف على تفعيل المتغير الفلسطيني وبإستعادة هيبة ومكانة القضية الفلسطينية كقضية عدالة دولية وأمن وإستقرار إقليمي ودولي والخطوة الأولى بإنهاء الإنقسام.