إسرائيل اليوم: الحرب الدبلوماسية الكبرى: إسرائيل وإيران تناضلان من أجل قلب الشرق الأوسط المتغير

لقطة الشاشة 2023-05-27 112603.png
حجم الخط

، بقلم: شيريت أفيتان كوهين:

 

لم تعد إسرائيل تلعب وحدها على خريطة وسط آسيا. في الأشهر الأخيرة تخرج إيران ببطء من المقاطعة التي فرضت عليها، وتخلق شراكات استراتيجية مع روسيا، الصين، وبعض دول الخليج، وتغمز أيضا نحو الأردن ومصر.

سياسة حصار رئيس الوزراء والمحافل السياسية، التي بدأت في العام 2009 من أجل عزل إيران من ناحية سياسية، للضغط عليها اقتصاديا ولخلق معارضات لها من الداخل من أجل الدفع نحو سقوط النظام الذي يرغب بإبادة إسرائيل، لم تعد كافية من أجل كبح نظام آيات الله.

تدعي محافل سياسية سابقة أن المذنبة في الوضع الجديد الناشئ أمام ناظرينا هي الولايات المتحدة، التي أرخت سيطرتها على المنطقة.

في هذا الوقت، كما يقولون، لم يتبقَ على الطاولة سوى التهديد العسكري الذي يمكنه أن يبطئ إيران. لكن في وزارة الخارجية لا ييأسون. ومنذ تسلم إيلي كوهن منصبه وزيراً للخارجية يتراكض في أرجاء العالم وفي الدول المحيطة بإيران كي يواصل الجهود الدبلوماسية لعزل الجمهورية الإسلامية.

قبل شهر فقط فتحت أذربيجان سفارة في إسرائيل، وفور ذلك سافر كوهن إلى تركمانستان ليدشن سفارة على مسافة 20 كيلومتراً فقط من الحدود الطويلة للدولة مع إيران.

“في وزارة الخارجية لاحظوا الوضع والفرص”، يقول رئيس دائرة ايرو – آسيا وغرب البلقان في وزارة الخارجية، يوفال فوكس. “يولي وزير الخارجية مجال ايرو – آسيا أهمية كبيرة جداً في هذا السياق. نحن في ذروة الجهود لاختراقات جديدة في المجال”.

يدور الحديث عن استمرار مباشر لاتفاقات إبراهيم، التي خلقت واقعاً جديداً مع دول الخليج، وكذا في الجهود المتواصلة، أثناء كتابة هذه السطور، أيضا مع السعودية.

في النظام الإيراني، الذي كان يشاهد إسرائيل حتى الآن وهي تحاصره بانعدام الوسيلة، خرجوا إلى هجوم سياسي معادٍ مع تضعضع نظام العقوبات عليه.

وحسب مصادر في وزارة الخارجية، يدور الحديث عن هجوم سياسي متبادل: لا تقلل إسرائيل من جهودها، ومن جهة أخرى فإن إيران لم تعد تجلس جانباً. فضلاً عن محاولاتها خلق “طوق” عسكري على إسرائيل من خلال تفعيل ودعم “حزب الله”، “الجهاد الإسلامي”، وميليشيات شيعية في لبنان، تصبح لاعباً دبلوماسياً نشطاً في الساحة المحلية.

خطة المصالحة الإيرانية

“توجد مسيرة واسعة جداً من المصالحة الإيرانية الإقليمية”، تقول سيما شاين، رئيسة برنامج إيران في معهد بحوث الأمن القومي، لـ “إسرائيل اليوم”. “أعتقد أن إسرائيل لا يمكنها أن توقف هذه المسيرة كونها تعكس مصالح كل الأطراف فيها. عملياً لا يوجد أي تحسن في حميمية العلاقات. السعوديون لا يزالون يكرهون إيران وهكذا أيضا البحرين. النقطة الأساس لهذا التطور هي خيبة الأمل من الأميركيين ومخاوف دول المنطقة من أن السبيل الوحيد لحماية مصالحهم هو استئناف العلاقات مع الإيرانيين”.

