أصل الحكاية هنا... وليس في أي مكان آخر

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم:نبيل عمرو

 

 

الى أي مكان تدعى السلطة، وتحت أي عنوان، لا تملك الا ان تلبي الدعوة، رغم انها والمعني هنا دائرة القرار، تدرك بالتجربة انها خاسرة في الذهاب وخاسرة أكثر في الإياب.
خسارة الذهاب تتجسد في حجم المعارضات الشعبية والفصائلية ، وخسارة الإياب تجسدها العودة من أي فعالية صفر اليدين، ما يعمق الهوة بينها وبين الناس، المفترض انها تمثلهم وتتحدث باسمهم.
نُقل عن المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة، انه ابتدع شعارا سياسيا براغماتيا يقول" خذ وطالب" وبفعل نهجه البراغماتي، احرز استقلال تونس بأقل قدر من الخسائر البشرية وظل زعيما محبوبا من قبل التونسيين الى ان اقعده كبر السن وتوفي مشيعا بقلوب محبيه.
عندنا هنا انقلب الشعار في المبنى والمعنى، وصار "طالب ولا تأخذ" ولكثرة ما طالبنا ولا انعدام ما اخذنا.. صارت المطالبات بديلا عن الإنجازات، واضحى التباهي بها هو الورقة التي تستر العجز.
ادبيات طبقتنا السياسية على مختلف انتماءاتها تركزت على المطالبات دون تدقيق في الجدوى، فالسلطة تطالب الإدارة الامريكية بالضغط على إسرائيل، والمعارضة تطالب السلطة بالتحول من خنادق المفاوضات الى خنادق القتال، والناس الذين يسمون بالعاديين يطالبون بتحسين إدارة شؤون حياتهم، ولا احد مما يطالبون ينال شيئا مما يطلب، بل ولا أحد يتقدم ولو خطوة متواضعة نحو تحقيق مطالبه.
حين نذهب الى فعالية كالعقبة وشرم الشيخ مثلا، فالخصم لا يصغي لمطالباتنا حتى لو كانت مدعومة من الاخرين، لأنه يتخذ قراراته وفق اجنداته المضمرة والمعلنة، ووفق رؤيته لاوضاعنا الداخلية التي وان كان هو العامل الأساسي في صنع كوارثها، فهو الطرف الأساسي بل الوحيد المستفيد منها، والمعتمد عليها الى جانب ما لديه من قوة.
انصرافنا المبالغ فيه لصراعنا الداخلي، أدى الى قلب المعادلة المنطقية التي تقول.. التناقض الأساسي ينبغي ان يتقدم في التحليل والمعالجة على التناقض الثانوي، ولو دققنا فيما يجري عندنا فسنجد ان الجهد المبذول في الصراع الداخلي اضعاف اضعاف ما يبذل في الصراع الأساسي.
ما الذي انتجه كل ما تقدم؟
استطلاعات الرأي المهنية والمستقلة، أفادت بما لا يجوز التكتم عليه او تجاهله او انكاره، ودون الغرق في لجة الأرقام الكارثية التي أفادت بها، فكل شيء في بلادنا ليس على ما يرام وكل ما كان واعدا صار عبئا ثقيلا ، فهل انتبه المعنيون اكثر من غيرهم الى مغزى تفضيل الفلسطينيين وبنسبة عالية جدا ، حل السلطة على بقائها، ألم تكن واعدة بنقلة تاريخية الى الدولة المستقلة.. هل انتبه المعنيون بالامر الى مغزى هذا الرأي الشعبي؟ ربما يكونوا عرفوا به، ولكن ما الذي تم فعله لتدارك ما ينذر بانهيارات اكبر واخطر.
لن يتوقف الامريكيون عن دعوتنا الى فعاليات مماثلة للعقبة وشرم الشيخ، ولن يتوقف الإسرائيليون عن نهجهم الاحتلالي والاستيطاني والقمعي، وها هو احد اهم وزراء حكومة نتنياهو لم يتوقف عند الدعوة الى إبادة حوارة ، بل ذهب الى فرنسا داعيا الى إبادة الشعب الفلسطيني من الوجود وإلغاء الأرض الفلسطينية وحتى الأردنية، ضمن التطلع الدائم لتطبيق نظرية التوسع والضم.
هل بعد كل هذا يصلح النهج المعتمد عندنا؟ ان كل ما يحدث في المؤتمرات والوساطات والمطالبات، لا يوفر حلا بل يفاقم الازمة ، ويحشر الشعب الفلسطيني وحقوقه وآماله المشروعة في زاوية ضيقة ، واذا ما سأل سائل ما العمل؟
فجوابي ان نبدأ بما هو أهم وأجدى، وهو ترتيب بيتنا الفلسطيني لإعادة الأمانة الى أهلها، أي الشعب الفلسطيني، كي ننتج نظاما سياسيا متجدد الشرعية، ومنه ينبثق القرار.
المتشبثون بما هم عليه سيشهرون في وجه هذا الامر، بطاقة حمراء مكتوباً عليها "الظرف لا يسمح" اذاً.. وما دام الظرف لا يسمح الا فيما نحن فيه، فلتستعد السلطة لتلبية دعوة جديدة والى اخفاق جديد وتراجع أفدح.