عصر الإثنين المنصرم، كان اليوم الأصعب على جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب، هكذا تُجمِع المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، لكنّ هذا اليوم الأصعب تكرّر، فالأيّام الصعبة كانت عديدة، بل إنّ معظم أيّام الحرب كانت صعبة وغير متوقّعة من كلّ المصادر الاستخبارية والعسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية والأميركية.
لم يكن في حساب من أداروا الحرب، أنّهم سيواجهون مقاومةً عنيدة، وقد تحضّرت لمعركةٍ طويلة بخلاف عقيدة الحرب بالنسبة لجيش تدرّب وتعوّد على شنّ الحروب الخاطفة.
اليوم الأصعب وقع بعد أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر من القتال، اعتقد خلالها الإسرائيليون أنّهم نجحوا في تفكيك البنية التنظيمية للمقاومة، ودمّروا الجزء الأكبر من إمكانياتها، ومن أنفاقها، الأمر الذي شكّل صفعةً وصدمةً كبيرة لكلّ الأوساط الإسرائيلية وأسقط غرورها وحساباتها في الأرض.
اليوم الأصعب أعاد توحيد مواقف المتعارضين في «مجلس الحرب» وخارجه، على ضرورة المواصلة حتى تحقيق نصرٍ واضح، لا يبدو أنّه قريباً إن كان ذلك ممكناً، لكنّ هذا التوحُّد الشكلي لا يُخفي تعمّق أزمة الثقة بين المستويات العليا وبين المجتمع.
وخلال هذه الحرب انفضّ الحشد الذي هرع منذ اليوم الأوّل إلى إسرائيل لتأكيد الوقوف إلى جانبها، وبالكاد بقي منه الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ولكن ليس بذات القدر من الزخم والحشد والدعم.
مجريات الحرب المجرمة قدّمت للعالم كلّه دلائل دامغة على الطرف المتوحِّش، والطرف الإنساني، الأمر الذي أحدث انزياحاً تاريخياً عن الرواية الصهيونية نحو دعم الرواية الفلسطينية التاريخية.
ليس هذا وحسب، بل إنّ مشاهد الوحشية الإسرائيلية، أضعفت إلى حدٍّ كبير، منطق وخطاب وسياسات ومواقف الرسميات «الغربية»، التي وقفت «بالباعِ والذراع» خلف وإلى جانب الحرب الإسرائيلية.
ليس لقادة الاتحاد الأوروبي أن يتظاهروا باندهاشهم وانتقادهم لفكرة ودعوة وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي دعا إلى نقل الفلسطينيين إلى جزيرة في «المتوسّط»، وتحت السيطرة الأمنية لدولة الاحتلال.
قادة الاتحاد الأوروبي الذين تحدّثوا عن دور ومبادرة للبحث في «حلّ الدولتين» بحضورٍ إسرائيلي وفلسطيني وعربي، يعرفون مسبقاً أنّ إسرائيل التي يسعون لإنقاذها ترتكب جرائم حرب إبادة، وحرباً ضدّ القانون الدولي والقانون الإنساني.
لقد قدّم كاتس دليلاً إضافياً، لمحكمة العدل الدولية، وفريق جنوب إفريقيا، ما يؤكّد صحّة الدعوى، قيد البحث من قبل قضاة المحكمة بما يصعب على من يحاول التدخُّل سياسياً في التأثير سلبياً على قرار القضاة.
لا بُدّ أنّ داعمي إسرائيل الدوليين، والإقليميين، أيضاً، قد توصّلوا إلى نتائج مهمّة، في مقدّمتها أنّ من يقود السياسة والحرب في إسرائيل يتمتّعون بأقصى درجات الغباء، وأنّه لا يمكن الوثوق بالمزاعم الإسرائيلية، وبقدرة إسرائيل على تحقيق الأهداف التي شاركوها، ودعموها.
