تحقيق الأمن للمواطن الفلسطيني يتقدم على أية أجندة سياسية ثبت عقمها

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم المحامي زياد أبو زياد

 

ودع أهالي بلدة برقة مساء أمس الشهيد قصي جمال معطان (19) عاما الذي قُتل أمس الأول برصاص مستوطن من البؤرة الاستيطانية عوز تسيون المقامة على أراضي البلدة. ووفقا للمصادر الإسرائيلية فإن المستوطنين دخلوا حقول البلدة ومعهم قطيع من المواشي بحجة أنهم يرعونها فخرج أهالي البلدة وتصدوا لهم دفاعا ً عن ممتلكاتهم وحاولوا طردهم من حقولهم وتراشق الطرفان بالحجارة فقام المستوطنون بإطلاق النار وقتلوا قصي وأحرقوا مركبة فلسطينية وأصابوا عددا ً آخر من المواطنين الفلسطينيين بجراح.


الاعتداء على أهالي برقة والدخول الى حقولهم ومحاولة الاستيلاء عليها ليس حدثا ً غريبا ً بل أصبح جزءا ً من الاعتداءات الروتينية اليومية التي يقوم بها المستوطنون ضد أبناء شعبنا في القرى والبلدات الفلسطينية على طول وعرض الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقبل يوم واحد قام مستوطنون من مستوطنة يتسهار في منطقة نابلس بالاعتداء على بلدة بورين وأحرقوا السيارات وقذفوا البيوت بالحجارة واجتثوا الأشجار. وقبل ذلك بيومين كانت هناك عملية مماثلة ضد أهالي عصيرة الشمالية، ناهيك عما يحدث يوميا ً في الأغوار ومسافر يطا وقرى وبلدات كافة المحافظات الفلسطينية.


الصورة بشكل عام في الضفة الغربية هي أن هناك جماعات مارقة مسلحة من المستوطنين تحاول بث الرعب بين الفلسطينيين بالاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم في عقر دورهم. وهؤلاء المستوطنون المسلحون يطلقون شعورهم ويرتدون القبعات المنسوجة والملابس ذات النمط السلفي القديم وكأنهم يمثلون مسرحية توراتية تاريخية أو يعيشون فعلا في عصر الدولة اليهودية القديمة.

 

 وهم لا يعترفون بأي حق أو قيمة إنسانية لمن هم من غير اليهود ويستبيحون لأنفسهم أموال وأملاك وحياة غير اليهود، ومن بين هؤلاء خرج أمثال وزير الأمن الوطني الحالي تلميذ كهانا والسائر على نهجه ايتمار بن غفير الذي يؤمن بقداسة باروخ جولد شتاين منفذ مذبحة الحرم الابراهيمي في الخليل في صلاة فجر يوم 25 شباط 1994 الموافق 15 رمضان 1414 والتي أسفرت عن قتل 32 مواطنا ً من المصلين.


وللأسف الشديد فإن المستوطنين المسلحين الذين يقومون بهذه الجرائم ضد العرب ينجون دائما من العقاب بالرغم من محاولات السلطات الإسرائيلية اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية لإعطاء الانطباع بأنها ستعاقبهم.


وبالرغم من اعتقال قاتل قصي معطان إلا أنه اعتقل في ظروف خاصة وتم مثلا أخذ سلاحه ولم يؤخذ منه هاتفه النقال وكان يتواصل مع أصدقائه ومحاميه بواسطة الواتساب كما ذكر أحد مراسلي صحيفة "هآرتس" ونقلت عنه القناة 12 العبرية. ويجب ألا يستغرب أحد اذا تم اطلاق سراحه بعد أيام بالكفالة وتم عرضه على المحكمة في "مسلسل" من الجلسات تنتهي إما ببراءته بحجة الدفاع عن النفس أو لعدم كفاية الأدلة كما جرت العادة.


والسؤال الذي يطرح نفسه هو: اذا كان من حق المستوطن اليهودي المسلح أن يدافع عن نفسه فلماذا لا يكون مثل هذا الحق متوفرا ً للإنسان الفلسطيني.

 

 وهذا السؤال لا أطرحه على سلطات الاحتلال وإنما أطرحه على القيادة السياسية الفلسطينية التي بأمرها تأتمر الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تقوم بمصادرة السلاح من المواطنين الفلسطينيين المهددين من قبل قطعان المستوطنين حتى لو كانوا يحتفظون بالسلاح للدفاع عن أنفسهم من هجمات المستوطنين وليس للمبادرة بأي عمل ضد أحد.


أنا لا أستعبط!
ولكني أقول بأن من حق المواطن الفلسطيني أن ينعم بالأمن والأمان على نفسه وماله وممتلكاته. والجهة الوحيدة المطالبة بأن توفر له ذلك هي السلطة الفلسطينية التي يجب أن تقف حائلا ً بين قطعان المستوطنين وبين المواطنين الفلسطينيين، وأن تتصدى للمستوطنين وتصد اعتداءاتهم. وهنا يجب تثبيت مفهوم وفهم جديد للتنسيق الأمني بأن يكون هذا التنسيق مكرسا ً لحماية أمن المواطن الفلسطيني أيضا ً وبنفس القدر الذي تحرص فيه السلطات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على توفير الأمن للمواطن الإسرائيلي.


فالمعادلة يجب أن تكون واضحة وهي أن حياة الفلسطيني لا تقل قيمة عن حياة الإسرائيلي وأن تحقيق الأمن للإسرائيليين لا يمكن أن يتم إلا بتحقيق الأمن للفلسطينيين، وأن رجل الأمن الفلسطيني يجب أن ينحاز الى جانب تحقيق الأمن لأبناء شعبه، وأن ذلك هو الدور الأول والرئيسي الذي يجب أن يقوم به، وأن هذا الدور يعلو على أية أجندة سياسية وخاصة تلك الأجندة التي ثبت عقمها.


وأقول مرة أخرى بأنني لا أستعبط، ولكن اذا كان فيما أقول أمرا ً يبدو مستحيلا ً للبعض فإن من غير المستحيل التمسك بمبادئ العدل والمساواة وعدم التمييز بين قيمة حياة انسان وانسان آخر أو بين لون دم انسان ودم انسان آخر. وتحقيق هذا العدل وهذه المساواة لا يمكن أن يتم إلا من خلال انهاء الاحتلال ودحر العنصرية والفاشية العرقية.