ما أن اعتقد "فريق نتنياهو" انهم تمكنوا من امتصاص ذروة الغضب العام في حراك "الناس تريد اسقاط الحكومة"، بمناورة غير مكتملة الأركان، تحت شعار "تعليق" مشاريع "التعديلات القضائية"، حتى جاءت "ضربة خاطفة" من الرئيس الأمريكي بايدن، عندما اعتبر أن ما يحدث يمثل "خطرا على إسرائيل"، عبارة ربما تستخدم للمرة الأولى لوصف حكومة "يهودية"، خالية من "العرب" على دولة الكيان.
عندما وصف الرئيس الأمريكي السابق ترامب نتنياهو بـ "عدم الولاء" بعدما خسر الانتخابات لصالح بايدن، فيما ذهب وزير خارجيته مايك بومبيو باعتباره "كاذب" بعد تسريب معلومة "التحالف الدفاعي" بين الكيان وأمريكا، أوصاف قيلت من سابقين، لكن "الخاطفة" التي وجهها بايدن من رئيس في الحكم، لم يقف عند حدود وصف المشهد، بل ذهب لوضع "شروط" لا بد منها لزوال ذلك "التهديد"، وممرا إجباريا لدخول نتنياهو الى البيت الأبيض، بعدما تم رسميا إغلاق بابه في ظل المشهد القائم.
وجاء تسريب الأمريكان رسالة خاصة من بايدن الى نتنياهو، لتكمل واشطن "رسائل الاحتقار السياسي" لرئيس الحكومة الإسرائيلية، مع تكذيب فوري لادعاء بيبي حول شروط التأشيرة، ما أكد أن "الغضب الأمريكي" ليس عابرا ابدا، بل محاولة صريحة في إثبات أن رئيس حكومة الكيان لن يكون "صديقا مقربا" للبيت الأبيض.
وسريعا تفاعلت ردود فعل على "رسالة بايدن" التوبيخية – الشرطية لما سيكون، بعضها يعمق أكثر فأكثر ما بدأ "أزمة موضوعية" بينهما، وخاصة في ظل التشكيل الحكومي بقيادة نتنياهو، الذي بات رهينة صريحة الى "قوى ظلامية – فاشية"، يمثلها سموتريتش الذي لم يستقبله أي مسؤول أمريكي خلال زيارته الأولى بصفته وزير مالية ووزير جيش "ب"، ومعه الإرهابي الصريح المفتخر بن غفير، بعدما تمكن من "تركيع" نتنياهو للموافقة على تشكيل "قوة إرهابية تنفيذية خاصة" (الحرس الوطني)، تتعاكس والمشهد العام في دولة الكيان.
ولعل خطاب رئيس "الموساد" الأسبق باردو مساء يوم الأربعاء 29 مارس 2023، سيكون علامة فارقة في وصف الواقع الذي تعيشه دولة الكيان، بالحديث عن "لبننة إسرائيل" بدون سلاح، من ممر الحواجز الطيارة التي دخلت شوارع بعض مدن ومناطق إسرائيل، والسؤال عن "الهوية" (الانتماء وليس الطائفة)، سؤال مع الحراك أم معارض له، وما يليها من تبعات السماح أو عدم السماح.
مشهد ربما لو تحدث عنه شخصية عادية حزبية لوصف بأنها مبالغة سياسية، لكن أن تصدر من رئيس سابق لأحد أهم أجهزة دولة الكيان الأمنية، والذي كثيرا ما كان "فخرا لها" بعملياته الخاصة تجسسا واغتيالا، فتلك ملامح مرحلة ليست جديدة فحسب، بل خروج كلي عن مسار استمر لمدة 74 عاما، ولن تصبح مقولة "الدولة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط" مناسبة ابدا، وأي انتخابات قادمة لن تزيل البروز الفاشي الظلامي المتزايد داخل الكيان، والقادم من تربية استيطانية عمودها الفكري "كراهية الآخر"، لن يقف حدودها عند كراهية الفلسطيني، كما اعتقد أنصار الاستيطان يوما، بل لكل من ليس معهم.
دخول "الظلامية الفكرية – السياسية" في الحكم داخل الكيان، سيترك بصماته التأثيرية على مساره القادم، أي كانت طبيعة التحالف الحاكم، وما حدث عام 1995 بعد اغتيال رابين وفوز تحالف قاتليه، دون محاسبة تيار القتلة مكتفين باعتقال المنفذ، لن يعود مع التطور الجديد، وخاصة أن قوى "الظلامية الفاشية" لها قاعدة حزبية راسخة قوتها المركزية من مستوطنات الضفة والقدس، التي أصبحت الركيزة الأساسية لنشر الفكر الظلامي الفاشي ضد اليهود كما كان منحصرا ضد الفلسطيني وحده.
تلخيص الرئيس الأمريكي للمشهد بأن ما يحدث هو "خطر على إسرائيل"، لن تكون عبارة فقط، بل باتت واقعا مؤسساتيا، لا يمكن لأي كان إزالته، وكل محاولات "التصالح في بيت هرتسوغ" لن تنتج طريقا للإنقاذ، بل ستفتح أبواب جديدة لزراعة بذور التوتر الصدامي.
لعل المفارقة التي ستكون نتاج ذلك الانكسار العامودي في الكيان، أن يتم "ولادة تيار إسرائيلي جديد"، يؤمن حقا بأن هزيمة "الظلامية – الفاشية" بتدمير مصنعها الرئيسي المعروف باسم المستوطنات، باعتبارها المخزن الأكبر لإنتاج الفكر الإرهابي الظلامي اليهودي المعاصر.
هل يكون السلام وحل الصراع مع الفلسطيني والعربي هو "باب انقاذ دولة إسرائيل" من خطر ذاتي يهدد "وجودها"...تلك هي المسألة التي قد تصبح أكثر حضورا في الفكر والسياسة للمشهد القادم!
ملاحظة: "يوم الأرض" ..30 مارس 1976 كان حدثا تاريخيا ليس لانتفاضته تكريسا لهوية الأرض وأهلها الأصليين فقط، لكنه يوم أعاد إشراقة وحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان داخل الكوكبي الأرضي..هنا كنا وهنا باقون..والزوال دوما للغزاة!
تنويه خاص: غريب موقف قطر من سوريا، ان تقف وحيدة شاذة عن المشهد العربي العام لإزالة كل "آثار المؤامرة الأمريكية"..معلوم انها كان معول التنفيذ المالي للتآمر الأمريكاني.. لهيك مفروض تكون أول من يعمل لتنظيف ذاتها من ذاتها مش تتشروط..الصراحة موقف وقح!