بيان الثمانية عشر قرارا.. الذي تلاه السيد نبيل أبو ردينة باسم القيادة، تضمن نقطتين تستحقان التوقف عندهما.
الأولى: دعوة الأمناء العامين لاجتماع طارئ للاتفاق على رؤية وطنية شاملة، وتوحيد الصف لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتصدي له.
الثاني: تقنين العلاقة مع الإدارة الأمريكية.
الأمناء العامون غالبا ما يتم اجتماعهم عبر الفيديو كونفرنس، والمكان المرشح لذلك هو بيروت، حيث يستطيع "النخالة" التواجد العلني، وهذا أمر حدث من قبل، ونظراً لتوفر تكنولوجيا الاتصالات فبالإمكان مشاركة السيد إسماعيل هنية، أو خالد مشعل أو حتى السنوار من القاهرة والدوحة وغزة، أمّا أمناء فصائل منظمة التحرير، فهم جميعا يستطيعون المشاركة من دمشق وغزة ورام الله.
ومثلما حدث أكثر من مرة، فالرئيس عباس سيجلس على رأس الطاولة، وسيتوقف كثيرون عن وصفه -بالمنتهية ولايته- على الأقل إلى حين انفضاض الاجتماع، وسيسمع المهتمون بهذا الأمر على قلتهم خطبا ومواعظ حول حتمية الوحدة، وانهاء الانقسام، والشروع في حوار ناضج وجدي ومعمق، كان قد بدأ قبل ستة عشر عاما أي في الشهور التي تلت الانقسام واستغرق الآف الساعات، وسيتجدد في اللقاء الطارئ المزمع ترتيبه حين تكون معركة جنين "الداعية للاجتماع" قد وضعت أوزارها، فينصرف أهل جنين والمخيم إلى ترميم ما تهدم من بنية تحتية لحياتهم وبلسمة جراح المئات ممن أصيبوا في هذه المعركة والمعارك التي سبقتها، والاستعداد لتلقي ضربات جديدة من البر والجو في الجولة القادمة، وزيارة أضرحة الشهداء الجدد والقدامى، ومواصلة مناشدة سلطتهم وقيادتهم لحمايتهم.
وهذه حالة متكررة في حياتنا الفلسطينية، حيث بين كل معركة كبيرة وأخرى سلسلة معارك صغيرة تتناوب على رؤوس الناس في كل مكان على أرض الوطن.
الملفت في حكاية دعوة الأمناء العامين لاجتماع طارئ أن كلمة "طارئ" تشير إلى أن هنالك اجتماعات عادية ودورية وهذا أمر لا وجود له.
والملفت كذلك أنه وبعد كل ما جرى من معارك وحروب وتحديات وإراقة للدماء سيجري من خلال الاجتماع المنشود وضع رؤية وطنية شاملة.. فكأن التحديات بدأت أمس وتتطلب معالجةً اليوم.
الاجتماع هو اجراء تقليدي يُلجأ إليه بعد كل معركة، وأحيانا يقال أن الاجتماع سيظل في حالة انعقاد دائم! فهل سيعقد الاجتماع الطارئ فعلا؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ سنعرف ما دمنا ما نزال نستمع إلى الراديو ونقرأ الصحف!
الملفت للنظر كذلك هو القرار القاضي بتقنين العلاقة مع الإدارة الأمريكية، هذا القرار ينطوي على مفارقة، وهي أن الذي بادر بتقنين العلاقة هم الأمركييون، الذين لم يقننوا علاقاتهم الديبلوماسية وحسب، بل انقلبوا على الفلسطينيين وغيروا أسس وآليات العلاقات معهم شكلاً وموضوعاً، شكلاً أرسلو لنا هادي عمرو بعد أن كانت المقاطعة تستقبل الرؤساء ووزراء الخارجية ومستشاري الأمن القومي، وموضوعاً..
انخفض مستوى الحديث من سياسي إلى إسعافي، دون إخفاء الغرض الرئيسي منه، وهو مجرد الحفاظ على السلطة من الانهيار، وتوصية الإسرائيليين حين يضربون، بأن لا يبالغوا في استخدام القوة، مع منحهم غطاءً سياسياً هو تكرار القول الأمريكي أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها.
غير أن للواقع وللحقيقة وجها آخر، لا تعبّر عنه السلطة الرسمية، ولا الأمناء العامون الذين يُفطن لهم في أوقات متباعدة، مع أنهم لا يفطنون لدورهم إلا من خلال أجندات فصائلهم الخاصة.. الواقع وخصائصه يقولان أن جنين المخيم والمدينة، أضحت الناطق الرسمي باسم الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها، فلا هي إيرانية ولا تابعة لأية قوة وجهة خارج حدود الوطن الفلسطيني.
إنها فلسطينية أولاً وأساساً ولا أحب أن أقول أخيراً، ولعلني في غنى عن التذكير بأن المقاومة الفلسطينية للاحتلال، ولدت قبل ولادة الثورة الإيرانية، وجنين جزء لا يتجزأ من الظاهرة.