هل هي حرب التصفية أم التسوية

image_processing20230405-280474-uv4yr9.jpeg
حجم الخط

بقلم نبيل عمرو

متفق عليه أن تصفية القضية الفلسطينية أمر مستحيل، وقرائن ذلك أظهرتها وقائع قرن من الصراع غير المتكافىء القوى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما أثبتته جميع الحروب والتسويات العربية الإسرائيلية.


أمّا ما هو غير متفق عليه – حتى الآن- هو أن استحالة التصفية تقود تلقائياً إلى التسوية، ولهذا ظهرت في أحقاب عديدة مصطلحات اللا حرب واللا سلم، وجمود المسار السياسي وغياب الأفق، وغيرها من المصطلحات التي تؤدي إلى ذات المعنى.
المرحلة الراهنة التي يؤرخ لها، بحروب جبهة الجنوب اللبناني والشمال وحروب غزة والضفة، وما يوصف عادة بانسداد أفق التسوية، خصوصاً بعد انهيار أوسلو، وعجز التطبيع المستجد من أن يفتح أفقاً للتسوية عبر المفاوضات.


المرحلة الراهنة شهدت تطورات ذات شأن، أعادت إلى الصورة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ذروة اشتعاله، بموازاة عودة الصراع العربي الإسرائيلي، بعناوين ومضامين وآليات مختلفة مثل احتمالات فتح الجبهة الشمالية، مما يؤدي إلى حرب إقليمية، فإن لم تشتعل بصورة شاملة، فهي مشتعلة بالتهديد.. أما على صعيد الدول المطبعة مع إسرائيل وأهمها في هذا المجال مصر والأردن، فقد فرض عليهما تهديداً وجودياً من خلال التهجير الجماعي، الذي لا يغير الخرائط فقط بل يغير المجتمعات، والذي إن تم ولو بعض منه فلا يؤدي إلى مجرد أزمة بل إلى حرب.


الشرق الأوسط العربي، صار ساحة اشتعال ربما هي الأقوى تأثيراً على العالم من أي حرب تجري على ساحة أخرى مثل أوكرانيا، ولهذا ازدحم البحر المتوسط بحاملات الطائرات الأمريكية وتوابعها، وما يميز الشرق الأوسط، أن فيه دولة واحدة هي عضو أساسي في الناتو – تركيا – أمّا إسرائيل فهي وإن لم تكن عضواً فتحظى بإمتيازات أكثر من ذلك. وفي الشرق الأوسط كذلك قضية قديمة تخبو لفترة لتشتعل من جديد، ولم يصدقنا العالم "البراغماتي والسطحي" حين كنا نقول أن القضية الفلسطينية إن ظلت بلا حل فهي المفاعل الدائم لإنتاج الحروب، وهي كذلك منتجة دوافع الاستقطاب المحلي والإقليمي والدولي، الذي إن هدأ عسكرياً فلا يهدأ سياسياً وتعبوياً، ما جعل المنطقة بأسرها زمن الربيع العربي الذي ما زالت مفاعيله قائمة أشبه بهشيم يشعله عود ثقاب.


استحالة تصفية القضية الفلسطينية، وفشل كل محاولات التسوية له أسباب كثيرة، ففي أمر التصفية فلا مجال لتحقيقها، بوجود أكثر من خمسة عشر مليون فلسطيني بلا هوية سياسية وبلا دولة، وفي أمر التسوية فقد لعبت أمريكا ومن يدور في فلكها الدور المركزي المباشر في عدم تحقيقها، فهي تواصل الإصرار على أن تظل عرّابة الجهد المبذول من أجلها، وفي ذات الوقت تواصل رعاية الرفض الإسرائيلي لها، في أداء مزدوج الاتجاه لم ينتج حتى الآن سوى سلسلة حروب لم تنج إسرائيل من دفع أثمانها.


نحن الآن على عتبة الأسبوع الثالث لحرب غزة، التي تسميها إسرائيل "بالسيوف الحديدية"، تأكيداً على اعتناق الدولة العبرية فعل السيف، ومن جهة أخرى فنحن حيال إعلانات أمريكية تتحدث عن أن حل الدولتين هو الوصفة الأكيدة لإخراج المنطقة من حالة الاضطراب والاشتعال الدائم، وما لا تدركه أمريكا.. أن الإكثار من الحديث عن الحلول دون السعي الحثيث والمخلص لبلوغها، ما هو إلا صب زيت على النار، وإعطاء القوة الأمريكية الناطقة باللغة العبرية مساحة حركة واسعة لمواصلة حروبها على الفلسطينيين ومن معهم، ذلك أن الفلسطينيين وكل العرب، لم يعودوا قابلين لتداول عملة لا مفعول لها، مختوم عليها مصطلح "حل الدولتين"، الذي لن يتحقق كما قال الرئيس بايدن ذات مرة لا على المدى البعيد ولا الأبعد.


والعرب جميعاً.. المطبعون والممتنعون لا يقبلون أن تكون بلدانهم جزر تهجير فردي أو جماعي للشعب الفلسطيني، ما يتطلب من أمريكا استبدال كلمة الأبعد بالأقرب، فترف الوقت يجعل من الصعب اليوم، مستحيلاً في الغد.


لقد اندمج العرب من جديد في الخطر الناجم عن الحرب، ويتعين عليهم أن يفعلوا كل أوراق الضغط المتوفرة لديهم وهي كثيرة وثقيلة، ليس لإفناء أحد، وإنما لإحقاق العدالة التي تساندها الشرعية الدولية وقراراتها.. وبهذا يكون صعباً على أمريكا أن تمسك الحق والباطل في قبضة واحدة.