تآكل ممكنات القوة في إسرائيل

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

 

أصدر مركز الأمن القومي الإسرائيلي عدداً من الأوراق خلال الأيام الماضية تناولت مضامينها بأوجه مختلفة حول الأضرار المصيرية التي ستلحق بإسرائيل بإقرار الثورة القضائية، يضم المركز نخبة من المفكرين وأساتذة الجامعات والجنرالات السابقين، ويصنف بأنه واحد من عقول إسرائيل الثقيلة التي تفكر لها وتحظى أوراقه باهتمام كبير لدى المتابعين ومراكز الدراسات العربية والعالمية.
ثلاث أوراق يمكن الوقوف أمامها لقياس وقراءة ما يحدث في الدولة التي بات يسيطر عليها اليمين الديني، وحجم التهديد الذي تقف أمامه الدولة مستنداً إلى عدد من الشواهد المباشرة وغير المباشرة، كأن يتوقف محللاً المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد شهرين على آخر مكالمة بينهما، دون أن يحظى نتنياهو بدعوة للبيت الأبيض، ما يعني الكثير في إطار التحذير من خطر على العلاقات الأميركية الإسرائيلية، مستنتجاً أن العلاقات بين الدولتين لن تبقى قوية إلى الأبد، ومعززاً ذلك بأرقام انزياحات بين مؤيدي الفلسطينيين في أوساط مؤيدي الحزب الديمقراطي وخصوصاً الأجيال الشابة.
وتناولت ورقة أخرى خطر الثورة القضائية على المنظومة الأمنية والجيش وقوة إسرائيل التي ستتآكل أمام الأخطار التي تتهددها من حيث رفض الخدمة، والتي تتوسع مع تزايد إصرار الائتلاف على السير قدماً نحو إقرار الخطط رغم تحذيرات قادة الأمن السابقين التي كان أبرزها تحذير رئيس «الشاباك» السابق نداف أرغمان من تفكك الأجهزة الأمنية حين يتم إقرار المشاريع وتقف إسرائيل على مشارف الدكتاتورية كما قال، ليربط المعهد ما بين الإصلاحات وبين هذا الضعف معتبراً أن خطر التعديلات تصل حد التهديد الوجودي، إلى جانب خطر تراجع العلاقة مع الولايات المتحدة اللتين وفقاً للورقة يشكلان الضمانة الأولى للمناعة القومية ولأمن إسرائيل.
تناولت أحدث ورقة للمركز تأثير السياسة الإسرائيلية والخطوات القضائية على انكماش التطبيع الذي بدأ في المنطقة بين إسرائيل ودول عربية، وكان في طريقه ليتسع ويشمل دولاً أكبر كالسعودية، لكنه الآن يمس بالدول التي قامت بالتطبيع ويدفعها للخجل من العلاقة مع هذه الدولة التي يقودها مجموعة من المهووسين، وكيف تحولت دولة مثل الإمارات من الأكثر اندفاعاً للتطبيع إلى الدولة التي تقف في وجه إسرائيل في مجلس الأمن وتحمل مشاريع التنديد بها، واعتذرت عن استقبال نتنياهو حين اقتحم بن غفير الأقصى، والآن ها هي تفرمل مشاريع التطبيع وترسل مبعوثاً للرئيس الإسرائيلي يحذر من سياسات الحكومة.
لن تتوقف حكومة نتنياهو- سموتريتش - بن غفير عن صناعة الأعداء، وهي تلاحق الزمن في الكنيست لإقرار مشاريع استفزازية تطلق نيرانها في كل الاتجاهات ضد الفلسطينيين وضد العرب وضد العالم. وحين لا تقر مشاريع تأتي التصريحات لتزيد من كشف هذه الحكومة وكشف النظام الذي تأسست عليه إسرائيل، وكشف النوايا الحقيقية لنظام سياسي يذهب بعيداً في الطلاق مع الجميع، بدءاً من نصف المجتمع الإسرائيلي الذي يبدو كمن لسعته أفعى وهو يدور في الشوارع كل سبت، مروراً بالعرب كما تصريح سموتريتش الذي مسح دولة مثل الأردن وضمها لإسرائيل بتصريح يعبر عن حقيقة فكر ليس عابراً لدى تيار مركزي في إسرائيل آخذ بالتنامي.
لم تنتفض الجامعة العربية أمام خطورة التصريح ولم تذهب الدول العربية بموقف يتلاءم مع عنف اللحظة، بل اكتفت بالرفض والإدانة في وقت كان لديها مساحة أكبر للعمل، وهو ما أثار العديد من المراقبين عن قدرة الدول العربية على استثمار إمكانياتها للفعل السياسي لأن البيان لن يردع إسرائيل رغم خطورة تصريح الوزير الإسرائيلي.
بعد ما قاله سموتريتش في باريس قامت الكنيست   بتشريع قانون إلغاء فك الارتباط الذي أخلت خلاله مستوطنات في شمال الضفة لتعيد تعريف سياستها للعرب وللعالم كدولة احتلال وضم لتؤكد بشكل عملي تصريحات الوزير في العاصمة الفرنسية وللمفارقة. وكان الموقف الأميركي أكثر حدة باستدعاء السفير الإسرائيلي مايكل هرتسوغ لوزارة الخارجية للاحتجاج على التشريع وعلى سموتريتش، وهو يضاف لما يحذر منه مركز دراسات الأمن القومي من نذر التغير في العلاقات مع واشنطن.
حكومة سموتريتش-  نتنياهو - بن غفير لم يحلم بها أشد أعداء إسرائيل، حيث تقوم بكل ما هو ممكن لإضعاف إسرائيل على كل المستويات داخلياً وخارجياً اقتصادياً وأمنياً، وتحدث صدعاً ثقافياً بين مجموعتين سكانيتين لا تشتركان بقيم مشتركة، وهو صدع ليس عابراً في سياق تطور الدولة محملاً على تطور ديمغرافي تتكامل فيه كل العناصر التي تكفي للحكم على مستقبلها. وبات يكفي قراءة ما يكتب في إسرائيل سواء مراكز دراساتها وكتاب أعمدتها وما ينقل على لسان قادة الأمن لتقييم واقعها وتحليل المستقبل كلها تشير لتآكل ممكنات القوة التي تتكئ عليها... قد تتمكن الدولة بأعجوبة من تأجيل الأزمة أو من ترقيعها، ولكن نشأ صدع بين مجموعتين كل منها تخشى الأخرى وتحاول سحقها. هذا هو الأهم وهذا لن تتمكن أي حلول من علاجه بل يفتح على أفق مختلف ليس وردياً بالتأكيد.