أسرار تُنشر لأول مرة: قصة «الاختراق الأخطر» في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية

أميركا وبريطانيا تجسستا على العمليات الإسرائيلية في غزة، سورية، وإيران

20162901212417
حجم الخط

اختراق خطير للاستخبارات الاسرائيلية: يُنشر لاول مرة ان أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية حلت الشيفرة الخاصة التي تتداولها الطائرات غير المأهولة التابعة لسلاح الجو مع قواعدها، وتتابع وترى على مدى سنوات طويلة ما تبثه الطائرات الى مشغليها في القاعدة. وتظهر هذه الأمور في سلسلة وثائق وصور أخذها معه ادوارد سنودن، رجل أسرة المخابرات الأميركية. ولم يسبق لهذه الوثائق أن نشرت حتى اليوم. ويتبين من الوثائق أن اسرائيل تستخدم اسطولاً كبيراً من الطائرات غير المأهولة، التي تجمع المعلومات الاستخبارية في غزة، في الضفة الغربية، وفي أرجاء الشرق الاوسط، بل استخدمت، على حد قول الباحثين، لصالح جمع المعلومات عن التخطيط للقنبلة في ايران. وتتسلح طائرتان من هذه الطائرات بالصواريخ والقنابل لتنفيذ الاحباطات المركزة. وتعمل الطائرات من سلسلة قواعد في اسرائيل، بما فيها تل نوف، بلماخيم وعين – شيمر. عمليا، تعد هذه إطلالة على بواطن العالم السري الاسرائيلي: بنك الاهداف، المقاصد، التفضيلات، والقدرات، وعيون اسرائيل نحو أعدائها. واستفادت الولايات المتحدة وبريطانيا عمليا من القدرات الاستخبارية الهائلة لاسرائيل، ورأتا كل ما رأته اسرائيل. وحسب مصدر استخباري كبير اطلع على التحقيق، فان "هذه تعد بمثابة هزة أرضية. هذا يعني أنهم قاموا بتعريتنا إكراهاً ـ نعم لا يقل عن ذلك – فعلى ما يبدو لا تعتبر أي من وسائل الاتصال المشفرة عندنا آمنة منهم. هذا هو التسريب الاخطر في تاريخ الاستخبارات الاسرائيلية". الاسم السري "فوضوي" وتجري حملة الاستخبارات الأميركية والبريطانية الكبرى منذ العام 1998. وهدفها حل الشيفرات واعتراض بث الجيوش المركزية في الشرق الاوسط، اسلحة الجو لديها، ومنظومات السلاح المتطورة – أجهزة الرادار والاستكشاف. وفي اطار الحملة تم حل شيفرات الأجهزة القتالية والاستكشافية المتطورة لدى "حزب الله"، مصر، تركيا، ايران وسورية. ولكن في مركز الحملة التي تحمل الاسم السري "فوضوي"، توجد دولة واحدة استثمرت فيها معظم المقدرات والجهود: اسرائيل. ويدير الحملة جهازا استخبارات: الـ N.S.A (وكالة الأمن القومي الأميركية) وموازيه البريطاني، الـ G.C.H.Q. وتقع قيادة الحملة في قاعدتين: قاعدة ماونت هيل في بريطانيا، وهي قاعدة تنصت مشتركة للمملكة وللولايات المتحدة، وقاعدة سلاح الجو الملكي في قمة جبال ترودوس، النقطة الاعلى في قبرص. وهذه قاعدة ضخمة ومليئة باللواقط ووسائل الالتقاط وحل الشيفرات، بعضها مدفون تحت الارض. ويوصف عمق عمل حملة فوضوي في ملفات أنتزعها ادوارد سنودن من الوكالة الأميركية. وتوجد في الملفات صور من أفلام فيديو سجلت في اطار عمل الطائرات غير المأهولة وتوثق ما التقطته العديد من الكاميرات القوية والعروض التي اعدت للارشادات وللمحاضرات الداخلية في الجهاز، بما فيها التقارير عن تقدم الحملة والتي ترفع أغلب