يتجه الكثيرون إلى النظام الغذائي النباتي لأسباب صحية أو بيئية أو اقتصادية، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 1.5 مليار شخص حول العالم لا يأكلون اللحوم، وتؤكد الدراسات العلمية أن النباتيين بالفعل أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 32%، غير أن هذه الحمية الغذائية قد تشكل مخاطر ومضاعفات صحية للنساء في سن الإنجاب، إن لم تكن تحت إشراف طبيب ومتابعة دقيقة، ولا سيما أن المرأة الحامل تحتاج إلى المزيد من العناصر الغذائية مثل البروتين والحديد وحمض الفوليك واليود والكولين وكذلك الكالسيوم والبوتاسيوم وفيتامين دي.
مخاوف محتملة
ووفق دراسة دولية حديثة تبحث في صحة الأمهات قبل وبعد الحمل، فإن أكثر من 90% ممن يخططن للحمل يعانين من نقص في العناصر الغذائية الأساسية المتوفرة في اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان، وترجح الدراسة استمرار ارتفاع هذه النسبة مع زيادة شعبية الأنظمة الغذائية النباتية وبالأخص بين النساء، بما يؤثر على صحة الحوامل وأطفالهن.
وفي الدراسة التي نشرت في مجلة "بلس ميديسن" في ديسمبر/كانون الأول 2023، تابع الباحثون من جامعة ساوثهامبتون البريطانية وجامعة سنغافورة الوطنية أكثر من 1700 امرأة يخططن للحمل، ويعشن في بلدان مرتفعة الدخل، بما في ذلك بريطانيا ونيوزيلندا وسنغافورة، وكان متوسط عمر المشاركات 28 عاما، وكشفت فحوصات الدم عن انخفاض ملحوظ للفيتامينات الأساسية في أجسامهن، وأشارت الدراسة إلى أن 9 من كل 10 سيدات يفتقرن إلى هذه العناصر، والتي تشمل حمض الفوليك والريبوفلافين وفيتامين "ب 6″ و"ب 12" وفيتامين "د".
الحمية النباتية والتحديات الغذائية
يقول أستاذ علم الأوبئة بجامعة ساوثامبتون، والباحث الرئيسي للدراسة، الدكتور كيث جودفري، إن كل امرأة تقريبا تخطط للحمل لديها مستويات غير كافية من فيتامين واحد أو أكثر، بما يؤكد أن مشكلة نقص التغذية لم تعد قاصرة على البلدان الفقيرة وحدها بل تشمل كذلك البلدان ذات الدخل المرتفع.
وبحسب جودفري، يرجع ذلك إلى السياسات التي تعلي من شأن الخيارات الغذائية النباتية لبلوغ هدف صافي انبعاثات كربونية صفرية، ونصح جودفري أي امرأة تخطط للحمل بضرورة اتباع نظام غذائي صحي متوازن وعالي الجودة وتعزيزه بالمكملات الغذائية.
وأشار البروفيسور شياو ينج تشان من جامعة سنغافورة، وأحد المشاركين في الدراسة، إلى أن استمرار التحرك نحو الحميات الغذائية الحديثة والضغط من أجل تقليل الاعتماد على اللحوم ومنتجات الألبان، من شأنه التأثير على الأجيال القادمة ورفاهية الأطفال الذين لم يولدوا بعد، لأن صحة الأم ترتبط بصحة الطفل ونموه البدني مدى الحياة.
وتتفق في الرأي كاثرين سودر، أستاذة طب الأطفال بجامعة كولورادو الأميركية، مؤكدة أن اتباع نظام غذائي صحي متوازن واختيار مكملات غذائية موثوقة أمران ضروريان لصحة الأم والطفل وتفادي العديد من المخاطر الصحية.
وترفض سودر الاعتماد بشكل كلي على المكملات الغذائية، لأنه وفق دراسة قامت بها ونشرتها المجلة الأميركية للتغذية 2023 فإن فيتامين واحد من بين 20 ألف من الفيتامينات المتوفرة في الأسواق، يمنح النساء الحوامل الجرعات المثالية من العناصر الغذائية.
