تمضي أيام شهر رمضان المبارك 1444هـ وفرحة المسلمين بصيامه وعباداته لا تزال حاضرة، أما المواطنين في غزّة فوضعهم يختلف قليلاً عن أيّ منطقة من العالم، فقد جاء رمضان في ظل ظروف اقتصادية صعبة للغاية، وعدم مقدرة الناس على شراء حاجيات رمضان أو تحمل عبء مصاريفه، عدا عن عدم صرف شيكات الشؤون الاجتماعية لعشرات الآلاف من الأسر الفقيرة منذ ما يزيد عن خمسة شهور، بالإضافة إلى أنَّ الغالبية العظمى من الرجال مدخنين وصيامهم عن الطعام والشراب والتدخين يزيد من توترهم وعصبيتهم.

وما أنّ تسير في شوارع قطاع غزّة وخصوصاً بالقرب من الأسواق الشعبية ومواقف السيارات ومن بين الزحام الواضح للسيارات والمواطنين في الشارع، ستشاهد بعض المشاحنات هنا وهناك بين الناس، تارةً تجد مجموعة من السائقين يقفون لبعضهم في وسط الشارع وألسنتهم ربما تطول على بعضهم البعض، وأحياناً أخرى تمتد أيديهم لولا تدخل المارة بينهم، وبعد فك المشاجرة تسعمهم يقولون "الله يلعن الشيطان، أو اللهم إني صائم"، وكأنه لم يكن قبل دقائق مشاجرة كان من الممكن أنّ تؤدي للقتل لولا تدخل الناس بينهم، وإنّ بحثت في الموضوع لمعرفة سبب المشكلة ستجد أنّها لا تستحق كل هذا، ولكِن من بين الأسباب التي لا يختلف عليها اثنان، أنَّ الرجال وخصوصاً المدخنين منهم لا يتحملون فكرة عدم تناول السيجارة في الصباح، فتزداد عصبيتهم ولا يتحملون مزيداً من الضغط النفسي، فيفرغوا طاقتهم بالآخرين، على الرغم من أنّه وحسب تعاليم وقيم ديننا الإسلامي أنّ تُهذب النفوس خلال هذا الشهر، وأنّ تتبارك أيامه بالتسامح والمحبة بين المواطنين لا أنّ يكون العكس.

عوامل عدة تجعل المواطن في حالة نفسية ليست بالجيدة والتي من شأنها أنّ تُسهم في ازدياد العصبية وخلق المشاكل داخل الأسرة وخارجها، ولكِن هل يمكن أنّ تكون تلك العوامل مبرراً لبعض التصرفات والمشاجرات والمشاحنات بين الصائمين في نهار رمضان.

مراسلة وكالة "خبر" استطلعت آراء المواطنين عن روتينهم اليومي في نهار شهر رمضان المبارك، وخصوصاً جمهور المدخنين، وكانت كالتالي:

"زوجي من المدمنين على التدخين"

السيدة ابتهال سألناها عن يومها وهل يختلف في نهار رمضان عنه في الأيام العادية، فقالت: "من الطبيعي أنّ يختلف، فنحن في نهار رمضان كسيدات نكون منشغلات في أمور الأولاد والمنزل والصلاة وقراءة القرآن عدا عن تحضير وجبة الإفطار التي تأخذ وقتاً كبيراً من وقتنا، أما الرجال فيكونوا في أعمالهم ونحمد الله أنّهم لا يكونوا في نهار رمضان بالمنزل، وذلك لأنَّ عصبيتهم تزداد كثيراً، ويدققون على أبسط التفاصيل فندخل وإياهم بمشاكل ومشاحنات نحن في غنى عنها".

وحول إنّ كان زوجها يعمل أو يقضي وقته في المنزل، أجابت: "زوجي موظف سلطة، وكما تعلمون أنّهم لا يداومون في مقار عملهم، ولكنه افتتح مشروعه الخاص مع أولادي، وهو محل للألبسة الرجالية، فيخرجون من المنزل في الصباح ولا يعودون إلا قبل الإفطار بنصف ساعة، عدا عن أنهم في العشرة الأواخر من رمضان لا يفطرون في المنزل، لأنَّ موسم العيد يقترب والناس تقوم بشراء الألبسة في تلك الأيام".

