في «شرم الشيخ»، نحن نخسر، وهم يربحون

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم

 

 

أظنّ أن غالبية شعبية فلسطينية لم تتفهّم "لقاء العقبة"، حتى تتفهّم هذا اللقاء في "شرم الشيخ".
وحتى أنّ من تفهّم بعض الاعتبارات "الدبلوماسية"، والتي هي ضغوط تمارس على القيادة الفلسطينية في "لقاء العقبة" السابق، لم يعد قادراً على تفهّم "لقاء شرم الشيخ" في ضوء النتائج المأساوية التي "نتجت" عن اللقاء السابق.
مأساوية هذه النتائج تجلّت باستمرار الاقتحامات والاغتيالات، وبالإعلانات عن أن الاستيطان مستمرّ بكل قوة واندفاع، بل وإقرار القوانين التي تلزم حكومة بنيامين نتنياهو بالتعمُّق والتوسّع أكثر في هذا الاستيطان.
لم تتراجع هذه الحكومة قيد أُنملة عن أيّ بندٍ من البنود التي "أُعلن" عن "الالتزام" بها، وأدارت هذه الحكومة ظهرها للإعلان السابق وكأنه لم يكن أصلاً.
ليس هذا فقط، وإنّما تمت إعادة تعويم ما قيل عن نوايا أميركية بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وعن القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وعن إعادة الدعم للسلطة الوطنية الفلسطينية، ولم يحصل أي تقدم في أي من المجالات التي روجت لها بعض الأوساط الفلسطينية التي تحمّست لهذه اللقاءات، ورأت فيها "مكاسب" لا غير على الإطلاق!
واضح أن القيادة الفلسطينية ليست بصدد الاستجابة للمطالب الفصائلية بالمقاطعة، ولا تلك الشعبية، وأنها ما زالت ترى في الاعتبارات "الدبلوماسية"، والتي هي ضغوط مكثّفة "فرصةً" لن تضرّ إذا لم تنفع!
أي أن القيادة لا تربط في الواقع بين هذه اللقاءات وبين حجم الاستفادة والربح الذي تحققه إسرائيل، ومن قبلها أو بعدها الولايات المتحدة الأميركية، وهي بالتالي لا ترى مدى الخسارة التي تُلحقها هذه اللقاءات بالحالة الوطنية، كما هي في الواقع، ولا ترى حجم الخطر الذي تلحقه هذه اللقاءات بالسلطة الوطنية نفسها في ضوء الوضع الشعبي الهشّ الذي عادةً ما يكون مؤيّداً للسلطة.
والأكثر فداحة من زاوية الخسارة الفلسطينية من لقاءات كهذه هو أن القيادة لا ترى أو لا تريد أن ترى على ما يبدو، أن ثمة علاقة عضوية، كبيرة وخطيرة بين المشاركة الفلسطينية فيها وبين الأزمة الخانقة التي تعيشها حكومة نتنياهو، بل التي تعيشها دولة الاحتلال، والمشروع الصهيوني كلّه.
وكيف أن هذه الحكومة التي تترنّح تعيش أكبر عزلة دولية تعيشها أي حكومة إسرائيلية منذ قيام دولة الاحتلال والعنصرية وحتى الآن، وأن هذه اللقاءات تساهم إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبصرف النظر عن "نوايانا ومبرّراتنا" في فكفكة العزلة والحصار عنها، وفي توفير "الغطاء" لها.
والقيادة لا ترى، ولا تريد أن ترى أن الولايات المتحدة الأميركية والتي يجوز أن تنفرد، وأن تستفرد بخيوط "الحل" سابقاً، فإن هذا التفرّد، وهذا الاستفراد لم يعد مقبولاً، ولا جائزاً الآن، ليس فقط لأنها ــ أي الولايات المتحدة ــ لم تقف ولا لمرّة واحدة إلّا وراء المشروع الصهيوني، وخلف كل سياساتها، ورفضت على مدار العقود السابقة الأخيرة كلها أن تمارس ولا لمرّة واحدة أيّ ضغط في مواجهة هذه السياسات، فلم يعد جائزاً ولا مقبولاً أبداً أن تتم مكافأة الولايات المتحدة وهي لم تعد مطلقاً صاحبة "الحل والعقد" لا في الشرق الأوسط، ولا في أي مكان في هذا العالم باستثناء سطوتها وعربدتها العسكرية العدوانية.