عناصر تفتقر لها الحمية النباتية
رغم هذه النتائج، يمكن أن يكون النظام النباتي صحيا خلال الحمل، هذا ما أكدته بيانات رسمية صادرة عن الجمعية الأميركية للتغذية، ولكنها اشترطت المتابعة الجيدة مع اختصاصي التغذية والمراقبة الدقيقة لضمان تعويض أوجه القصور المحتملة في العناصر الغذائية مثل:
فيتامين ب 12: تخلو منه الوجبات الغذائية النباتية بشكل كبير، ويعزز نقصه مشاكل الإجهاض والولادة المبكرة والإصابة بسكري الحمل والتشوهات الخلقية للجنين.
فيتامين دي: تؤدي المستويات غير الكافية منه إلى زيادة خطر الإصابة بتسمم الحمل وانخفاض وزن المولود.
الحديد: لا يمتص الجسم الحديد غير الهيم الموجود في الأطعمة النباتية بسهولة، بخلاف الحديد الهيم المتوفر في المغذيات الحيوانية.
اليود: يؤثر نقص اليود على نمو الدماغ وينبئ بانخفاض الذكاء اللفظي وضعف القدرة على القراءة لدى الأطفال في عمر 8 سنوات، ومن المصادر الغذائية الرئيسية لليود منتجات الألبان والمأكولات البحرية.
أوميغا 3: يعزز النظام الغذائي النباتي انخفاض مستويات أحماض أوميغا 3 في الدم، وهي من الأحماض الضرورية لنمو عيون الجنين ودماغه وجهازه العصبي.
الزنك: تقل مستويات الزنك لدى النباتيين بسبب صعوبة امتصاص الزنك النباتي في الجسم، ويعد نقصه أحد أسباب الولادة المبكرة وطول مدة المخاض.
الكولين: تحتوي الأطعمة النباتية على كميات قليلة جدا منه، وهو عنصر ضروري لنمو الجهاز العصبي للجنين ومنع تشوهات العمود الفقري.
البروتين: يتوفر البروتين في النظام الغذائي النباتي ولكن يصعب هضمه، وهو ما يزيد من احتياجات المرأة الحامل للبروتين الحيواني.
التغذية والحمل
إلى جانب المغذيات النباتية والخضروات والحبوب الكاملة والفواكه الطازجة، تحتاج المرأة الحامل إلى:
منتجات الألبان: تعد مصدرا غذائيا موثوقا للكالسيوم اللازم لنمو عظام الجنين، وتتوفر في الحليب والزبادي والجبن.
المأكولات البحرية: توفر للحامل ما تحتاجه من أوميغا 3، ويُنصح بتناول الأسماك الطازجة مثل السلمون والأنشوجة والسردين، وتجنب الأسماك المدخنة؛ إذ قد تسبب داء الليستيريا (عدوى بكتيرية منقولة بالغذاء)، كذلك ينبغي تجنب الأسماك التي تحتوي على نسبة عالية من الزئبق مثل سمك القرش والماكريل الملكي وسمك مارلن وأبو سيف وسمك القرميد.
البيض: تحتوي البيضة الواحدة على حوالي 71 سعرا حراريا و 3.6 من البروتين والدهون، كما يعد مصدرا مهما للكولين، إذ تحتوي البيضة على 147 مليغراما (تحتاج الحامل 450 مليغراما يوميا).
اللحوم: يعتبر الدجاج ولحوم البقر مصادر غنية بالبروتين والحديد الذي تحتاجه الحامل.
الدهون والزيوت الصحية: تعد في مقدمة المحاذير الغذائية خلال فترة الحمل، لكن خبراء التغذية لا ينصحون بالتخلي عنها بشكل كامل لأنها تساعد في نمو دماغ الجنين، (ينصح بـ6 ملاعق صغيرة يوميا)، وينبغي الاعتماد على الزيوت النباتية فقط مثل زيت الزيتون والكانولا أو القرطم.
المصدر : مواقع إلكترونية