خمسة وثلاثون قتيلاً، أغلبيتهم من المستوطنين منذ بداية العام، مع تصاعد بشاعة وإجرام الاحتلال للأرض الفلسطينية.
المستوطنون ليسوا أبداً ولم يكونوا في حالة دفاع عن النفس أو عن أي حق، إنهم يستولون على الأرض، ويستخدمون العنف بكلّ أشكاله لإرغام أهل الأرض، على الرحيل أو الاستسلام أو الموت، أو الاعتقال.
الخيارات كثيرة أمام أصحاب الأرض الفلسطينية ولكن ليس من بينها أي حقوق سياسية، أو أي استقرار أو كرامة.
لا يعرف جيش الاحتلال أن يلعب دوراً محايداً حتى للتغطية على الأهداف السياسية للحكومة العنصرية المتطرّفة، فهو يتبادل الأدوار مع ميليشيات المستوطنين، ويؤمّن لهم الحماية، ويرتكب أفظع الجرائم.
ثمة من يحاولون أخذ القانون باليد والاستعجال في حسم الصراع، دون أي حسابات داخلية أو خارجية، فإلى جانب الجيش، يوجد بتسلئيل سموتريتش الذي يحمل حقيبتي الاستيطان والمالية، ويقدم لميليشيات المستوطنين كلّ دعم مادي وسياسي لتعويض ما يصفه بتساهل الجيش مع المقاومين الفلسطينيين.
ستجد إسرائيل نفسها بعد وقتٍ ليس طويلاً أمام أزمة أخرى عدا الأزمات التي تضربها كل الوقت، وتتمثّل في تصاعد التناقض بين مؤسّسات الدولة وبين مجمّع الاستيطان وميليشياته.
بعد عملية الخليل الأخيرة، تظاهر العشرات من المستوطنين أمام منزل رئيس الحكومة، يطالبون الجيش باستخدام أقصى القوّة للقضاء على المقاومة الفلسطينية المتصاعدة.
لا ينظر أحد في إسرائيل لا من الائتلاف الحاكم، ولا من «المعارضة»، إلى الحصيلة التي يتكبّدها الفلسطينيون جرّاء بطش الاحتلال ومستوطنيه.
مائتان وثمانية وسبعون شهيداً في الضفة الغربية والقدس منذ بداية العام الحالي، وآلاف المعتقلين، عدا المصابين، والأرض التي تسرق، والبيوت والمدارس والمؤسّسات التي يجري تدميرها وتشريد ساكنيها.
السياسة الإسرائيلية واحدة تجاه كل الفلسطيني وكلهم يخضعون لسياسة ممنهجة تستهدف قتلهم أو ترحيلهم، فلقد تجاوز عدد قتلى العنف الداخلي في أراضي 1948 هذا العام، المائتي ضحية.
إسرائيل هي التي تقف خلف الصراعات العائلية والقبلية، وتحت ناظريها يمرّ السلاح إلى أيدي العابثين، بينما تقف الشرطة متفرّجة أمام الدّم الفلسطيني المسكوب.
سموتريتش أوقف تقديم المدفوعات للهيئات المحلية العربية، بالرغم من أنّها لا تقدِّم حلولاً أو خدمات جيدة للفلسطينيين.
الكلّ في إسرائيل مرتبك بعد عملية الخليل وقبلها بيومين عملية حوّارة، فيما يتعرّض الجيش والأجهزة الأمنية، لاتهامات بالفشل ويتبادل الاتهامات مع المستوطنين الذين يُؤجّجون الصراع، ويخلقون الدوافع لدى المقاومين.
المستوى الرسمي السياسي والأمني، ذهب إلى استدعاء شمّاعة خارجية، فالمسؤول هو إيران، وحركة حماس، ويهدّدون باتخاذ إجراءات عقابية.