لم تعد أميركا هي الآمر الناهي، وليس من مصلحتنا مطلقاً أن تكون هي كذلك، ومن مصلحة إسرائيل الصميمية فقط أن تكون هي الآمر الناهي، وأن تكون "لقاءات العقبة"، أو "شرم الشيخ" إطاراً دولياً وإقليمياً جامعاً وشاملاً، وأن نحول هذه الصيغة إلى شكلٍ  يمكنه فعلاً أن يمارس ضغطاً ممكناً على إسرائيل.. فإذا بنا نتخلّى عن فرصة كهذه، ونقبل بتفرّد واستفراد الولايات المتحدة بنا، وهو ما يعني وبصورة مباشرة الاستفراد الإسرائيلي بنا، والتحكُّم السياسي بمعادلة الصراع، لكي تضاف إلى تحكُّم الاحتلال بنا وهجمته على شعبنا، قتلاً واغتيالات واقتحامات واعتقالات.
بل وأكثر من ذلك وأبعد منه، أيضاً، فإن وقوف الأردن ومصر معنا في محاولة وقف هذه الهجمات هو الصورة المقلوبة للواقع، لأن إسرائيل لا تضمر للدولتين الشقيقتين سوى العداء والابتزاز، والولايات المتحدة تضغط عليهما بقدر ما تضغط علينا، لكي يُصار إلى تكريس الهيمنة الإسرائيلية بدلاً من التصدّي لهذه الهيمنة.
أي أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان في الواقع بحكم العلاقة القوية التي تربطنا بهاتين الدولتين الشقيقتين إلى الضغط عليهما لقبولنا بمثل هذه اللقاءات والمشاركة بها.
فأين هي مصلحتنا في هذا كله؟ بل أين هي مصلحة مصر والأردن؟ أليس الأمر وما فيه هو عملية ضغط وابتزاز أميركي لنا كلّنا؟
وإذا كانت القيادة الفلسطينية على قناعة خاصة بأن حضورها ضروري في كل حال، وأن المسألة تتعلق باجتهادها الخاص هنا، فإن من باب أَوْلَى أن يكون هناك الاجتهاد المقابل الذي يرفض هذا الموقف، ويعارضه ويعترض عليه.
إلى هنا، وعند هذه النقطة الأمر ما زال في دائرة الاختلاف والخلاف والاجتهاد والاجتهاد المضاد.
الشيء الغريب العجيب أن حركة "حماس" ومن يلفّ لفّها ليس لديها سوى لغة الفتنة، ولا تمتلك سوى مفردات التخوين والتكفير، وتتحدّث عن "أخطار التنسيق الأمني" وكأنها خارج معادلة هذا التنسيق؟!
الهجمات الإعلامية المركّزة الأخيرة من قبل "حماس" ليست بريئة كما يعتقد بعض هُواة السياسة لدينا، ولا هي تتعلّق أصلاً بمشاركة السلطة في "اجتماعات شرم الشيخ"، وقبلها "العقبة"، ولا يتعلّق الأمر برُمّته، ولا يمتّ بأي صلة بما تتحدث عنه "حماس" حول "المقاومة" ومشروع هذه "المقاومة".
"حماس" تعرف أن لديها من "التنسيق الأمني" مع إسرائيل ما هو أكبر وأخطر من أي تنسيق، وهو القبول بالهدوء التام، وإبقاء قطاع غزة خارج معادلة الصراع القائمة والمحتدمة في الضفة الغربية، والثمن مُعلن على رؤوس الأشهاد، والفواتير تُسدّد تباعاً على شكل أموال تُمرّر بالمواعيد، وتصاريح عمل، وبضائع تتدفق بصورةٍ طبيعية، وشريطة ضبط الأمور في القطاع لكي تستفرد إسرائيل بالضفة، وتمارس كل الضغوط على القيادة الرسمية، ومقايضة وجودها أو وسائل عيشها بقبول الإملاءات الإسرائيلية عليها.
هذا الزخم الإعلامي لـ "حماس" ليس سوى القنابل الدخانية للتغطية على "تنسيق أمني" مع إسرائيل لا يقلّ خطورة عن "التنسيق الأمني" كما كان عليه قبل عدة شهور، وهو أكبر وأخطر بكثير من "التنسيق الأمني" القائم اليوم في الضفة.
حالة المقاومة الشعبية في الضفة تقودها حركة "فتح"، و"حماس" عملياً خارجها، وحالة المقاومة المسلّحة في الضفة ليست معزولة عن "فتح"، بل إن معظم المجموعات الكفاحية وقواعدها هي ضمن الأطر "الفتحاوية"، ومن أطر حركة "الجهاد الإسلامي" بغالبيتها الساحقة، ومشاركة "حماس" بها ليست قيادية ولا ريادية، فلماذا لغة التخوين؟
وإذا كانت "حماس" تدّعي أن هناك ما تفرّق به بين قواعد "فتح" وبين سياسة السلطة، فلماذا لا يحقّ لـ "فتح" أن تفرّق هي، أيضاً، بين بعض مشاركات "حماس" الكفاحية في الضفة وبين "السلطة" التي تتحكّم بها "حماس" في القطاع، طالما أن "التنسيق الأمني" مع الاحتلال قائم وواقع على الأرض في الحالتين؟ بل وطالما أن "التنسيق الأمني" مع الاحتلال من خلال "التفاهمات" هو أشدّ خطراً على المشروع الوطني، وعلى مبدأ "المقاومة" كلّه في غزة؟
إلى متى ستستمر هذه المهزلة، وهذا التزييف وهذا الخداع؟!