طرفا الحرب لا يتعجلان نهايتها

WptCE.jpg
حجم الخط

الكاتب: رجب أبو سرية


 

ها قد مر أسبوعان على اغتيال كل من رئيس حركة «حماس» الراحل إسماعيل هنيّة، ورئيس أركان حرب «حزب الله» السيد فؤاد شُكر، في ظل توتر إقليمي، ينتظر الرد المتوقع من قبل كل من إيران و»حزب الله»، والذي أعلن عنه الطرفان وأكدا عليه أكثر من مرة وما زالا، ويبدو أن الرد من قبل «حزب الله» وإيران مختلف عن الردود الإسرائيلية التي عادة ما لا تنتظر مثل هذا الوقت، فهي مثلاً ردّت على «طوفان الأقصى»، رغم أنه أطار عقلها، بعد 24 ساعة فقط، بحرب إبادة لم يشهد لها العالم مثيلاً، وما زالت متواصلة منذ أكثر من عشرة شهور، دونما انقطاع لا في العمليات العسكرية، ولا في الاغتيالات، ولا في ارتكاب جرائم الحرب اليومية بحق المدنيين، والتي تقع يومياً بمعدل أكثر من خمسين شهيداً، ومائتي جريح، بحيث وصلت الحصيلة نحو أربعين ألف شهيد ونحو مئة ألف جريح، كذلك يبدو أنه مختلف عن ردود الحزب السابقة، والتي كانت حتى الآن ضمن ما يصفه بقواعد الاشتباك.
رد الحزب هذه المرة مرتبط بمكانة الشهيد شُكر، ولأنه أيضاً اغتيل في قلب بيروت، تحديداً في الضاحية الجنوبية منها، التي تعتبر عاصمة الحزب، لذلك فإن الحسابات مختلفة، لكن ربما كان هناك وراء الأكمة ما وراءها، أي ربما كانت هناك أسباب أخرى، وللتذكير نقول إن إسرائيل اغتالت خلال مطلع العام الحالي، أي بعد مرور أقل من 3 شهور على الحرب صالح العاروري، وكان الرجل وقت اغتياله نائب رئيس حركة «حماس»، وهو كان ضيفاً لدى «حزب الله»، أي أن الأمر مشابه إلى حد ما للحالة التي اغتيل فيها رئيس حركة «حماس» في إيران، ولم يرد «حزب الله» بشكل لافت، أما الرد الإيراني، فمن الطبيعي أن يكون مختلفاً، لأن من شأن رد إيراني واسع النطاق، أو غير رمزي، أو رد فعلي، كما حددته إسرائيل، أي في حال استهدف مدنيين أو قواعد عسكرية، فإنه يمكن أن يؤدي مباشرة إلى اندلاع الحرب الإقليمية، وإيران ردت على اغتيال رضا زاهدي في دمشق مطلع نيسان الماضي بعد مرور أسبوعين، أمضتهما في دراسة طبيعة الرد، وفي التشاور بالطبع مع الحلفاء والأعداء في الوقت نفسه.
فهل يكون الرد الإيراني مشابهاً لردّها السابق الذي جرى في الرابع عشر من نيسان، وكان رمزياً، حيث أطلقت صواريخ ومسيّرات، تم اعتراض معظمها قبل أن تصل إلى إسرائيل، فيما لم تحدث المسيّرات والصواريخ القليلة التي وصلت أي خسائر بشرية، ولا حتى مادية في إسرائيل، وهذا يعني أن إيران تدعم المقاومة الفلسطينية، ولكن قبل الحرب، ولها حساباتها خلال الحرب، أما هذه الحسابات، فسوف نتعرض لها بعد قليل، بشيء من التفصيل، لكن الغريب هو امتناع «حزب الله» حتى اللحظة عن الرد، بل أكثر من ذلك قال أمينه العام السيد حسن نصر الله، إن انتظار الرد هو عقوبة لإسرائيل، في إشارة إلى حالة الاستنفار القصوى، وما يعنيه ذلك من توتر نفسي ومن خسائر مادية، لكن الجميع يعرف أن إسرائيل لا تتأثر بالخسائر المالية ولا حتى بالخسائر في الذخائر والمعدات، فهي تتلقى ما يعوضها من ذخائر وأسلحة وقنابل، وكذلك من أموال من الولايات المتحدة، لكن ما يؤثر على إسرائيل هو الخسائر البشرية. 
لا نريد هنا أن نتخذ موقفاً حاسماً، يذكّر بما كان يردده دائماً الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي ظل طوال نحو ثلاثة عقود، أي منذ حرب 1973 حتى وفاته العام 2000 يبرر عدم شنه حرباً لتحرير الجولان، ولا حتى حرب عصابات، كما فعل عبد الناصر مثلاً بعد 67، من خلال حرب الاستنزاف، ظل الأسد يبرر عدم إطلاقه حتى مقاومة سورية في الجولان بإعداده للتوازن الإستراتيجي، إلى أن توفي، وحالياً تشن إسرائيل غارات متواصلة على سورية، دون أن ترد دمشق، ولا حتى بشكاوى إلى مجلس الأمن!
