المرأة والمصالحة إلى أين؟!

ريما
حجم الخط

صحيح أن الدخان الأبيض لم ينبعث بعد من الاجتماعات الثنائية بين حركتي فتح وحماس، ولكن كما يُقال، إن المسألة تتعلق بالوقت. وسريعاً ما سنسمع الأخبار الطيبة تأتي ربما من عواصم إقليمية محددة، بسبب اجتماع المصالح الآنية حولها.

المجتمع لم يتفاعل بعد مع العملية، فما زال متشككاً بسبب خيبات مماثلة صعدت بآماله نحو السماء، وسرعان ما وجد نفسه بالقرب من التراب الموحل.

باقي الأطراف الفاعلة تتصيد فرصة المشاركة، ومنها الحركة النسوية، ويدها على قلبها خوفاً من الاستبعاد المعتاد ممارسته، وسياسة وضع كل الوعود والنظريات والقرارات على الرفوف، ومنها قرار المركزي الذي يمنح المرأة أحقية المشاركة بنسبة 30% عداً ونقداً، ولغاية تاريخه؛ القرار مصلوب على خشبة الوعود..  متوالية الاستبعاد في الآليات الفلسطينية، الحزبان المتناحران يستبعدان بعضهما البعض عن السلطة، وهما متفقان على استبعاد الأحزاب الشريكة، نظرياً، في الحكم، فالخلاف والانقسام منهم وفيهم، رغم الغضب من الإطلاق عليهم مصطلح طرفي الانقسام.

الاستحواذ أحد أهم مشكلات الطبقة السياسية الفلسطينية، وجميع مكونات الطبقة السياسية يستبعد القطاعات الاجتماعية المختلفة، المرأة والشباب وباقي أطراف المجتمع المدني، ويتحكم في المسافة الفاصلة بينهما: مؤشرات الاستقطاب والهيمنة.

الأحزاب والقوى السياسية، من ألفها إلى يائها، تتصرف كأنها اللاعب الوحيد في الساحة، أو كأن الملعب السياسي يقع في نطاق ملكيتها الخاصة والعامة أو محظور اقتحامه من خارج أطرها، إلا ما يقتصر على المشاركة الطبيعية لبعض القيادات النسائية لمن تتاح لهن الفرص الحزبية المحدودة.

لقد بات واضحاً أن فصائل منظمة التحرير متورطة بخطاب تقدمي وعصري، لكنه في الممارسة ما زال يحيطه الالتباس والتردد، حيث الرغبة في وضع المرأة في ثنايا المفردات العشائرية والعائلية للحفاظ على مكانها كأخت وابنة وأم، أو في منزلة أم الشهيد وأخته وابنته، ليس احتجاجاً ورفضاً للمنزلتين، بل الاحتجاج على القوى التي تستخدمه لتبرير خطابها بالاستعانة بالبعد النضالي أو العشائري لتفهم مطالب النساء وتمرير بعضها، ما يوحي بأنها غير مقتنعة مبدئياً بمبدأ المساواة وحق المشاركة عموماً، وتفضل الخطاب الشخصي على الخطاب الحقوقي، في مفارقة جديدة ضمن مفارقة الغمز نحو اليسار في تبني المرجعيات، والتوجه نحو اليمين في الممارسة والتحالف على الأرض.

القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية، من أقصى يسارها إلى أقصى يمينها، لا تتجاهل القوى النسائية فحسب، بل تتنكر كذلك لوجهة نظر مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، انطلاقاً من مفهومها وتعريفها للوحدة الوطنية المؤسسة على وحدة الفصائل السياسية، وتجاهل وجهة نظر القوى الاجتماعية، مُقْصية احتياجاتها ومتطلباتها، وكأنها تعتبر وتريد إجبار جميع الفئات على الانصياع إلى رؤيتها بأن الوحدة المجتمعية تتحقق بشكل ميكانيكي كتحصيل حاصل لوحدة القوى السياسية.. فالموضوع في نظرها سياسي محض. فشل الاتفاقات الموقعة لاستعادة الوحدة الوطنية يعود إلى إبعاد المجتمع المدني عن عملية المصالحة والرقابة على تنفيذها ومراقبتها والتدخل في مسارها. لقد دارت العملية خلف الجدران بعيداً عن أنظار المجتمع وممثليه.

وعلى حين غرّة، نجد أنفسنا أمام المشهد الممجوج: أشكال التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية عن العودة إلى نقطة الصفر؛ وصولاً إلى اتساع الفجوات الخلافية، ودخول ملفات خلافية جديدة حقيبة الانقسام.

لا أعفي مؤسسات المجتمع المدني النسوية من المسؤولية، فعلاوة على وقوع معظمها في دائرة الاستقطاب السياسي، ونظرتها لذاتها وعضويتها كملحق، بمعنى تفريطها في تمثيلها السياسي للحزب، فإنها تنزع عن الخلاف وعناصره؛ الاختلاف الاجتماعي والفكري وتحديداً حول حقوق المرأة ومساواتها والحوار حولها، وتنتظر الضوء الذكوري الأخضر عوضاً عن تقديم نفسها بقوة، ضمن مفهوم التبادلية.

لا شك بأن غياب المرأة عن اللجان يتأسس على الاختلاف على مفهوم الحصص، وبالتالي يتم تجاهل المشاركة النسوية لكونها خارج لعبة المحاصصة، وهو أمر غير منطقي، حيث من حقها أن تقرر وتفرض حقوقها عبر وجودها دون انتظار السماح من أحد، لأن انتظارها يعني فيما يعنيه تسوّل المسؤوليات والمناصب! قد يعتقد البعض بأن تمثيل المرأة ووجودها في مسارات المصالحة، "لا يشيل الزير من البير"، وبأنها لن تحقق إنجازات لم يستطع الرجل تحقيقها، وبأن مشاركتها متحققة من خلال مشاركة ممثليها في الأحزاب.. لكن هذا المنطق هو الوجه الآخر لعملة الاستبعاد والاستحواذ، وتجاهل أن تمثيلها فرصة أمامها لإثارة الحوار الذي يتجاهله الجميع حول الوضعية القانونية للمرأة في المجتمع الفلسطيني، والإجابة على سؤال، هل مواطنة المرأة كاملة أو أنها ناقصة الأهلية..؟!