حوّارة من جديد، وحوّارة دائماً، ودائماً كلّ المدن والمخيّمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي قلبها القدس.
يوم كانت الوفود في العقبة الأردنية، تناقش ملفّ التصعيد الإسرائيلي الخطير في الضفة، وتضع على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التزامات، لمنع تدهور الأوضاع في الضفة، كان المستوطنون يرتكبون مجزرة في حوّارة، وكان الجيش هناك، أيضاً، الصراخ الإسرائيلي الذي لا يتوقّف مُحذّراً من انتفاضة شاملة ومُسلّحة في الضفة، مُجرّد ذريعة لارتكاب المزيد من الجرائم، لتحضير الميدان، الذي تتوقع وتسعى إسرائيل لحسم الصراع فيه وعليه.
ينشغل الإسرائيليون منذ بداية العام في صراعٍ حول التعديلات القضائية، التي ستحوّل إسرائيل إلى دولة ديكتاتورية وتعمّق منهجها العنصري الفاشي، لكن لا تسمع من أيّ حزبٍ أو مسؤول تصريحات تعارض سياسة الحكومة والمستوطنين تجاه الفلسطينيين.
بتسلئيل سموتريتش وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع يدعو الحكومة والجيش لاستعادة الردع في الضفة، وكأنّ الفلسطينيين في الضفة هم الذين يتحمّلون المسؤولية عن تآكل الردع الإسرائيلي.
ويدعو سموتريتش الجيش لاستعادة المبادرة نحو الهجوم وكأنّه يلتزم سياسة الدفاع تجاه مقاومين فلسطينيين يملكون أسلحة خفيفة، لكنهم يملكون إرادة قويّة دفاعاً عن حقوق الشعب.
في الحقيقة فإنّ ثمّة دوراً يلعبه الجيش من موقع الدفاع، لكنّه دفاع عن المستوطنين والمستوطنات، دفاع عن الاحتلال، وسياساته المجرمة والعنصرية، وهو دفاع عن العنصرية في مواجهة القوانين والقيم والقرارات الدولية.
الجيش الإسرائيلي مبني أساساً على العدوانية، والهجوم وتدمير الآخر، وارتكاب كلّ أشكال جرائم الحرب، والجرائم الإنسانية ضدّ الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، والتاريخ على ذلك يشهد.
لا فائدة من المُراهنة على اجتماعات قد تتكرّر، بعد «العقبة» و»شرم الشيخ»، لمحاولة تخفيض التصعيد، وتقوية السلطة الوطنية، فبالرغم ممّا تمّ الاتفاق عليه، فإنّ الولايات المتحدة لم تمارس أي مستوى من الضغط على حكومات نتنياهو.
كانت الإدارة الأميركية قد طلبت من حكومة نتنياهو، تقديم تسهيلات من أجل تقوية السلطة ودورها، وتمكينها من احتواء ما يُسمّونه الفوضى، لكن ذلك لم ينجح، ومن غير المحتمل أن تحصل السلطة على مثل هذه الفرصة.
الأصل في الموضوع هو أنّ إسرائيل بسياساتها، وإرهابها، ودعمها للمستوطنين، وتشجيعهم على حمل السلاح، وممارسة العدوان المتكرّر على الفلسطينيين هي المسؤولة حصرياً عن إضعاف السلطة.
السلطة تعاني أزمة مالية متفاقمة، سببها القرصنة الإسرائيلية الرسمية على أموال المقاصة، ولا أحد عربياً أو أجنبياً مستعد لأن يعوّض هذه الأموال المسروقة.
ربّما لا تحتاج السلطة إلى تعويضات تسدّ الثغرة الكبيرة التي تتسبّب بها القرصنة الإسرائيلية لو أنّ ثمّة إمكانية لعدالة دولية قادرة على استرجاع الحقوق، ولكن في غياب هذه وتلك، سيظلّ الحديث عن «تسهيلات» إسرائيلية كلاماً فارغاً.
إيتمار بن غفير وقبله سموتريتش يقرّر اعتماد 120 مليون شيكل لدعم الاستيطان في القدس، والحكومة تقرّر «خطّة خمسية» من أجل السيطرة على العاصمة الفلسطينية، فهل لهذا الأمر حساب في الحديث عن ضعف السلطة أو قوّتها.
نفهم ونتفهّم تماماً أبعاد السياسة التي تضمّنها خطاب الرئيس محمود عبّاس في اجتماع الأُمناء العامين في مدينة العلمين الجديدة، ونفهم ونتفهّم أن تغيير هذه السياسة، بما تستدعيه السياسة العنصرية، والإرهابية الإسرائيلية، أمر لا يتم بهذه السرعة والسهولة.
ونفهم ونتفهّم أن التزام السلطة بهذه السياسة، يؤدّي إلى تحسين صورة فلسطين على الصعيد الدولي، وربّما يحقّق المزيد من الإنجازات الدبلوماسية والحقوقية لفلسطين، وأنّ مثل هذه الإنجازات تشكّل انتصارات بالنقاط على الاحتلال، حتى لو كان سيواصل مقاومة كلّ قرار أو جهد دولي بالخصوص.
ولكن هل يمكن تفهُّم أنّ السلطة هي الأخرى، تعتبر المقاومة في الضفة، السبب أو سبباً رئيساً في ضعف دورها.
إسرائيل تريد تقوية السلطة أمنياً، بما أنّها تواصل «التنسيق الأمني» ومحاولة احتواء المقاومة، ولكنها أي إسرائيل تعمل على ألا يتجاوز دور السلطة، دور أي هيئة محلية، لا بعد سياسياً لها.
واقع الحال يشير ويؤكّد على أنّ لا قمع الاحتلال ولا اعتداءات المستوطنين ولا محاولات احتواء المقاومة، من شأنه أن يُحجِّم هذه المقاومة طالما أنّ الاحتلال يُمعن في إرهابه ويُوسّع دائرة قمعه للفلسطينيين.
التجربة الملموسة تقول: إنّ «كتيبة جنين» كانت قبل نحو عامٍ تغرّد وحدها، فما الذي أدّى إلى نشوء «كتائب» في نابلس وقلقيلية، وأريحا، وطولكرم، وبيت لحم، والأرجح أنّ بقيّة المدن والقرى والبلدات الفلسطينية ستنضمّ هي الأخرى لمسيرة «الكتائب».
ليست السلطة هي من يتحمّل المسؤولية عن توسُّع دائرة المقاومة، ولا هي إيران أو «حماس».. أو غيرها، وإنّما هي إسرائيل ومن يقف خلفها هم من يتحمّل المسؤولية عن تصاعد المقاومة.
ليس علينا كفلسطينيين أن نتوقّع تغييراً في البرامج السياسية للقوى الفاعلة فلسطينياً وإن كنّا نأمل ذلك، ولكن ثمّة إمكانية وضرورة لتحقيق توافق وطني شامل بشأن تصعيد المقاومة ولو من باب الدفاع عن النفس.