لم تستسلم جنين ومخيمها وكذلك مدن شمال الضفة أمام قوة النار" الإسرائيلية" مُنذ إطلاق الاحتلال حملته العسكرية المسماة "كاسر الأمواج" قبل سنتين للقضاء على "كتيبة جنين، وعرين الأسود"، فكانت المفاجأة للاحتلال بالعبوات الناسفة التي أدت لتفجير مدرعة "النمر" المصفحة في الـ19 من يونيو الماضي، ولم تتوقف نجاحات المقاومة هنا فقد أعلن الاحتلال عن اكتشافه لإطلاق قذيفة من جنين تجاه موقع المستوطنات.
محاولة إطلاق القذيفة لم تنجح؛ لكِنها فتحت باب التساؤلات داخل الاحتلال حول جرأة المقاومة في الضفة؟ بينما قلل آخرون من الخطوة واعتبروها إعلامية فقط، مع العلم أنَّ الاحتلال أعلن في الـ25 من يونيو الجاري، عن اعتقال فلسطيني امتلك صاروخ في بيت حنينا في القدس، لإطلاقه بالتزامن مع مسيرة الأعلام الإسرائيلية.
وفي أيار/ مايو الماضي، كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن عن عثوره على منصة إطلاق صواريخ في قرية نزلة زيد قرب جنين، شمالي الضفة الغربية المحتلة.
وخلال العدوان الأخير على غزة، زعم رئيس الشاباك، رونين بار، أنَّ جهازه اعتقل عدداً من الفلسطينيين التابعين لحركة "الجهاد الإسلامي"، بزعم تخطيطهم لإطلاق قذائف صاروخية من منطقة جنين باتجاه مواقع "إسرائيلية".
إطلاق صواريخ من الضفة.. البنية التحتية غير متوفرة
من جهته، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أنَّ "محالات إطلاق صواريخ من مدن شمال الضفة الغربية نحو المستوطنات الإسرائيلية، يشغل الأوساط الأمنية والإعلامية للاحتلال، وتصفه بالتطور الكبير في أدوات المقاومة الذي يشكل تحدي أمني لإسرائيل".
وأوضح منصور، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنَّ "الاحتلال حذَّر أكثر من مرة من وصول تقنيات إطلاق الصواريخ للضفة"، لافتاً إلى أنَّ واقع الضفة مُعقد أمنياً بسبب سيطرة الجيش والشاباك الإسرائيلي على الميدان، بالإضافة إلى التداخل الجغرافي بين المدن الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية؛ الأمر الذي يجعل إمكانية تطوير هذه الأداة مهمة صعبة.
وأضاف: "إسرائيل ستبذل جهد كبير من أجل الوصول للمصنعين والجهات التي تُحاول تطوير هذه الأداة"، مُردفاً: "وربما تتخذها كذريعة لشن حملات أمنية لتطوير وتوسيع هجومها؛ لذلك هذا ينطوي على مخاطرة كبيرة، لأنَّ واقع الضفة من الصعب أنّ يُشكل بنية تحتية وحالة مستقرة ومعزولة عن الاحتلال لإنشاء بيئة إطلاق صواريخ من الضفة".
وأكّد منصور، في ذات الوقت، على أنَّ مجرد المحاولة يُثبت أنَّ المقاومة تُحاول إدخال أدوات جديدة لتردع الاحتلال "الإسرائيلي".
الصواريخ.. أحد عوامل شن عملية سور واقي
أما عن احتمالية اتخاذ الاحتلال عملية إطلاق الصواريخ ذريعة لشن عملية سور واقي 2 في مدن شمال الضفة الغربية، قال منصور: "إنَّ هذا الأمر قد يكون واحداً من العوامل التي تزيد الأصوات الداعية لتنفيذ عملية سور واقي 2 في الضفة"، مُستدركاً: "الاحتلال الإسرائيلي لا يستخف بشيء وسيتخذ هذا الأمر كذريعة لإضافتها لجملة عوامل ممكن أنّ تؤدي في المستقبل لعمل عسكري أوسع في حالة سماح الوضع الداخلي والإقليمي بذلك".
أما الخبير العسكري، يوسف الشرقاوي، فقد رأى أنَّ ما جرى من محاولات إطلاق قذائف من شمال الضفة نحو المستوطنات الإسرائيلية، يأتي ضمن التجارب، لافتاً إلى أنَّ قطاع غزّة قام بتجربة الصواريخ ونجحت التجربة.
وقال الشرقاوي، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ نجاح التجربة في الضفة يبقى محدوداً وإعلامياً"، لافتاً إلى أنَّ نجاح تجربة الصواريخ تحتاج إلى بيئة آمنة، وهو الأمر الغير متوفر في الضفة؛ ولكِنه يبقى في إطار التجربة.
تطوير أدوات المقاومة
من جهته، أشار المختص في الشأن الإسرائيلي عليان الهندي، إلى أنَّ السياسة الإسرائيلية في الضفة، كانت خلال السنتين الماضيتين دامية، حيث كان واضحاً أنَّ الأسلحة التقليدية للمقاومة في مواجهة الأسلحة الثقيلة للاحتلال؛ وبالتالي في كل لحظة يتم محاولة ابتكار أفكار جديدة لمواجهة الاعتداء الإسرائيلي الهمجي وحجم القتل الكبير الذي لا يتناسب مع حجم وقوة مخيمات اللاجئين، وبالتالي من الطبيعي التفكير بذلك، خاصةً أنّه من الممكن تعلم صنعها عبر الإنترنت.
وبشأن إمكانية تطوير الصواريخ في الضفة، قال الهندي في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ إمكانية ذلك ستبقى محدودة نوعاً ما في بيئة الضفة؛ ولكِن هناك ميزة أفضل من الصواريخ والعبوات الناسفة للمقاومة وهي الطرق الالتفافية حيث يتجول المستوطنون في الطرق الالتفافية الغير بعيدة عن مدن الضفة وفي أسوأ أحوالها بعيدة 6 كيلو وفي أفضل أحوالها 2 كيلو وفي أحياء يتم المرور مباشرة من أمام التجمعات مباشرة".
وأردف: "إذا أرادت إسرائيل منع عمليات إطلاق النار يتطلب تجنيد عشرات الآلاف من الجنود لحراسة الضفة الغربية".
واستبعد الهندي، في ختام حديثه، تنفيذ عمليات تهجير جماعي لسكان الضفة حال نجاح إطلاق صواريخ من مدن الضفة إلى مدن شمال الضفة، مُنوّهاً إلى أنَّ المجتمع الدولي لم يقبل لـ"إسرائيل" بإخلاء الخان الأحمر التي تضم 100 شخص فقط، فكيف سيسمح بطرد جماعي للفلسطينيين للمرة الثالثة خلال 100 سنة.