على وقع «الضربة القاضية» نظرياً للهجوم على إيران والتهديدات المتصاعدة إسرائيلياً، والضخ الصاخب لوسائل الإعلام بأن «إسرائيل أمام هدف كبير» كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي وبدا كأن المسرح يتجهز لحرب إقليمية كبرى، كانت تدور بهدوء محادثات بين إيران والولايات المتحدة في العاصمة العُمانية هدفها التوصل لاتفاق مع طهران.
وما كان همساً خفياً في البدايات تحول إلى خبر معلن تحاول أطراف الحوار كبح تفاؤلها لكن بات واضحاً أن هناك شيئاً يدور في أقصى شرق العواصم العربية هو وليد حاجة متزايدة تفرضها ضرورات دولية وإقليمية.
إسرائيل تراقب بقلق لأن الرياح لا تسيير حيث سفنها التصعيدية، وتدور تساؤلات كبيرة في تل أبيب تترافق مع شعور مؤكد بتراجع تأثير حكومة نتنياهو على إدارة بايدن، وهو ما كان قد أشار له عاموس يدلين قبل أشهر بأن توتر العلاقة مع واشنطن يشكل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي وسط سخرية سموتريتش وبن غفير.
يوم السبت الماضي أعلن العراق أنه سيحول 2.67 مليار دولار لطهران كانت مدينة لها مقابل غاز وكهرباء حصل ذلك بعد ضوء أخضر تلقاه وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين من أنتوني بلينكن على هامش مؤتمر الرياض، وجرت عملية تبادل أسرى نضجت خلال مفاوضات مسقط ؟ ما يعني أن هناك مؤشرات نجاح ما في هذا الحوار الذي حاولت أطرافه التكتم أو إعطاء تصريحات عامة، لكن النتائج الأولية والانفعال الإسرائيلي يشير لغير ذلك.
لماذا تحتاج واشنطن للاتفاق ؟ هناك عاملان ملحان يضغطان على القرار الأميركي منذ فترة طويلة، أولهما الضغط الإسرائيلي المكثف بالتهديد بالحرب وإشعال حريق هائل تصل نيرانه لكل العواصم. فإسرائيل باتت تتصرف بلا توازن تظهر قوة وضعفاً في آن وتعود لتضع خطوطاً حمراء وحدوداً للتخصيب عند مستوى 90% ما يعكس ضعف الحيلة أكثر من القوة، فأي اتفاق بالنسبة لواشنطن سيوقف عملية التخصيب وهذا ما تريده أولاً.
المسألة الثانية تتمثل بالحاجة الشديدة لإيجاد كميات أكبر من النفط، وهو ما يعني تخفيض سعره ما يشكل خسارة لروسيا التي يساهم ارتفاع الأسعار في دعم مجهودها الحربي، وقد كان ذلك سبباً أميركياً لتوقيع اتفاق الغاز بين إسرائيل ولبنان في محاولة لإيجاد مصادر للغاز تضعف الاحتكار النسبي الروسي، ولهذا السبب أعادت الولايات المتحدة إحياء المفاوضات مع إيران نهاية الصيف الماضي.
يصبح الأمر ملحاً في ظل تزايد الابتزاز الذي باتت تمارسه منظمة أوبك تباعاً بعكس ما طالبت به الولايات المتحدة مراراً وبذلت ما يكفي من الجهود في المنطقة، وبات واضحاً أنها فقدت الأمل بعد تكرار التخفيض المتواصل ما يعني ضمان الدعم الروسي وهو ما يشكل أزمة للأمن الأوروبي وبالتالي الأميركي.
حينها تعثرت المفاوضات بسبب مسألتين الأولى الشعور الإيراني بالحاجة الأميركية ورغبتها باتفاق يمس بصديق طهران الروسي فكانت تدير مباحثات باردة ومن موقع قوة، والثانية والأهم النجاح الإسرائيلي بعد زيارة يائير لابيد رئيس الحكومة إلى واشنطن وتمكنه من إقناعها بعدم الاتفاق وقد أعلن عن ذلك في حملته الانتخابية، وفي تلك اللحظة كان الوقت يعتبر حساساً بالنسبة لإدارة بايدن المستعدة للتراجع عن كل جهد يقلل فرص نجاح لابيد وحتى لا يستخدم نتنياهو الاتفاق للمس بصورة رئيس حزب «ييش عتيد» كما روج عن الاتفاق مع حزب الله للدلالة على ضعف خصمه وعدم أهليته لقيادة إسرائيل متعهداً بالتراجع عنه.
تلاشي قوة التأثير الإسرائيلية على إدارة بايدن ووجود نتنياهو في الحكم يزيح من طريقها إحدى عقبات الاتفاق، بل إن وجود نتنياهو والتهديدات المتصاعدة عامل يضاف إلى عوامل الدفع باتجاهه لتشعر إدارة بايدن بحرية أكبر. فقد أحالت مبكراً إدارة الملف للخبير بشؤونه روبرت مالي الداعم باتجاه عودة الاتفاق مع طهران بعد أن قام ترامب بالتنصل منه ليعطي لإيران رخصة رفع نسبة التخصيب.
الباحث الأميركي هنري روم الخبير في الشأن الإيراني في معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط عرض ثلاث طرق لعمل إدارة بايدن وهي: إما تفاهمات وليس اتفاقاً تجنباً لرفض الكونغرس أو اتفاقاً كاملاً أو مزيداً من العقوبات والضغط على إيران.
وإذا ما تم الوقوف أمام الخيار الثالث بالعقوبات فهذا لن يساعد واشنطن بسوق النفط وفي ضرب أوبك وموسكو.
نبقى أمام احتمالين وهما الاتفاق بصرف النظر إن كان يتم عرضه على الكونغرس أو تفاهمات لا يتطلب الدستور عرضها عليه إذ تكفي مصادقة الرئيس، نبدو أمام متغير مهم.
ولكن ماذا عن إيران التي تنفتح أكثر على الإقليم ومع الصين وروسيا والدول العربية ؟ فهي ليست في وضع يدفعها للإسراع في توقيع الاتفاق.
هذا نظرياً لكن الحقيقة أن الأزمة الاقتصادية تستفحل في إيران وتتحول إلى معارضة سياسية، وأن إيران بحاجة للعشرين مليار دولار التي ستحول لحظة التوقيع على الاتفاق وهذا أقرب للمنطق حيث مصالح الطرفين التي تزداد إلحاحاً باتفاق واضح أن مفاوضات مسقط مختلفة عن السابق. فهل ستفرض مستجدات صيف هذا العام ما هو مختلف عن الصيف الماضي؟