كي لا يكون الأبرتهايد في ظل الشرق الأوسط الجديد بديلاً عن أستقلالنا الوطني

image_processing20220730-467952-v01eg2.jpg
حجم الخط

بقلم مروان ايميل طوباسي

لقد حذف خطاب رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي "القيم الديمقراطية والليبرالية" التي تدعيها عادة حكومة الاحتلال أمام العالم ، وركز بدلاً من ذلك على التهديد الإيراني واتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي المحتمل كما على الرؤية الدينية التوراتية للفكر الصهيوني، وإلغاء وجود شعبنا الفلسطيني من على الخريطة التي أبرزها أمام قاعة فارغة في مقر الأمم المتحدة لإلقاء خطابه السنوي أمام الجمعية العامة، ليشكل بها خارطة الطريق المطلوبة للشرق الأوسط الجديد . وذلك بعد أن بات اليمين الصهيوني الديني القومي الفاشي يتأهب لإحكام سيطرته الكاملة على دولة الاحتلال الاستعماري الذي انشأته الصهيونية الليبرالية ، ويمضي في تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى" .


فبعد سلسلة من التسريبات الاعلامية وتضارب التصريحات من مختلف الجهات حول موضوع التطبيع، حسم ولي العهد السعودي وبعض المسوؤلين الاميركيين أمر عدم فشل مباحثات اتفاق التطبيع وعدم توقفها الى الآن ، كما ان عددا من وزراء حكومة الأحتلال أشاروا إلى ان الاتفاق سيخرج إلى التوقيع قبل نهاية العام الحالي ، الأمر الذي ايده البيت الأبيض ، رغم اعتقادي بأن ذلك سيواجه مطبات وعقبات متعددة إسرائيلية واميركية في اَن واحد لأسباب مختلفة تتعلق بالشأن الداخلي لديهم ومكونات الصراع في نظمهم السياسية.


الا ان هناك اسبابا عدة تجعل الولايات المتحدة تسابق الزمن لإتمام هذا الاتفاق الذي تريد له النجاح بغض النظر عما سيؤدي له على مستوى قضيتنا الوطنية التي تريد استمرار احتكار ادارتها دون حلها ، والتي لا ترى الإدارة الأميركية بها أهمية ملحة أمام أولويات استراتيجياتها الآن في مواجهة الصين وروسيا .


أولها ، أنها تدرك مخاطر دخول الصين وروسيا بقوة إلى الإقليم ، وما تبعه من توقيع اتفاقية المصالحة السعودية الإيرانية ولاحقا توقيع عدد من اتفاقات الشراكة الاستراتيجية مع عدد من الأقطار العربية .


وثاني هذه الاسباب، حرص الإدارة الأميركية على تحقيق إنجاز سياسي يدعم شعبية الرئيس بايدن وتمكين حزبه، رغم ان ترامب وحزبه سيكونان بنفس القدر من الحماسة للوصول إلى توسعة وتمدد اتفاقيات التطبيع .


وثالث تلك الاسباب، حرص الإدارة الأميركية على إنقاذ دولة الاحتلال مما أصابها من تراجع على مستوى العلاقات الدولية بعد وصول الحكومة الحالية التوراتية إلى قيادة النظام العنصري الاستعماري فيها ، وما تبعها من تصاعد الأزمة البنيوية الخانقة فيها والتي تهدد الإستراتيجية الأميركية بالمنطقة .


ورابعاً ، الدفع باتجاه التراجع عن تفاصيل الاتفاق السعودي الايراني من أجل تأمين استمرار الدور الأميركي بالعراق وسوريا ولبنان .


في كل الاسباب السالفة يجري العمل على توافق المصالح المشتركة أو إيجاد مصالح مشتركة تتحقق من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي ابتدأ الحديث عنه قبل عقدين من الزمن ، لدمج إسرائيل بالواقع الجيوسياسي بالمنطقة على أن تبقى متفوقة عسكريا وتكنولوجيا ، وإعادة رسم خارطة المنطقة من جديد تستند الى شطب الحقوق القومية لشعبنا وفق رؤية الاستراتيجية السياسة الخارجية الاميركية ، بعد أن اصبحت بعض ظروف المنطقة مناسبة لذلك عقب "الخريف العربي" ، وذلك من باب محاولات مواجهة المتغيرات الدولية الجارية لانهاء الهيمنة الاميركية التي تسعى الولايات المتحدة للابقاء عليها .


أن ما يجري الان لا يناقض ما بدأه ترامب وصهره كوشنير سابقا ، بل هو استمرار لمنهج الرؤية الأميركية التي لا ترتبط اساسا بشخص الرئيس . انها استمرار لاتفاقيات ابراهام للتطبيع التي تحظى بدعم الحزبين بالولايات المتحدة وحتى من جانب الاتحاد الأوروبي لكن دون تحقيق كل الشروط السعودية المطلوبة وخاصة المتعلق منها برفع القدرات العسكرية والملف النووي والتي تثير نقاشا داخليا اميركيا وموقفا اسرائيليا.


فبايدن لم يلغ اي من قرارات ترامب السابقة وتحديدا بشأن القدس، بل وأضاف عليها قانون السماح للاسرائيلين بدخول بلاده دون الحصول على تأشيرة ، ولم يوقف سيل المساعدات والهبات الأميركية لإسرائيل ومساندتها بالمحافل الدولية . كما أن التشظي الحاصل بالمجتمعات الاسرائيلية المتباينة والموقف من التعديلات القضائية، لم يمنع بايدن من لقاء نتنياهو بالأمم المتحدة والبحث عن مخارج لحماية دولة الاحتلال لتستمر في مهامها الوظيفية من جهة وكطرف بالمشروع الاستعماري ، ومن اجل تنفيذ الحلم الصهيوني الذي يؤمن به بايدن وغيره من الاوساط الواسعة لديهم من جهة اخرى ،رغم وجود تطور بمواقف الرأي العام لديهم يعارض ذلك .


