إسرائيل تغرق في وحل غزة

تنزيل.jpg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 


ثلاثة أشهر تقريباً على الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ولم يسلم الفلسطينيون من بطش الاحتلال والمجازر التي ترتكب بحقهم كل يوم، في الوقت الذي يبحث فيه - الاحتلال - عن أهداف تحقق له النصر المأمول في غزة.
مع استشهاد أكثر من 22 ألف فلسطيني، أغلبهم من الأطفال والنساء، وتدمير ممنهج ومتعمد لقطاع غزة وبنيته التحتية، والقصف العشوائي لمنازل المواطنين الآمنين، لم يتمكن الاحتلال من الوصول إلى معلومات بشأن جنوده المحتجزين في غزة.
ربما تدرك القيادتان السياسية والعسكرية في إسرائيل أن من الصعب إنجاز الأهداف المرسومة لغزة بشأن تدمير قدرات حركة حماس وتحرير الجنود المحتجزين، وتجدان أن أسهل طريقة للثأر من الفلسطينيين هي باستهدافهم المباشر ومحاولة استئصالهم من غزة.
غير سياسة التدمير ليس هناك في إسرائيل من خطط واضحة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب، إذ إن كل ذلك مرهون بمآلاتها وفلسفة المنتصر والمهزوم، وإسرائيل حتى هذه اللحظة بعيدة كل البعد عن أن تكون منتصرة في ميدان المعركة.
ما يجري الآن غير قتل الفلسطينيين وارتكاب المجازر اليومية بحقهم للتنفيس عن الغضب الإسرائيلي، هو محاولات لرسم سيناريوهات وخطط لغزة بعد الحرب، إذ طرح في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية فكرة المنطقة العازلة داخل غزة.
طرحت أفكار كثيرة من قبيل استمرار إسرائيل في ضرب غزة بين الوقت والآخر، وإدارة القطاع من قبل حكومة غير خاضعة لحركة حماس وبمنأى عن السلطة الفلسطينية. هذا عدا السيطرة الإسرائيلية الأمنية على القطاع.
في الحقيقة، حاولت إسرائيل منذ بداية الحرب ترحيل الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه، وواصلت هذه السياسة باتجاه ممارسة الترحيل القسري من وسط القطاع إلى أقصى الجنوب حيث مدينة رفح. حتى خان يونس التي نالها التوغل الإسرائيلي لم تسلم من سياسة التهجير هذه.
الموضوع لا يتعلق باستبعاد المدنيين تجنباً لاستهدافهم، بدليل أن القصف متواصل ويفتك بالمواطنين العزل من شمال القطاع إلى أقصى جنوبه، لكن إسرائيل تحاول الضغط على السكان ومحاربتهم في مأكلهم ومشربهم وراحتهم والزج بهم في مناطق ضيقة أملاً في دفعهم لمغادرة غزة.
وعلى الرغم من أن الكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ترفض فكرة تهجير الفلسطينيين خارج القطاع والابتلاع الإسرائيلي لغزة، إلا أن إسرائيل تحاول المضي في هذه السياسة وتسعى للضغط على الدول الغربية لتسهيل استقبال الفلسطينيين.
ويحاول نتنياهو الذي يشعر أن نهايته قريبة، شراء الوقت بمواصلة العدوان على غزة، حتى يتهرب من فاتورة الحساب التي تلاحقه من قبل الكثير من الإسرائيليين الذين يتهمونه بالتقصير والفشل الاستخباراتي والأمني على خلفية عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي.
سيحاول نتنياهو بأي شكل من الأشكال اختراع انتصار في غزة حتى لو لم تتحقق الأهداف هناك، ومن المحتمل أن يعوضوا عن فشلهم العسكري في القطاع بمساعي تغيير جغرافيته وقضم مساحات كبيرة من أراضيه لصالح ما يسمى المناطق الآمنة.
المشكلة أن كل الاعتراضات الدولية على الخطط الإسرائيلية لغزة ليست أكثر من ترهات، ويبدو أن العدوى العربية في الأقوال وليس الأفعال وصلت للغرب الذي بدأ يستنكر وينتقد العدوان الإسرائيلي على غزة، ولا يفعل شيئاً أكثر من مشاهدة قتل الفلسطينيين على شاشات التلفزة.
بعد ثلاثة أشهر تقريباً على عدوان طاحن حرق الأخضر واليابس، لا يزال الشعب الفلسطيني صامداً مرابطاً في غزة، ولا يبدو أن إسرائيل ستصل إلى أهدافها، وتدرك أنها لن تحصل على جنودها المحتجزين إلا عبر خط التفاوض مع الفلسطينيين، سواء عبر الوسيط القطري أو المصري.
طالما أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها فهذا يعني أنها لن تتمكن من السيطرة الأمنية على قطاع غزة ولا إقامة مناطق عازلة داخله، ولا حتى تهجير الفلسطينيين، وسيتحول نتنياهو إلى خبر كان في القريب العاجل تحت وطأة تآكل شعبيته.
ثمة نهاية لهذا العدوان الهمجي وهي نهاية يبدو أنها قريبة، والتخبط الإسرائيلي في الحديث عن المرحلة المقبلة لغزة بعد الحرب ما هو إلا إقرار ضمني بالفشل الكامل في غزة، هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل لن تكون نفسها قبل السابع من تشرين الأول 2023.
المعنى أن إسرائيل الحالية مهزومة ومهزوزة، وثمة فجوة متسعة في عدم الثقة من قبل الرأي العام الإسرائيلي بقيادتيه السياسية والعسكرية، وهذا الجرح سيبقى مفتوحاً ومن الصعب أن يندمل، وحينما تضع الحرب أوزارها ستعاني إسرائيل أكثر مما مضى، حتى أكثر من أيام العدوان على غزة.