الظن للقيادات العليا. في بعض الحالات حل رجال حملة "فوضوي" ايضا لغز موقع التقاط الصور ايضا، سواء من خلال تشخيص الموقع المصور، لنقل في القرى قرب جدار الفصل حيث يبدو بوضوح السور وأبراج الحراسة، أو من خلال حل لغز جزء خاص من البث الذي بين الطائرة والقاعدة، حيث تطلع الطائرة القاعدة عن موقعها الدقيق. وهكذا مثلا، في 24 حزيران 2009 يوثق رجال القاعدة في قبرص حركة طائرات اسرائيلية قرب نابلس وبجوار قرية عزون الفلسطينية. في نيسان 2010، تلاحظ طائرات غير مأهولة قرب عتيل. التجسس على نتنياهو في 1997 وقعت مصيبة الوحدة البحرية والتي قتل فيها 12 مقاتلاً من الوحدة خرجوا للمس بمسؤول كبير في حركة أمل. وادعى نصر الله في حينه في خطاب له بان المقاتلين لم يقتلوا في كمين بالصدفة، بل في عملية موجهة استندت الى معلومات استخبارية دقيقة كانت لديه. وفي الجيش الاسرائيلي قالوا ساخرين ان نصر الله يكذب، وانه لا احتمال في ان يكون عرف شيئا عن الحملات السرية للوحدة البحرية. ولكن تبين أن نصر الله كان بالذات هو الدقيق في ما قاله. فبابتسامة صفراء عرض لاحقا في مؤتمر صحافي صور الطائرات الصغيرة غير المأهولة التي كانت تجري استطلاعات عديدة لمنطقة أنصارية في الاسابيع التي سبقت الاجتياح. ولم تكن اتصالات الطائرة الصغيرة مشفرة، وهكذا كان بوسع رجال "حزب الله" ان يلتقطوها، ويفهموا بأي منطقة بالذات يهتم الجيش الاسرائيلي. وفي اعقاب هذا الحدث استثمر جهاز الامن "جهودا ومقدرات غير مسبوقة" على حد قول احد المشاركين في الامر، كي يشفر قناة البث من الطائرات غير المأهولة الى القاعدة. وكان هذا بالتوازي مع تحول هذه الطائرات لتصبح احدى الادوات المركزية، ان لم تكن اكثرها أهمية، لدى جهاز الامن الاسرائيلي في جمع المعلومات وتنفيذ المعلومات الخاصة. وتكاد لا تكون اليوم حملة للجيش الاسرائيلي وكذا قسم كبير من حملات اذرع الاستخارات الاخرى، لا تشارك فيها طائرات غير مأهولة كهذه. غير أنه يتبين الآن بان هذه الجهود لم تكن عبثا، على الاقل في كل ما يتعلق بالولايات المتحدة وبريطانيا اللتين نجحتا في حل الشيفرة المتطورة. وتشير وثيقة للاستخبارات البريطانية في 2008 بحماسة الى أن هذا "الاختراق (لجهاز الطائرات الاسرائيلية غير المأهولة) لا بديل له لغرض فهم الجيش الاسرائيلي وحملاته وكتحصيل حاصل لمنحنا امكانية فهم التطورات المستقبلية في المنطقة". وتشير الوثيقة الى انه "في أوقات الازمة، يكون هذا الاختراق حرجا، ولعله احيانا السبيل الوحيد لتحصيل معلومات ودعم لعمليات الولايات المتحدة وحلفائها في الساحة". ولا تتعاطى الوثيقة بالطبع مع كون اسرائيل تذكر هي الاخرى كحليف. ويتبين من الوثائق انه في اطار الحملة كرست الولايات المتحدة جهودا كبيرة لمتابعة الاستعدادات الاسرائيلية للهجوم في ايران. كما يتبين منها التخوف الأميركي الكبير من أن تنفذ اسرائيل، تحت حكم رئيس الوزراء نتنياهو، خطوات عسكرية ذات مغزى في المنطقة دون تنسيق معها فتتسبب بعدم الاستقرار. وفي الشهر الماضي نشرت "وول ستريت جورنال" بان الولايات المتحدة لم تكف عن التجسس على نتنياهو ومساعديه المقربين رغم قرار الرئيس اوباما، في اعقاب الكشف عن وثائق سنودن التوقف عن التجسس على زعماء أصدقاء. وتؤكد الوثائق التي يكشف النقاب عنها الآن ما نشر في "وول ستريت جورنال" وتبين أنه ابتداء من العام 2009 على الاقل تجسست الولايات المتحدة بحجم متزايد ليس فقط على رئيس وزراء اسرائيل وحاشيته القريبة بل وعنيت بجمع معلومات حميمة للغاية عن نشاط الجيش الاسرائيلي واسرة الاستخبارات في المواضيع الاكثر حساسية. وكانت تعليمات القيادة في لندن لعاملي "فوضوي" واضحة. فمثلا في 29 تموز 2008 وصل أمر يقضي بمتابعة عمل الطائرات الاسرائيلية غير المأهولة في هضبة الجولان، قطاع غزة، الضفة الغربية، حدود لبنان وسورية. وجاء في الامر انه من المهم العمل في هذه المناطق "لتقدير أي نوع من العمل قد تتخذه (اسرائيل)". وفي مكان آخر قيل ان العمل ضد الطائرات الاسرائيلية غير المأهولة يجب أن يعطي الأميركيين والبريطانيين اخطارا عن "اندلاع اعمال عدائية بين اسرائيل و(حماس)... قدرتنا على جمع المعلومات ومتابعة هذا النشاط مهمة جدا كي نتمكن من اعطاء اخطار قبل هجوم مفاجئ او هجوم انتقامي ضد ايران". واضافة الى ذلك، كما جاء في الوثائق، فان اسرائيل تصدر طائرات غير مأهولة للعديد من الدول "للهند مثلا"، وبالتالي يجب متابعة اعمال وقدرات هذه الطائرات. ويبدي الأميركيون والبريطانيون اهتماما بان يعرفوا، وليس بالذات لاعتبارات استخبارية ويحتمل لاعتبارات تجارية، أي نوع من الرادار بالضبط مركب على الطائرات غير المأهولة. السلاح السري في نشر جاء في موقع "انترسبت" الأميركي زعم أن الرقابة العسكرية في اسرائيل تفرض سياسة متصلبة على منشورات محلية بشأن جملة من المنشورات في الخارج ادعت بان اسرائيل تستخدم طائرات غير مأهولة تطلق صواريخ وقذائف كجزء مركزي من خطة الاحباطات المركزة التي تستخدمها في "المناطق". وهذه المرة يطرح النشر أدلة لا لبس فيها، مكتوبة في الوثائق الداخلية لحملة "فوضوي" وموثقة بالصور. في قسم كبير من الصور التي تنشر هنا لاول مرة، صور التقطت بكاميرات الطائرة غير المأهولة "ايتان" في اطار الاقلاع والهبوط، تظهر بوضوح صواريخ معلقة على جناحي الطائرة الكبيرة، القادرة حسب تصنيفها على أن تحمل شحنة اخرى تصل الى طن. وهذه طائرة غير مأهولة كبيرة وقوية اكثر حتى من "ريفر" – الطائرة الكبرى في الولايات المتحدة. وأكد بيتر فازمن، وهو باحث كبير في معهد ستوكهولم للسلام لموقع "انترسبت" بانه يحتمل أن تكون الصور توثق طائرات غير مأهولة حاملة للقذائف. ويكتب كورا كوريير، هنريك مولت، ولورا بويترس – الموقعون على التحقيق – فيقولون ان "هذه الوثائق تساعد على تأكيد ما كان منذ زمن بعيد سرا معروفا، رغم أن حكومة اسرائيل ترفض الاعتراف به: بان الجيش الاسرائيلي يستخدم طائرات غير مأهولة مسلحة". الطائرة غير المأهولة "هرمس 450" تباع لعدة دول في العالم، بل وخدمت لدى قوات بريطانية في افغانستان ولدى حرس الحدود الأميركي على حدود المكسيك. في آب 2009 وثق فنيو "فوضوي" ارتفاعا كبيرا في نشاط الطائرات غير المأهولة الاسرائيلية حيال قطاع غزة وفي اثنائه قصفت اسرائيل احد الانفاق التي بنتها "حماس" على حدود مصر – اسرائيل. وقتل في القصف ثلاثة نشطاء. ولمشهد هذه الصور اشار كريس فاتس، خبير شهير عالمي في مجال الطائرات بلا طيار لموقع "انترسبت"، فقال انه "يوجد احتمال كبير بان نكون ننظر الى الصور الاولية التي تعرض علنا في أي وقت مضى لطائرات غير مأهولة اسرائيلية مسلحة". وعلى حد قوله "من المدهش ان تكون مرت 12 سنة منذ الهجوم الاول المبلغ عنه وتقوم به اسرائيل بطائرة غير مأهولة في 2004 والى ان نشرت هذه الصور". وتروي وثيقة خاصة للاستخبارات البريطانية من العام 2012 بان "G.C.H.Q" يجمع بشكل دائم "معلومات عن الطائرة غير المأهولة "هارون" الحاملة للسلاح". ولم يكن بث الطائرات غير المأهولة هو الذي حل لغزه، اعترض، ووثق. ففي 3 كانون الثاني 2008، في اليوم الذي اجرت فيه طائرات سلاح الجو سلسلة من الهجمات ضد اهداف "حماس" في قطاع غزة، لم يعرف الطيارون بان هناك احداً ما آخر يجلس معهم في حجرتهم. وكانت هذه هي المرة الاولى التي نجح فيها الأميركيون والبريطانيون في حل شيفرة البث لطائرات "اف 16" الاسرائيلية، وان يروا كل ما رآه الطيارون. وبشرت النشرة الداخلية لجهاز "NSA" في ذاك اليوم قراءها القلائل بفخار بان رجال الجهاز حلوا شيفرة البث ورأوا "الهدف اثناء الهجوم". في ذاك اليوم قتل تسعة فلسطينيين بهجمات اسرائيلية في غزة. وتوثق الوثائق التفاصيل الفنية الكثيرة للشكل الذي تلتقط فيه لواقط القاعدة في قبرص بث الطائرات غير المأهولة وكيف ينسق الخبراء هناك الشكل الذي يحل فيه لغز كل بث مع نوع البث لاجل حل لغزة بافضل شكل ممكن. ومؤخرا باعت الصناعات الجوية عددا كبيرا من طائرات "هارونTP" لألمانيا. وتكتب "دير شبيغل" في عددها الصادر، أمس، بان محافل في ألمانيا تسعى الى الفحص، في ضوء المكتشفات عن كسر شيفرة بث الطائرات غير المأهولة، هل كان هذا قرارا صحيحا أن تشتري من اسرائيل بالذات، وأنه عمليا من الآن فصاعدا ستكون كل الاعمال الألمانية مكشوفة امام العيون الأميركية والبريطانية. وقالت السلطات الألمانية معقبة بان في نيتها ان تستخدم منظومة تشفير مختلفة. وتكشف وثائق حملة "فوضوي" أيضا عن منظومة اعتراض بث متفرعة لاسلحة جو "حزب الله"، سورية، وايران. وهكذا مثلا فحصت متابعات أجرتها الطائرات غير المأهولة لدى "حزب الله" فوق سورية كجزء من المساعدة التي يمنحوها لنظام الاسد. ووفرت هذه المتابعة ضمن امور اخرى ادلة نادر ومعلومات استخبارية نوعية عن أن ايران تساعد قوات الاسد في سورية، المعلومات التي نقلت على الفور الى البيت الابيض. وبعد وقت قصير تلقى رجال "فوضوي" بلاغا من القادة في واشنطن بانه "هناك اهتماما رئاسيا" لتكريس مقدرات واسعة للمس بالسكان على ايدي القوات المشتركة لـ"حزب الله"، سورية، وايران. وبعد ذلك سربت محافل أميركية مغفلة انباء عن أنه لدى الولايات المتحدة أدلة لا لبس فيها بان ايران تساعد عسكريا سورية، الامر الذي كان فيه في تلك الفترة نوع من التجديد الدراماتيكي. ويقول تقرير الاستخبارات البريطانية في 2009 انه "لايران ايضا توجد صناعة طائرات غير مأهولة متطورة وتكنولوجيتهم باتت تصدر منذ الآن لعدد من منظمات الارهاب".