المبادرة الفرنسية.. لماذا الآن ؟!

131
حجم الخط

تعود فرنسا من جديد لطرح مبادرتها الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط على قاعدة مبادرتها لإنهاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ليس هناك من جديد في هذا التحرك إلاّ في تزامنه مع بعض العناصر التي فرضت على باريس إحياء جهودها المتكررة.

أواخر العام 2014 حاولت فرنسا التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بهدف إصدار قرار لوضع اطار لتسوية الصراع «المبادرات تقول نزاع» الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلاّ أن هذا التوجه فشل بسبب معارضة كل من إسرائيل والولايات المتحدة، الأولى لأنها تريد مفاوضات مباشرة واعتراف فلسطيني بيهودية دولة إسرائيل، بينما الثانية قالت إن هذا الأمر يعقد المساعي التي تقوم بها واشنطن لإحياء العملية التفاوضية.

في منتصف العام الماضي، جددت باريس حراكها على هذا الصعيد، وتقدمت بمبادرة للتوجه إلى مجلس الأمن باسم الفلسطينيين، لاستصدار قرار يقضي بالاعتراف بحدود الرابع من حزيران، مع تعديلات طفيفة، كحدود بين دولتين، إسرائيل وفلسطين، وبحيث تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال، وعقد مؤتمر دولي للسلام يعلن خلاله قيام الدولة الفلسطينية ونهاية الصراع.

هذا التوجه، أيضاً، تم إفشاله بعدما رفضت إسرائيل التعاطي معه بأية صورة من الصور، ونشأ خلاف حاد بين الدولتين، وفتحت إسرائيل الملفات الفرنسية، باعتبار باريس هي التي تقف وراء الحملة الأوروبية لمقاطعة منتجات المستوطنات ووضع علامات عليها، إضافة إلى أن وزير الخارجية الفرنسي فابيوس، اتهم إسرائيل بتنفيذها مذابح أثناء حربها الثالثة على قطاع غزة، وأن السفير الفرنسي لدى إسرائيل بتريك فيرونب، لا همّ له سوى انتقاد العملية الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة.

أما الولايات المتحدة فقد تأخّرت في إعلان موقفها إزاء تلك المبادرة، غير أنها عادت لتشير إلى «أن الوقت غير مناسب» لطرح مثل هذه المبادرة على مجلس الأمن، ذلك أن هناك مساعي أميركية لم تفشل بعد، لإحياء العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والأهم من ذلك ـ حسب واشنطن ـ أن الولايات المتحدة منشغلة ـ في ذلك الوقت ـ بالملف النووي الإيراني الذي يعتبر أكثر أهمية من أي ملف آخر.. مع ذلك سرت عديد من الشائعات والتحليلات التي أشارت إلى أن فرنسا لم تقدم على تلك المبادرة إلاّ بعد التشاور مع واشنطن، التي بدورها شجعتها، إلاّ أنها لم تكن لتساهم في هذه المبادرة علناً، بالنظر إلى طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب!

الفرق بين تلك المبادرة، وسابقتها، أنها وضعت سقفاً زمنياً اطاره عامان، بعدهما، ستعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية في حال فشلت المفاوضات، وهو ما يمكن تلمّسه في مبادرة باريس الجديدة هذا الأسبوع، أيضاً.

الجديد فيما طرحته باريس مؤخراً حول مبادرتها، يتعلق باختيارها الزمن الذي تعتقد أنه بات مناسباً لكي تكتسب مبادرتها تأثيراً وقبولاً أكثر من أي وقت مضى، فمنذ منتصف العام الماضي زمن مبادرتها الأخيرة ـ واليوم، جرت مياه كثيرة في المنطقة ذات تأثير مباشرة على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فقد تبين لدى الرأي العام الأوروبي، كما حكومات وبرلمانات الاتحاد الأوروبي، ان الإجراءات الإسرائيلية على صعيد الاستيطان والتهويد، تهدد بشكل خطير، حل الدولتين، وان إسرائيل ماضية في هذه الإجراءات من دون أن يكون هناك أي كابح لها، على الرغم من مواقف المجتمع الدولي، كمجلس أمن وحكومات المعارض تماماً لهذه الإجراءات، وكلما مر الوقت وزاد الاستيطان والتهويد، تصبح الأمور أكثر تعقيداً ويُبدّد أية إمكانية لأي حل.

برلمانات العديد من الدول ساهمت مساهمة فعالة في التأثير على الرأي العام والحكومات من أجل الإسراع بالتدخل لوقف هذه الإجراءات الانفرادية، وباتت الحكومات بشكل عام في موقف حرج أمام برلماناتها وناخبيها، إذن فإن التحرك الفرنسي بات بوابة لتحرك أوروبي مطلوب، أيضاً، لأسباب أوروبية داخلية، ناهيك عن المسائل السياسية المتعلقة بدور أوروبي مؤثر في سياسات الشرق الأوسط عموماً، والملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي على وجه الخصوص.

وزير الخارجية الفرنسي فابيوس، سيغادر منصبه بعد بضعة اشهر، وهو سيترك بصماته على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وحتى إذا لم ينجح في تنفيذ مبادرته فإنه سيترك لخليفته هذا الملف مفتوحاً لاستكماله، إلاّ أن الأهم في مسألة التوقيت، يتعلق بموقف واشنطن من هذه المبادرة، فإذا كانت إدارة اوباما قد بررت في السابق عدم تأييدها العلني لمبادرة باريس، باستمرار مساعيها لإحياء عملية السلام فقد سلّمت واشنطن أن لا أمل في ذلك خلال الأشهر القليلة المتبقية على إدارة اوباما، كما أن تبريرها ـ واشنطن ـ بالانشغال بالملف النووي الإيراني، لم يعد صالحاً بعد التوصل إلى اتفاق دولي بهذا الشأن، ولا يسع واشنطن سوى الدفع من خلف باريس سراً وتشجيعها على المضي قدماً في هذه المبادرة، حتى لو اضطرت الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أقل تأييداً من الجانب العملي لأسباب مبررة أميركياً.

حسناً فعل الجانب الفلسطيني بترحيبه بالجهد الفرنسي، ذلك أن الدولة العبرية كانت تتوقع تردُّداً فلسطينياً، يعفي إسرائيل من تحمّل مسؤولية الرفض، وما زلنا بانتظار ردود الفعل المؤثرة على نجاح أو فشل هذه المبادرة!!