لكل بلد في العالم الإسلامي والعربي طقوسه وأجوائه وأكلاته المختلفة التي تُميزه في أول أيام الأعياد، ولفلسطين وخصوصاً قطاع غزّة خصوصية في عيد الفطر السعيد تحديداً، حيث تستعد النساء في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك لصنع الكعك والمعمول بأشكاله ومذاقه الرائع، رغم ما تشعر به النسوة في رمضان من عطش وجوع وتعب إلا أنهن يجتمعن جيران وأقارب وأهل لصنع مئات من حبات الكعك اللذيد ومن ثم توزيعه فيما بينهن .
وكالة "خبر" رصدت أجواء التحضير لعيد الفطر وأهم الأكلات التي يحرص الغزّيين على تناولها في ذلك اليوم، وكانت كالتالي:
كعك العيد من الأولويات
كما أسلفنا في بداية التقرير أنَّ من أهم التحضيرات التي يحرص عليها الغزّيين قبل قدوم العيد هو صنع الكعك، واجتماع النسوة لصناعته على مدار أيام حتى ينتهين منه ومن ثم توزيعه فيما بينهن.
ابتسام أحمد، قالت لمراسلة "خبر": "من أهم الحلويات التي نحرص على صنعها في رمضان تحضيرً للعيد هو الكعك والمعمول، وإذا لم نقم بصنع الكعك لا نشعر بطعم العيد، فقبل أيام اتفقت مع أختي وهي سلفتي ونعيش في نفس المنزل على صنع الكعك، وقمنا بتحضيره وعجنه ومن ثم خبزه وقد قمنا بخبز أكثر من ألف حبة كعك".
وعن الساعات التي قامت بها ابتسام بتحضير الكعك وكيف كانت تُنجز التزاماتها تجاه الشهر الفضيل من صوم وصلاة وعبادة من جهة ومن جهة أخرى تحضير هذه الكمية الكبيرة، قالت: "كان اليوم يسير بشكل طبيعي صوم وصلاة وعبادة، فنستيقظ في الصباح ونصنع الكعك ونُحضره ونخبز جزء منه، وحين تقترب الساعة على العصر تقريباً نتوقف وننهض لتجهيز الإفطار وبعد الإفطار نُصلي التراويح ونعبد الله ونقرأ القرآن وفي الساعات القليلة قبل السحور نُجهز كمية أخرى من الكعك وهكذا، وقد استغرقت منا هذه الكمية ثلاثة أيام".
أما عن أهم الأكلات التي يتناولونها في أول أيام العيد، فأجابت: "الفسيخ من أكثر الأكلات التي نعشق تناولها في أول أيام العيد، سبحان الله تشعر أنَّ له مذاق مختلف، حتى أنكِ تشتمين رائحة الفسيخ التي تجول وتصول من كل البيوت في الحارة، مثل رائحة الكعك من قبله".
يُذكر أنَّ "الفسيخ" هو عبارة عن سمك مملح يتم تخزينه بعيدًا عن الهواء الطلق لمدة شهر أو يزيد حسب نوعه، ويُعد سمك "البوري" و"الجرع" الأكثر استخدامًا في صنعه، وتعود أصول تلك الوجبة إلى الفراعنة المصريين، والتي ما زالت تؤكل لدى المصريين إلى الآن أثناء احتفالهم بيوم "شم النسيم" (عيد الربيع).
السماقية "المشطشطة" أكلة أهل البلد
وكما أنَّ عدد كبير من الناس يحرصون على تناول الفسيخ في أول أيام العيد، فتحرص العديد من العائلات الغزّية الأخرى على تناول السماقية الحارة، فتقوم المرأة قبل العيد بيوم بتحضير السماقية ومن ثم توزيعها على الأحباب والجيران والأصحاب، كما أنَّ هناك بعض العائلات أيضاً تحرص على شراء الفسيخ وتقديمه بجانب السماقية كأكلات متوارثة من الأجداد للأبناء.
أم سامر حتحت، تقول: "نحن لا نتناول الفسيخ وبالعادة لا نحب تناوله كعائلة، الأكلة التي تعودنا على تحضيرها في أول أيام العيد هي السماقية (المشطشطة) الغزاوية الأصيلة، وهي عبارة عن (السلق مضافاً له الحمص والسماق واللحمة) بعد أنّ تُطبخ تُسكب في صحون ونتناولها بارداً بجانب المخللات والمقبلات كأكلة تميزنا".