ثمة أمور مشابهة، يقول مئير بن شباط، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي ورئيس هيئة الأمن القومي، وفي هذا الإطار أيضا أدار الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.

بن شباط هو الآخر يوجه إصبع اتهام لإدارة بايدن. فهو يقول إن “القيادة في إيران ما كان يمكنها أن تأمل بفترة أكثر راحة من تلك الحالية كي تسمح لها بمواصلة السير دون عراقيل نحو تعزيز مكانتها السياسية وجهودها في المجال النووي”.

بن شباط، الذي يترأس اليوم معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية في القدس، يضيف: “يمكن أن نتعرف على التردي في مكانة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط أيضاً من خلال سلوك السعودية ودول الخليج التي امتنعت عن الوقوف إلى جانب واشنطن ضد موسكو، ووثقوا علاقاتهم مع الصين في إطار بحثهم عن مساندة أخرى، إضافة إلى الولايات المتحدة أو بديلاً عنها. كما أن هذا هو ما شجع مسيرة استئناف العلاقات بين إيران ودول الخليج رغم العداء العميق بين الطرفين”.

“رغم العزلة الدولية نجح الإيرانيون في ذلك؛ لأنهم عرفوا كيف يستغلون الفرص”، تقول شاين. “من يراجع مكانة إيران والقدرة على استئناف العلاقات مع السعودية والإمارات، إلى جانب المفاوضات التي تجرى مع مصر والأردن، يرَ إنجازات مهمة جداً لهم. رغم ذلك، فإن المصريين لن يحبوا الإيرانيين أكثر من الأهمية التي يولونها لاتفاقاتهم معنا. المعسكر السُني المناهض لإيران، والذي تندرج فيه إسرائيل، لا يزال مهماً، ونحن هناك بفضل الولايات المتحدة”.

بالنسبة للعودة إلى الاتفاق النووي والذي رفع مرة أخرى إلى العناوين الرئيسة، تقول شاين إن فرص ذلك طفيفة أساساً “لأن الإيرانيين يمتطون الجواد وهم أقل حاجة لهذا الاتفاق، ولا يثقون بالأميركيين”.

في السعودية ليسوا ناضجين

نشر في السعودية، الأسبوع الماضي، استطلاع يتناول مواقف السكان من هجوم إسرائيلي محتمل في إيران. ويتضح منه أن معظم سكان السعودية يعارضونه. تشرح شاين بأن “حرباً على حدود دول الخليج هي آخر ما يريده سكان المنطقة”.

على حد قولها “هم يخشون من هجمات أخرى من جانب إيران عليهم كرد فعل، ومقابل ذلك فإنهم لا يتعرضون لأي تهديد جراء تطوير النووي. إسرائيل لا يمكنها حقاً أن تفعل شيئا كي تمنع التقارب بين دول المنطقة وبين إيران.

“مجرد أن تكون السعودية استأنفت العلاقات مع إيران، فإن هذه ضربة للاستراتيجية الإسرائيلية لبناء جبهة مناهضة لإيران، لكن هذا لا يعني شيئاً حول متى وهل سيرغب السعوديون في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. اعتبارات السعودية لعدم التقدم معنا لا ترتبط بإيران في المكان الأول، بل ترتبط أكثر بالسياق الفلسطيني، ومكانة السعودية كحامية للأماكن الإسلامية المقدسة”.

على حد قول شاين فإننا “كلما تحدثنا عن إمكانية تطبيع العلاقات معهم، يكون هذا أقل أهمية للسعوديين، فهم غير ناضجين للتطبيع ويرغبون في أن يواصلوا معنا من تحت الرادار”.