وأضافت: "في الأيام التي انقضت من رمضان لم يبقى زوجي في المنزل سوى يوم أمس، حيث لم يكن قادراً على العمل، فجلس في البيت ليأمر وينهي، ويفرغ طاقته بأولاده الصغار، وفي ساعات العصر كان يدخل للمطبخ كل خمس دقائق وهو يسألني هل جهزتي الطعام، وماذا فعلتي؟، عدا عن طلباته التي لا تنتهي، وإنّ تأخرت في الرد عليه يصرخ ويقلب البيت رأساً على عقب وكأنه هو الوحيد الصائم، أعرف زوجي جيداً بأنّه عصبي ولكن عصبيته في نهار رمضان تزداد كثيراً لأنه بكل صراحة مدمن كثيراً على التدخين".

"هو يعني رمضان إنّي أسكت ع قلة أدب البعض"

السائق تحسين عسلية، ابتسم حينما سألناه عن يومه وهل يستطيع أنّ يكبح جماح غضبه في نهار رمضان، وقال: "صارلي 15 سنة سواق على الخط وبشوف أشكال وألوان، وكل يوم بنشوف قصص ومواقف بتخلينا نطلع من أواعينا، وبرغم هيك بحاول إني ما أتجاوز أي أمر مشان أحافظ على أكل عيشي، بس لما يجي رمضان بكون مش قادر أستوعب، وفي بعض التصرفات إذا ما صرخت فيها وعملت مشكلة ممكن أنجلط، وبكون مش مدخن وعطشان".

وعما إذا كان قد واجه موقف جعله عصبياً منذ بداية رمضان، أجاب: "اليوم الصبح كنت طالع على الجامعات ومعي ركاب وجاي سواق دخل الاتجاه المعاكس ومش بس هيك وقف بنص الشارع مشان ينزل راجل كبير بالعمر، وقعدت أزمر له عشان يصف يمين وينزل زي ما هو عاوز وهاد أبدا ولا كأني موجود، فاضطريت أنزل من السيارة وأروح إله، وكان شب صغير من عمر ولادي وبدل ما يستسمح مني ويقول إنّه غلطان صار يصرخ في وجهي ويقول انت مالك هو شارع أبوك، طبعا أنا ما تحملتش، كلمة مني ع كلمة منه ولعنا متل البنزين والنار، لولا الركاب حاولوا يهدوا الأمر لأنهم مستعجلين، فاستغفرت ربي وتوجهت لسيارتي وأنا مخنوق ولسا ما فشيت خلقي فيه، احنا السائقين ياما بنشوف، وقدرة تحملنا بتختلف من واحد للتاني، شو يعني رمضان؟! هو إني أسكت على واحد من عمر أولادي ويتطاول عليا ويقل من أدبه!!".

"الصيام ليس عن الطعام والشراب فقط"

إسماعيل درابيه، كان له رأي مختلف عما سبقوه، فقال: "الحمد لله أنا طبيعتي هادئة جداً وغير مدخن وغير متزوج (ويضحك) وموظف أقضي ساعاتي الأولى في العمل وأعود للمنزل قبل العصر، فأصلي صلاة العصر ومن ثم أنام ساعتين وأصحو بعدها لأقرأ القرآن وأذهب للسوق، أقضي بعض الوقت المتبقي من نهار رمضان مع أصدقائي نشتري أشياء خفيفة ونعود للمنزل قبل الإفطار بدقائق، الحمد لله أن حياتي مستقرة وطبيعة شخصيتي لا أدخل في مشاحنات أو مشاكل".

ويستغرب درابيه من الأشخاص الذين يتطاولون بالألفاظ على بعضهم في نهار رمضان ويشتمون بعضهم البعض وبنهاية مشكلتهم يقولون اللهم إني صائم، فيقول: "لا يُعقل أنّ نتجاوز ديننا وتعاليمه وقيمه، الصيام ليس فقط عن الطعام والشراب بل عن الأفعال والأقوال المنافية والغير أخلاقية، وليت الناس يتفقهون في ذلك".  

"الصيام جنة"
وعن رأي الدين في هذا الجانب، فقد حث الإسلام جميع الصائمين في هذا الشهر الفضيل على تهذيب النفس وإرضاء الله، فشهر رمضان هو فرصة للترقي الروحي من تلاوة القرآن وفي القيام ومن التسامح فيما بينهم.

ومن الأخطاء الشائعة التي يُمارسها الناس في رمضان، عصبيتهم الزائدة ومن ثم يبررونها بقولهم "اللهم إني صائم" وهذا التبرير خاطئ ومن يفعل ذلك يكون لا يعرف حقيقة الصيام، لذلك على الناس في رمضان ترك القيم الخاطئة والعادات السيئة، وأنّ يلتزموا بكل الأعمال التي تُقربهم إلى الله.

حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصيام جنة، فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم".