تكاد لا تمر أيام إلا ونسمع عن الانتهاء أو عن البدء في مشروع أو في برنامج أو في خطة، سواء في مجال التنمية أو الاقتصاد أو المرأة أو البيئة والمياه أو مكافحة الفساد أو بناء القدرات وما إلى ذلك، ونقرأ ونشاهد الاحتفالات والكلمات والتغطية الإعلامية، ويحضر المسؤولون والمانحون والمشاركون وغيرهم، ولكن وفي كثير من الأحيان، وبغض النظر عن طبيعة المشروع أو البرنامج، او مدته الزمنية، او تكاليفه، ينتهي وكأنه لم يكن، أي يتبخر مع تبخر الميزانية المرصودة له، ويختفي الأثر مع انتهاء صرف آخر فلس من ميزانيته، وبالتالي يكون ذلك خسارة، ومع كثرة المنظمات والجهات المانحة، وتنوع المشاريع للتنمية أو للتوعية أو لغير ذلك، يكون الاستثمار في هذه المشاريع، وما يتطلب من ورشات عمل ومؤتمرات وخبراء ومستشارين دوليين، يكون خسارة كبيرة، لأن هذه الأموال يتم تسجيلها تحت بند مساعدة او دعم او تنمية الإنسان او المجتمع الفلسطيني.
ولهذه الأسباب ولأسباب أُخرى، بات العديد من الجهات المانحة او الداعمة او الراعية يشترط على المنظمات المنفذة للمشاريع، سواء أكانت محلية او دولية أو أممية اي تتبع للأمم المتحدة، وهي كثيرة في بلادنا، بأن تعمل على تصميم برنامج للمتابعة والتقييم منذ البداية، وبأن تكون هناك أهداف ووسائل او مؤشرات لقياس مدى تحقيق هذه الأهداف، وبأن تكون هناك طاقم لذلك، وبأن تكون هناك تقارير دورية، كمية ونوعية، من اجل قياس الإنجازات ومقارنتها مع الأاهداف خلال فترة زمنية محددة.
وسواء أكان ذلك في الخطط الاستراتيجية، او في برامج تطويرية، أو من خلال حملات المساعدات الإنسانية والإغاثة، أو حتى في حملات الدعم والمناصرة والضغط وحشد التأييد، أضحت عملية المتابعة والتقييم والمساءلة والتعلم، وما يمكن أن يترتب عليهما، من تأكيد أو غير تأكيد للنتائج والإنجازات، جزءاً أساسياً في أية خطة استراتيجية أو برنامج أو مشروع أو حملات دعم ومناصرة، وحتى من المتطلبات الأساسية للحصول على التمويل والدعم من الكثير من الدول والهيئات؟
ومتابعة سير تقدم المشروع، تعني متابعة ما يتم إنجازه على ارض الواقع، مقارنة مع ما من المفترض تحقيقه خلال مدة زمنية محددة، وبالتالي تحديد إذا كان هناك عقبات او مشاكل وما سبل حلها، وإعلام إدارة الجهات المنفذة والمانحة بذلك، وبناء عليه يتم نقاش إمكانية تغيير أسلوب أو اتجاهات العمل، أو إعادة دراسة افضل وسائل لاستخدام المصادر، ولبعض الجهات المانحة، في العادة تكون تقارير عمليات المتابعة ومدى نجاعتها، شرطاً من اجل الالتزام بتوفير او صرف المصادر المادية وغيرها للفترة التالية.
وللتأكد ان هناك عملا يتم تحقيقه على الأرض، فإن ذلك يتطلب التواجد في موقع النشاط للجهات المنفذة، سواء أكان ذلك ورشة عمل أو تدريباً، والتأكد من وجود أدوات ومواد التدريب، والمدربين، والحضور عددهم ونوعيتهم، وكذلك ما يتم صرفه من مواصلات وطعام وقرطاسية وما إلى ذلك، والمتابعة تتطلب كذلك الذهاب إلى الحقل او إلى موقع العمل، وملاحظة ما يتم تطبيقه من خلال المشروع، والاهم هو ملاحظة جودة المعلومات من حيث دقتها، وتوقيتها، وما ينقصها، والمتابعة تعني التواصل مع الجهات المنفذة من خلال تبيان الخلل أو النواقص ومقترحات التطوير أو التصحيح، والمتابعة تعني كذلك وضع ما يتم متابعته وجمعة والحصول عليه في شكل تقرير دوري يقدم للجهات المانحة او الراعية للمشروع.
وتقييم المشروع، هو عملية أعمق واشمل واكثر تحليلا، تهدف إلى تحديد إذا ما كان هناك أثر او آثار لما يتم القيام به، وبالأخص في المدى المتوسط والبعيد، والتقييم للمشروع يتم في العادة في منتصف المشروع او بعد الانتهاء منه، ومثلا اذا كانت مدة المشروع خمس سنوات، من المفترض خمس سنوات، وفي العادة يتم التقييم من خلال مقابلات مع أفراد او جماعات او من خلال استمارات او زيارات للموقع، وبالطبع من خلال مراجعة التقارير الدورية والبيانات والمعلومات التي تراكمت خلال مدة المشروع، وفي العادة يتم التركيز من خلال التقييم على عناصر أساسية من اجل الإعلان عن نجاح أو عن درجة نجاح المشروع، مثل الاستدامة، أي يمكن للمشروع المنجز أن يتواصل وبدون الحاجة إلى تدخل أو دعم خارجي إضافي متواصل، والاستدامة تعني أن العمل يستطيع أن يتواصل بالاعتماد على المصادر التي يتم جنايتها نتيجة المشروع، ويتواصل تأثيره بدون فترة زمنية محددة؟
ومع تنوع واستمرار المشاريع والبرامج وبأنواعها المختلفة في بلادنا، سواء التي بدأت او التي سوف تبدأ، والتي في أحيان يكون بعضها مكرراً من نفس الجهة المانحة او الراعية، أو يتم تنفيذه من جهات عدة وتحت أسماء مختلفة، وبدعم من جهات مختلفة، فإن عملية أو فلسفة المتابعة والمساءلة والتعلم والتقييم، بما تشمله من توثيق للنتائج، باتت عنصراً حيوياً من عملية تنفيذ المشروع أو البرنامج، سواء أكان هذا المشروع يتم تنفيذه من قبل المنظمات والمؤسسات الأهلية الفلسطينية، أو من قبل جمعيات المجتمع المدني، أو من قبل القطاع العام، أي الحكومة وما يتبعها من هيئات مختلفة.