كما أسلفنا، فإن إسرائيل لا تيأس أمام النشاطات السياسية الإيرانية. وتقول شاين إن “هذا ليس في مستوى ما فعله الإيرانيون حول إسرائيل. فالجهاد الإسلامي ملتزم بإيران، وكذا حزب الله. إذ إنهما متعلقان بإيران اقتصادياً أيضاً. أما بالنسبة للدول التي أقامت إسرائيل علاقات معها فهي تخاف من إيران، ولا تريد العمل ضدها. هذا لا يقلل من قيمة اتفاقات إبراهيم”.

فشل عزل إيران

رغم التخوف من وحدة الساحات في إسرائيل لا يرون في الشبكة الإيرانية حول إسرائيل تهديداً استراتيجياً. “يمكن لإسرائيل أن تتصدى لمثل هذا التهديد بسهولة كافية”، يقول مصدر سياسي. “تحاول إيران محاصرتنا مثلما نعمل نحن حولها، لكن هذا لا يحصل. نشاطهم مع منظمات الإرهاب هو في المستوى التكتيكي فقط. إذا كانت للنظام الإيراني قدرة عتبة نووية، فإننا نكون انتقلنا إلى مرحلة أخرى”.

إن انتشار الشبكة الإسرائيلية حول إيران والسعي إلى توسيع اتفاقات إبراهيم هما هدف مركزي في سياسة وزارة الخارجية، لكن كل المحافل التي تحدثنا معها في إطار إعداد هذا التقرير تعترف بأن إيران في الأشهر الأخيرة نجحت في ضرب الجهود لعزلها إقليميا. “هي لم تنتصر في الحرب، ولا حتى في المعركة في هذا السياق، لكنها نجحت في الحفاظ على مكانتها بشكل كبير جداً، وهي تشعر بأن الميل انقلب مع الدول السُنية ولهذا فهي تبذل جهداً أيضاً مع الأردن ومصر”، يقولون في وزارة الخارجية.

التهديد العسكري على حاله

في ساحة أخرى على الخريطة أصبحت إيران لاعباً مهماً في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فتعاون النظام الإيراني مع الكرملين أصبح حيوياً بالنسبة لروسيا في الجهد الحربي لهزيمة أوكرانيا.

في نهاية الأسبوع الماضي أصبح الحلف العسكري استراتيجياً أيضاً بعد أن وقع رئيسي وبوتين على اتفاق لبناء سكة حديد من الهند إلى روسيا ستصبح طريقاً تجارياً ذا مغزى.

“إن فشل الجهود الدبلوماسية لإعادة إيران إلى الاتفاق النووي ومشاركة طهران في الحرب في أوكرانيا يوفران فرصة للولايات المتحدة وللغرب لتبني نهج مختلف يلجم التطلعات النووية للجمهورية الإسلامية ونزعتها العدوانية، ويمنع الانجراف من جانب دول الشرق الأوسط باتجاه روسيا والصين، ويوفر إنجازاً مهماً للغرب في الصراع على النظام العالمي الجديد”، يقول بن شباط.

“على الولايات المتحدة أن تضع خياراً عسكرياً أمام إيران. حتى الآن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي أثبتت نفسها في لجم التطلعات النووية لإيران. يجب عدم الأخذ بالحجة بأن دوراً كهذا سيجر الولايات المتحدة إلى حرب. فكل سيناريو آخر هو ذو احتمالية أعلى للحرب”.

لأجل ردع إيران تسير إسرائيل بثبات نحو الحل الفاعل الوحيد المتبقي على الطاولة: إعداد تهديد عسكري ذي مصداقية “لن تنقل إسرائيل المسؤولية عن أمنها إلى أيادي جهات خارجية”، يقول مصدر سياسي. وبالفعل يكاد لا يمر أسبوع لا يكرر فيه نتنياهو التهديد العسكري لإسرائيل ضد إيران. في النهاية سنرى أن الورقة التي ستلوّح فيها إسرائيل أمام إيران لن تكون هي السياسية بل العسكرية.