المقاومة بين التأييد الخارجي وغياب التوافق الوطني

image_processing20220922-3459171-eoflnd.jpg
حجم الخط

بقلم د ابراهيم ابراش

لحركة حماس مؤيدون لا بأس بهم في الضفة الفلسطينية والأردن وفي الشتات، وسيجد كل منتقد لحماس أو من يحاول المجادلة بعقلانية حول سلوكها وإدارتها للحرب الحالية صدّاً كبيراً من مؤيدي حماس، ولن تتغير المواقف حتى إن كنت فلسطينياً وغزياً تعيش معاناة الحرب أو أهلك يعيشونها أو لك تاريخ نضالي ضد الاحتلال ومجادلك عربي أو مسلم أو فلسطيني مغترب لم يقدم في حياته أي شيء سوى الشعارات والعواطف!

 

هذا التأييد لحركة حماس وفصائل المقاومة لا يرجع كله لأسباب أيديولوجية دينية، فليس كل المؤيدين من التيار الإسلامي وليست كل فصائل المقاومة إسلامية فهناك الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وأجنحة عسكرية تابعة لحركة فتح. كما لا يمكن إرجاع السبب لأن المؤيدين للمقاومة يعوضون عن تقصيرهم في عمل شيء من أجل فلسطين فلا يجدون إلا تأييد من يقاوم الاحتلال، أو أن بعض الأنظمة العربية والإسلامية تشجع هذا التأييد وتسكت عنه ما دام تأييد المقاومة مجرد موجة عاطفية سرعان ما تزول مع توقف الحرب.

 

هذه الأسباب حاضرة بلا شك ولكن هناك سبب آخر وهو أن الشعوب العربية تعودت أن تقف إلى جانب المقاومة منذ بدايتها وعندما كانت حركة فتح هي المقاومة ورائدة العمل الفدائي شارك شباب عرب وغير عرب في الثورة وقدموا الشهداء، وتم جمع التبرعات للثورة الفلسطينية حتى من تلاميذ المدارس، فهي تؤيد حركات التحرر الوطني وكل من يقاوم الاحتلال وهي ضد جرائم الاحتلال وممارساته الإرهابية كما هو حاصل اليوم في التأييد العالمي للفلسطينيين في مواجهة حرب الإبادة، دون التوقف أو الاهتمام بالقضايا والمشاكل الداخلية عند الشعب المقاوِم وعند حركات التحرر المتنافسة مثلا الخلاف بين فتح وحماس، كما لا يتوقفون كثيرا عند جدوى المقاومة وكيفية ممارستها وخصوصية الحالة الفلسطينية من حيث وجود انقسام وتدخل أجندة خارجية لحرف مسار المقاومة، وقدرتها على تحقيق أهدافها ولا بحسابات الربح والخسارة بين الشعب والاحتلال ولا من هي الجهة التي تقاوم وما هي مرجعيتها وما أهدافها ؟ المهم بالنسبة لهم الدفاع عن مبدأ مقاومة الاحتلال وعما يسمونها العقيدة والمبدأ حتى لو فُني كل أهل غزة!

 

ولكن عندما وقَّعت منظمة التحرير بقيادة حركة فتح اتفاقية أوسلو ولم تحصل على شيء من إسرائيل إلا مزيدا من الاستيطان والتهويد، وحتى أبناء فتح والمنظمة غير قادرين على الدفاع عن نهجهم وسلطتهم وكان من الطبيعي أن يحدث إرباك وتغيير في الرؤية والموقف تجاه حركة فتح والمنظمة، وبالتالي وبعد أن تخلت الأنظمة والنخب السياسية العربية عن القضية أو أصبحت عندها حسابات مختلفة، وجد من تبقى من المؤيدين للقضية الفلسطينية أنفسهم أمام طرفين، واحد اعترف بإسرائيل دون تحصيل أي مكاسب للشعب وطرف ما يزال يقاوم الاحتلال ويرفض الاعتراف به، حتى ولو ظاهريا. في هذه الحالة يمكن تفهم موقف من يؤيد الطرف الثاني حتى وإن كان تأييدا عاطفيا انفعاليا، أما الخلافات الفلسطينية الداخلية والمخططات الإقليمية فهي شأن خاص بالفلسطينيين وبالإقليم، وليس كل الشعب العربي ملم بها أو متفرغ لمتابعتها.

 

هذا التفسير أو التبرير نجده عند كثيرين من مؤيدي حماس في الخارج وحتى داخل فلسطين، وفي جميع الحالات فإن عدد هؤلاء وتأثيرهم على مجريات الحرب والقضية الفلسطينية بشكل عام يبقى محدوداً وهم أقرب للظاهرة الصوتية والشعاراتية التي تبرزها وسائط التواصل الاجتماعي والفضائيات التي تشتغل على أجندة مشبوهة، دون أن يكون لهم تأثير على مجريات الأحداث وعلى الحرب في غزة.

 

الواقع يقول أن هناك حالة موات في الشارع العربي والإسلامي حيث لا يستطيع المتعاطفون والمؤيدون لحركة حماس ومقاومة غزة أن يُخرجوا مظاهرة من ألف شخص في أي عاصمة أو مدينة عربية أو يحركوا طلبة الجامعات، باستثناء الأردن، وأن فسر البعض حالة عدم التأثير لقمع الأنظمة مردود عليه، فكيف يطلبون من أهالي غزة ومقاومة غزة الثبات والصمود والتضحية بأرواحهم وبأبنائهم ويتحملوا الجوع والمرض ومواجهة آلة الموت الإسرائيلية بينما هم غير مستعدين أن يعرضوا أنفسهم للضرب أو للاعتقال ليوم واحد على يد أجهزة أمن بلادهم؟

 

وأخيرا إن لم يتم تدارك الأمر بسرعة والوصول لتفاهمات وتوافق بين حركة حماس ومنظمة التحرير وكل الفصائل الفلسطينية على استراتيجية وحتى مجرد آلية للتعامل مع المخاطر التي تهدد وجودنا الوطني، خصوصا أن إسرائيل جادة ومصممة على استكمال مخططها بالتطهير العرقي وتهجير الفلسطينيين من غزة وحتى الضفة دون أن تعير أي اهتمام بالاحتجاجات والقرارات الدولية، في هذه الحالة ستكون كل الطبقة السياسية الفلسطينية شريكة في جريمة تصفية القضية الوطنية.

 

هناك حالة موات في الشارع العربي والإسلامي حيث لا يستطيع المتعاطفون والمؤيدون لحركة حماس ومقاومة غزة أن يُخرجوا مظاهرة من ألف شخص في أي عاصمة أو مدينة عربية أو يحركوا طلبة الجامعات، باستثناء الأردن.