لكننا نريد أن نفهم حقيقة ما يجري، بعد أن تحولت الحرب فعلاً إلى حدث إقليمي وحتى كوني، له علاقة بمستقبل الشرق الأوسط برمّته، وربما حتى بمستقبل النظام العالمي، وإذا كانت إسرائيل ومنذ اليوم الأول، ولأسباب لها علاقة، بتشجيعها الانقسام الداخلي، وهي كانت ترى الإعداد العسكري المتواصل في قطاع غزة، وكانت طوال سبعة عشر عاماً تراهن على انهيار داخلي مجتمعي في غزة، وكانت أولويتها هي قضم الضفة الغربية، ولذلك لم تعجل في «حسم» أمر قطاع غزة، وليس صحيحاً أن السبب الحقيقي لصرف النظر عن تعاظم قوة «حماس» العسكرية في غزة يعود إلى الفشل الاستخباراتي، فقد كشف موقف بنيامين نتنياهو الحقيقة بما لا يدع مجالاً للشك، حين رفض البحث في مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، وأكد بالذات على رفض تولي السلطة، أياً كان شكلها وأياً كانت طبيعتها، مسؤولية غزة، ذلك أنه قاد إسرائيل خلال ثلاثة عقود مضت لإغلاق الطريق أمام الدولة الفلسطينية المستقلة، التي لاحت بشائرها في أوسلو، وعلى وجه أكثر خصوصية الدولة الفلسطينية التي توحّد الضفة وغزة. 
ولذلك فإن إسرائيل التي شنّت من قبل حروباً متتالية على غزة، كانت كلها بهدف أن تبقى غزة، ضمن الاقتدار العسكري الذي يمكن السيطرة عليه، ويمكن بحرب خلال أسابيع اجتثاثه، ولكن بعد أن يؤدي الانقسام في غزة وظيفته الضارة بوحدة الضفة وغزة، بالكامل، أي أن إسرائيل كانت تفضل أن تنتهي من ضم الضفة فعلياً ورسمياً، ومن ثم تبقي شعار دولة غزة مضللاً يساعد على تمرير هضم الضفة احتلالياً، وليس العكس، ولهذا حين أفلت من يد إسرائيل زمام المبادرة بحسم ملف الدولة الفلسطينية، واضطرت إلى شن الحرب بهدف سحق «حماس» وإخراجها تماماً من المسرح السياسي، أكدت أولاً على عدم وحدة الضفة وغزة، ورفض تولي السلطة مسؤولية غزة، تماماً كما كان موقف إسحق شامير عند التحضير لمؤتمر مدريد، وثانياً، ما زالت تحاول تطهير غزة من السكان، وبعد أن فشلت في تحقيق هذا الهدف، بسبب تمسك أهل غزة بوطنهم مدعوماً بموقف إقليمي، مصري وأردني بشكل خاص، ها هي تواصل رغم كل التنديد الدولي والقضاء الدولي ومجلس الأمن حرب الإبادة، ما يعني أنه لا خيار أمام أهل غزة إلا الهجرة أو الموت، وحتى من سيبقَ سيجد أسباب الحياة قد انعدمت في غزة. 
وإسرائيل حددت منذ البداية من أجل حسم قصتها مع غزة، التي فرض عليها حسمها أولاً وفي توقيت لم تحدده هي، أنها بحاجة إلى بضع سنوات، وأن الحرب على غزة ستطول أشهراً، ولم تقل بالطبع منذ البداية هذا، وذلك لاحتواء مواقف الحلفاء، خاصة الأميركيين، الذين كانوا يقدرون بأنه بإمكانهم استناداً لرافعة السابع من أكتوبر احتواء تداعيات وردود فعل حرب الإبادة لأشهر قليلة، ثلاثة أشهر مثلاً، قدّر هذا بايدن، حين قيل إنه يتوقع أن تنتهي الحرب في أعياد رأس السنة، ثم بعد ذلك بدأ إعلان عن خلافات الأميركيين مع نتنياهو، بهدف التضليل وعرقلة جهد مجلس الأمن، خاصة حين بدأ يستخدم قصة مفاوضات الصفقة، ونجح جزئياً، حيث إن مظاهر الاحتجاج التي كان متوقعاً أن تنفجر في أيار الماضي على تخوم رفح، لم تعد حتى كما كانت من قبل، وكأنّ اليأس قد حل بالضمير العالمي، وقد لوحظ أن جبهات الإسناد، قد عوضت انحسار الاحتجاجات والإجراءات القضائية، وحتى جلسات مجلس الأمن والجمعية العامة، منذ أيار، برفع وتيرة الإسناد، خاصة في جبهتَي: اليمن، حيث أعلن الحوثي الانتقال للمرحلة الخامسة، وصولاً لملاحقة السفن في المتوسط، فيما وسّع «حزب الله» من دائرة استهداف المستوطنات، وطبيعة الأسلحة مروراً بالهدهد، ومن ثم وصولاً إلى صفد وطبريا.
حاجة إسرائيل إلى مدى زمني عريض لمواصلة الحرب، من أجل بقاء نتنياهو وفاشيي اليمين المتطرف في الحكم، بما في ذلك عدم عقد صفقة تبادل المختطفين بوقف الحرب، قابلها لجوء «حماس» وجبهات الإسناد إلى حرب الاستنزاف، أي أن محور المقاومة أيضاً يفضّل حرب الاستنزاف على الحرب الإقليمية، خاصة أن نتنياهو يريد الحرب الإقليمية، لأنه لن يكون هو الطرف الرئيس فيها ولا من يقودها، بل هو يراها حرباً بين إيران وأميركا، كما كانت الحرب على العراق أيام صدام. وإيران، خاصة مع استمرار صمود غزة الذي أمّنته جبهات الإسناد، والتي تراقب حالة «حماس» بغزة جيداً، تفضّل أن تبقى إسرائيل مستنزفة «وممسوحاً» بها بلاط العالم، وهي خلال هذا الوقت تحررت من الضغوط وربما أنها أنتجت القنبلة النووية فعلاً، وهذا الحال يحقق مصلحة لروسيا والصين أيضاً، حيث تستنزف أميركا سياسياً مع إسرائيل.