الا انه وخلال العشرين عاما الماضية حصلت متغيرات جذرية بالواقع السياسي العربي بل والدولي ايضا قبل المتغيرات الهادفة الى تغيير النظام الدولي . لقد خدمت تلك المتغيرات الرؤية الصهيونية في تدمير واقع الدولة الوطنية العربية واستمرار محاولاتها لانهاء التراث التاريخي الكفاحي لمنظمة التحرير ورؤية التحرر الوطني ، كما والإصرار على يهودية الدولة وتوسعة الاستيطان والتهويد والتمييز العنصري . كل ذلك تمدد دون أي عقاب أو محاسبة لا من العرب او العجم رغم ما يشكله ذلك من انتهاكات للقانون الدولي وما عبرت عنه القرارات الدولية وارادة الشعوب العربية أو حتى المبادرة العربية للسلام .


أن الحركة الصهيونية العالمية اليوم تريد من شعبنا الفلسطيني الإقرار بروايتهم المزعومة فقط من أجل السماح لنا بالتواجد "كسكان" من الدرجة المتدنية في ما يسمونه "يهودا والسامرة" وفق رؤية يهوشع بن نون وتلامذته من سموتريتش وبن غفير حتى نتنياهو. كما يريدون لشعبنا بالداخل المحتل من خلال ما يطبق من تفرقة واضطهاد وجرائم قتل يومية القبول بسياسات التمييز بحقهم وفق قانون القومية اليهودي وفك ارتباطهم بقضايا شعبنا وبمنظمة التحرير وبمبدأ حق تقرير المصير لشعبنا ووحدة مصيره .


هم يريدون منا الاستسلام لتلك الرؤية والتنكر لوقائع التاريخ ولحقوقنا الوطنية وكفاح شعبنا الأصلاني من أجل حريته وحقه بانهاء الاحتلال وتقرير المصير وفق كافة القرارات الاممية التي بقيت حبرا على ورق حتى الان في زمن النظام احادي القطب والهيمنة المناهضة لحقوق الشعوب ، لتشكل بذلك ملامح هذا الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدثون عنه .


ان قضيّتنا الوطنية لا تُحل وفق التطبيع مع السعودية كما أنها لم تحل وفق اتفاقيات التطبيع السابقة . فبحسب التقارير الاسرائيلية ، فان تلك الاتفاقيات تشمل مشاريع اقتصادية اقليمية التي يفترض ان يكون من شأنها تحسين شروط الحياة ، الا انها وأن تمت وفق هذا الإطار الذي يستند الى المال فانها ستنعكس سلبا ليس على مصالحنا الوطنية السياسية فقط ، فليس بالخبزِ وحدهُ يَحيا الأنسان . وانما ايضا على دول المنطقة العربية وخاصة مصر بما فيها مصالحها المرتبطة بقناة السويس والأردن ايضا ، بحسب ما نَشره بعض الخبراء من مشاريع مستقبلية .


ولذلك فان الوصول الى حلٍ عادل لا يتحقق إلا بتكثيف النضال الوطني بأن يصبح الأحتلال مكلفاً وموجعاً للمحتلّ . وبالتأكيد توجد معيقات لذلك ، ولكن المطلوب وضع كل الطاقات والإصرار على ذلك من خلال كل أشكال المقاومة السياسية والدبلوماسية والشعبية التي اقرتها مؤسساتنا الوطنية كما والقوانين الدولية لأي شعب يرزح تحت نير الاحتلال ، وهو ما فعلته كل حركات التحرر الوطني لدى الشعوب التي كانت خاضعة للاستعمار، رغم تباين الظروف . كما ويتطلب الأمر توسيع قواعد التضامن الدولي مع الشعوب والقوى المناصرة لاستنهاض القدرات وكل مكامن القوة لدى شعبنا واحرار العالم لمواجهة مخاطر تنفيذ المشروع الصهيوني التوراتي على الأرض لاستكمال مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي.

 

 وتوسيع المشاركة الشعبية كمصدر للسلطات وتنفيذ استحقاقات الحياة الديمقراطية التي اشار لها الرئيس محمود عباس في كلمته حول الانتخابات العامة بما فيها العاصمة القُدس .
ولذلك فأن اي اتفاقيات تطبيع لا تستند لأن تصل بشعبنا إلى حقوقه الوطنية كاملة ، لن يُكتب لها تحقيق السلام الثابت بالمنطقة وفق ما جرى بكل الاتفاقيات السابقة التي لم تعكس نفسها على الشعوب ، بل ولم تستفد منها الدول العربية الموقعة أمام اطماع دولة الاحتلال والرؤية الأميركية ولم تحقق الاستقرار بالمنطقة . 

 

ولذلك فانها ستساهم فقط في خدمة المشروع الأميركي القديم حول الشرق الأوسط الجديد وممارسة المزيد من الفوضى المنظمة التي تفسر تداعيات مظاهر الانقلاب وما نتج عنه من انقسام وما يجري بحق مخيماتنا بالشتات، والضغط الغربي من اجل تقويض دور منظمة التحرير وانحصارها في واقعنا الفلسطيني والدولي وتجاوز الحديث عن حل الدولتين الذي طالما تحدث عنه الغرب نفاقا دون تفاصيل ودون حدود، أذا لم يتم تدارك ذلك .