بالتأكيد، لن تعترف إسرائيل الرسمية أو «المعارضة» بأنّ أصل المشكلة في السياسات الاحتلالية، وإنكار الحقوق السياسية، وأبسط الحقوق للفلسطينيين أصحاب الأرض.
ومرّة أخرى، يعتقدون في إسرائيل أن تقوية السلطة الوطنية الفلسطينية ومنحها بعض «التسهيلات» إضافة إلى «التسهيلات المعيشية والاقتصادية» للفلسطينيين يمكن أن تؤدّي إلى تراجع المقاومة.
لا ينتبه المسؤول الإسرائيلي إلى أنّ جيش الاحتلال لا يتوقّف عن اقتحام المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، ويتّخذ إجراءات عقابية جماعية وبضمنها إجراءات قاسية بحق ذوي المقاومين، وبالتوازي تقوم ميليشيات المستوطنين بارتكاب المزيد من الجرائم، ما يؤدي واقعياً، إلى اتّساع رقعة المقاومة.
في الخليل، اعتمدت الجهات الأمنية الإسرائيلية، خطّة لتصعيد الصراع القَبَلِي في المحافظة الفلسطينية الأكبر، والأكثر سكاناً، وقد نجحت لبعض الوقت، ولكن تلك الجهات أصيبت بصدمة، حين تحوّل السلاح إلى البعد الوطني.
لا يُدرك هؤلاء أن الجرائم التي ترتكبها السياسة الاحتلالية إزاء الحرم الإبراهيمي، وزرع مستوطنة «كريات أربع» وسط الخليل، ستذكّر كل مواطن فلسطيني، بخطورة هذا الاحتلال.
الضفة على موعدٍ مع تصعيد الإجراءات العدوانية الإسرائيلية كردّ فعل على عمليتي الخليل وحوّارة، وللتغطية على الفشل الأمني الذي تعترف به أوساط أمنية وسياسية إسرائيلية.
تضطرّ إسرائيل إلى استدعاء وحدة «دوفدوفان» ووحدة تقصّي الأثر «مرعول»، إضافةً إلى ثلاث وعشرين كتيبة عاملة من الجيش، بالإضافة إلى «الشاباك» والشرطة والعملاء، للوصول إلى المنفّذين.
الفشل أصلاً يكمن في أن كل ما تملكه إسرائيل من أدوات استخبارية، تكنولوجية وبشرية، وعسكرية، فإنّها لا تستطيع منع وقوع عمليّات للمقاومة.
غير أنّ تصعيد الإجراءات العسكرية العدوانية في الضفة، بالطريقة التقليدية المعتمدة حتى الآن، لا يمكن أن يعيد الثقة للجيش والأجهزة الاستخبارية ولا تكفي للتغطية على ضعف وفشل الحكومة. لا بدّ، إذاً، من عملٍ كبير، يسحب من «المعارضة» بعض ذخائرها ويستعيد بعض الهيبة للجيش والحكومة.
برأيي، من المستبعد أن تتّخذ إسرائيل قراراً بإعادة اجتياح واحتلال الضفة كما وقع العام 2002، لأنّ ذلك سيجرّ على إسرائيل ردود فعلٍ إقليميّة ودوليّة صعبة، دون أن تحلّ ما تعتبره مشكلة.
ومن المستبعد أن تقوم بعمل كبير ضدّ إيران، لأنّ حساب ذلك مختلف له تداعيات خطيرة دوليّة وإقليمية.
تلوّح إسرائيل بالعودة لسياسة الاغتيالات، لكن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، أطلق تهديداً واضحاً بأنّ «المقاومة» ستردّ على أيّ عملٍ يستهدف أيّ مؤسّسة أو شخصٍ في لبنان، لذلك لم يبقَ سوى قطاع غزة المرشّح لأن يكون هدفاً للتصعيد باعتباره من وجهة نظر إسرائيلية الحلقة الأضعف والأقلّ تكلفة من حيث الخسائر وردود الفعل الخارجية.