مثلما ترتبك السياسة الإسرائيلية، ترتبك سياسة الإدارة الأميركية التي لم تعد تعرف ماذا تفعل، سوى الإعلان كلّ الوقت عن الوقوف إلى جانب إسرائيل، ودعم استمرار الحرب، بينما يفرغ عناد بنيامين نتنياهو كلّ مطالبات الإدارة الأميركية لخفض التصعيد، وإدخال المساعدات وتقليص معدّلات القتل.
الولايات المتحدة، وانطلاقاً من حرصها على عدم تعرّض مصالحها، وقواعدها في المنطقة، حرصت وعملت بقوّة منذ البداية لمنع توسيع الحرب، لكنّها تفشل أمام سعي نتنياهو لتوسيعها.
الحرب تتوسّع في جنوب لبنان بمبادرات إسرائيلية، ويتوسّع انخراط «الحوثيّين»، والمقاومة العراقية باستهداف القواعد الأميركية في سورية والعراق، وفي البحر الأحمر.
لا شكّ أن نتنياهو سيجد لحظةً للتعبير عن فرحته إزاء انخراط الولايات المتحدة في الحرب، من خلال قصفها المتكرّر لليمن، ولحركات المقاومة العراقية.
الحرب تتوسّع، يوماً بعد آخر، ولا تنجح الولايات المتحدة، ومن معها، في حماية المِلاحَة الدولية، أو حتى حماية قوّاتها ومصالحها المنتشرة في المنطقة، بل إنّ ذلك، يؤدّي إلى تصعيد أكبر، وعنادٍ أكبر من قبل «محور المقاومة».
يقول نتنياهو إنّ تحقيق الانتصار سيحتاج إلى ستّة أشهر، ولكن السؤال هو: على من يريد أن ينتصر؟ وهل يسعى الأميركيون، أيضاً، من أجل تحقيق انتصار، وعلى مَنْ، أيضاً؟
خلال أيّام الحرب أعلن الجيش الإسرائيلي أكثر من مرّة أنّه أنجز مهمّاته في تدمير قدرات المقاومة، وتحقيق السيطرة في شمال قطاع غزّة، ثم يتفاجأ، بأنّه لم يفعل شيئاً سوى قتل المزيد من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء، وتدمير سُبُل الحياة.
«جيش إسرائيل الذي لا يُقهر»، يشنّ حربه على البشر والحجر، والهواء والغذاء والماء، وليس على المقاومة، التي تنجح في إسقاط مزاعمه، وتكبيده المزيد من الخسائر.
الأيّام الصعبة ستتكرّر مع جيشٍ مُرتبك، لا يعرف لماذا يُقاتل ولا كيف يُقاتل، وتتراجع معنوياته، ويهرب من هول الحرب، المزيد من قوّات الاحتياط.
على قادة الحرب أن يُلاحظوا أنّ اليوم الأصعب، وقع شرق مخيم المغازي ومخيم البريج وسط القطاع، وليس في خان يونس التي يقولون إنّها القلعة الأصعب للمقاومة.
مُرعبة مشاهد القتل والتدمير التي يتعرّض لها الفلسطينيون في القطاع والضفة الغربية، لكن هذه الدماء لن تذهب هدراً، طالما أنّ التحرير هو الهدف، وطالما أنّ دولة الاحتلال هي الأخرى، تشهد انهياراً تاريخياً غير مسبوق.
يتّحد الإسرائيليون رغم تناقضاتهم وخلافاتهم، دفاعاً عن وجود مشروعهم الاستعماري الذي يتهاوى، فهل يتّحد الفلسطينيون، ولا نتحدّث عن الشعب فهو متّحد خلف المقاومة؟
لقد خسرنا وقتاً طويلاً ولا يجوز خسارة المزيد من الوقت والجهد حتى يجلس الفلسطينيون الذين باتوا جميعاً متّفقين على مشروع الدولة وحق تقرير المصير وعودة اللاجئين.
العالم كلّه يُناقش ويتحاور حول «اليوم التالي» للحرب إلّا الفلسطينيين، رغم أنّ البحث يتعلّق بمصيرهم.