أعود من صلاة العيد لأتناول الفسيخ
"محمد.ن" ، يقول: "في أول أيام العيد وبعد صلاة العيد المبارك وحين نعود من المسجد، يجب أنّ تكون أمي قد أعدت طبق الفسيخ بعد أن تقليه تضع عليه عصير الليمون وقلاية البندورة الحارة وكوب الشاي بالنعناع، وبعد أنّ نتناول هذه الوجبة المتناقضة (وهنا يضحك) نقوم بزيارة رحمنا في ساعات الصباح وفي كل بيت ندخله نتناول الكعك والمعمول والشوكولاتة والحلويات المختلفة الأشكال والأصناف والتي تدخلنا في نهاية اليوم في دوامة التلبك المعوي عدا عن شرب كميات كمية من المياه والقهوة".
كبدة العجل حاضرة
رأفت عثمان يحدثنا عن أهم الأكلات التي يحرص على تحضيرها في يوم العيد، فقال: "أشتري كبدة العجل الطازج، قبل العيد بيوم، وفي العيد تقليها زوجتي بجانب المقبلات ونتناولها وهذا لأننا لا نحب تناول الفسيخ في العيد وفي غيره من الأيام"، مُتسائلاً: "لماذا نتناول سمك متعفن ومتحلل في الملح منذ مدة، الأولى أنّ نتناول السمك الطازج أو حتى مجمد، لكِن لا أتناول الفسيخ لأنَّ المعدة لا تتحمل".
"إخلاص عاشور"، قابلناها وهي تسأل البائع عن سعر كيلو الفسيخ البراميلي (وهو نوع من الأسماك مخزن بالماء والملح في مرطبانات واسعة، يقومون بفتحها بعد مدة وبيعها للزبائن)، تقول: "أنا أعشق كل شيء اسمه فسيخ ورنقة، ولكني أفضل الفسيخ البراميلي وليس المخزن بالملح الجاف والموضوع عليه (الكركم)، ولا أتناوله في العيد فقط، فأنا أعده لأولادي وزوجي الذين يعشقونه معي في أي يوم بالسنة، حتى أنني أعدته في أيام رمضان، أقليه وأنثر عليه عصير الليمون وأضع عليه الدقة الغزاوية وبجانبه قلاية البندورة اللذيذة".
وعما إذا أعدت الكعك للعيد، قالت إخلاص: "في الحقيقة لم أتمكن من تحضير وإعداد الكعك هذا العام، لكِني اكتفيت بشراء كيلوين من الكعك الجاهز، فهناك سيدات أصبحن ماهرات بتحضير الكعك وبيعه لمن يريد كمشروع بيتي، عدا عن المخابز التي تبيعه في أيّ يوم بالسنة وليس في العيد فقط".
نُعد 5 آلاف حبة كعك في رمضان
يسرى المقوسي، تقول: "لعيد الفطر خصوصية كبيرة عندي، فقد تعودت منذ الصغر، حين كانت أمي تعد الكعك هي وخالاتي في بيت جدي،وكنت أساعدهن، ففي الأيام الأخيرة من رمضان، تشتري كل سيدة من العائلة "حوائج الكعك" من سميد وسكر وسمنة وعجوة والتوابل وغيرها، وتنضم لباقي الأخريات لعجن السميد والطحين لعمل الكعك في صحن كبير جداً، تتناوب السيدات على عجنه، ونظل في عمل الكعك حتى آخر يوم من رمضان، ومن ثم نقوم بتقسيمه بالتساوي فيما بيننا، حيث تصل حبات الكعك التي نعدها لأكثر من 5 آلاف حبة كعك".
الحركة الشرائية ضعيفة
ورغم عشق الغزّيين لتناول الفسيخ في أول أيام العيد، إلا أنَّ البائعين متضررين من الحركة الشرائية هذا العام، فرغم أنّه تم صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية ورواتب السلطة بغزّة وموظفي الحكومة بغزّة وذوي الشهداء والجرحى، إلا أنَّ المواطنين يُقبلون على شراء ما هو ضروري من وجهة نظرهم كما يخبرنا أبو محمود صاحب محل بيع اللحوم والطيور في سوق جباليا، حيث قال: "في كل سنة نقوم بإعداد كميات كبيرة من الفسيخ بجميع أنواعه وطرق تخزينه، لكِن هذا العام لم يكن بالحجم المطلوب من حيث الحركة الشرائية كالأعوام السابقة".
وعن أسعار الفسيخ، يقول أبو محمود: "إنَّ أسعار الفسيخ تختلف حسب نوع السمك وطريقة تخزينه، فهناك البراميلي وهناك المخزن جافاً وهناك المدخن وغيره، فمثلا البراميلي لا تتجاوز أسعاره الـ7 شواكل للنصف كيلو، وهناك أنواعاً أخرى تصل أسعاره لخمسين شيكلاً ويقبل عليه بعض الزبائن الذواقين والمقتدرين طبعاً، فهم يشترون منه بالاثني كيلو وأكثر".