حرب نتنياهو مع غزة

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل

 

عام مضى على عملية "طوفان الأقصى" التي أحدثت زلزالاً كبيراً في إسرائيل، ولم يتوقف العدوان ولم يحقق جيش الاحتلال الأهداف التي أعلن عنها، في ظل محاولات حثيثة من قبل القيادة السياسة الإسرائيلية لإطالة أمد الحرب.
إسرائيل التي اضطرت إلى دخول حرب استنزافية مع حركة "حماس"، لا تقيم وزناً ولا حساباً للمجتمع الدولي، وتسعى من إطالة هذه الحرب إلى الذهاب في خطط تعكس موقفها الحقيقي من قطاع غزة، وهو موقف يتجاوز مسألة العدوان وفتح النار على الفلسطينيين.
أكثر من مرة تباهت القيادتان السياسية والعسكرية بأن جيش الاحتلال استنزف وأضعف حركة "حماس" في قطاع غزة إلى حد كبير، ويفترض أن العدوان الإسرائيلي على مشارف النهاية، غير أن ما يحصل أشبه باحتلال كامل وإقامة دائمة في غزة.
مؤخراً نقلت إسرائيل فرقة من مدينة رفح جنوب القطاع باتجاه محاصرة شماله وتحديداً مخيم جباليا، ودفعت بلواءين لعزل شمال غزة ودفع الفلسطينيين إلى التهجير القسري باتجاه وسط وجنوب القطاع، ويبدو أن الموضوع يتعلق بخطة معدة سلفاً لإجلاء المواطنين وإحكام الحصار على شمال غزة تمهيداً لضمه.
سبق وأن جرى الحديث عن خطط كثيرة تتلخص في إقامة حزام أمني أو منطقة عازلة شمال وغرب غزة، ومؤخراً تناقلت الكثير من وسائل الإعلام خطة "الجنرالات" التي اقترحها اللواء المتقاعد غيورا إيلاند على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
الحكومة الإسرائيلية على لسان نتنياهو قالت إنها تدرس الخطة، لكن ما يجري على أرض الواقع هو ترجمة حرفية لها، والنتيجة أن جباليا محاصرة بالكامل منذ خمسة أيام تقريباً، وهذا الحصار يحرم المؤسسات الإغاثية والإنسانية القيام بعملها وتأمين الاحتياجات الضرورية للفلسطينيين هناك.
ثمة ما يقرب من 400 ألف فلسطيني في شمال غزة، أغلبهم اضطر للنزوح الداخلي ضمن نفس الجغرافيا ولم يغادروا باتجاه الجنوب، وحالياً يجري الضغط عليهم بقوة لإفراغ جباليا وشمال القطاع من خزانه البشري.
في الأساس واحدة من العقد التي أصر نتنياهو على التمسك بها تتصل بعدم عودة سكان شمال غزة الذين نزحوا نحو الوسط والجنوب إلى أماكنهم الطبيعية، واقترح خدعة يعلم أن الطرف الفلسطيني سيرفضها حين جرى الحديث عن نظام "فلترة" للعودة إلى شمال غزة.
الفكرة أن إسرائيل كانت تريد اقتطاع منطقة عازلة من شمال غزة وشرقها لتأمين ما يسمى متطلباتها الأمنية، ولم تفلح في ذلك وعمدت طيلة السنوات الماضية إلى ترسيخ سياسة الأرض المحروقة في هذه المناطق المحاذية لحدودها ومنع الفلسطينيين من السكن فيها.
حالياً تسيطر إسرائيل على محور نيتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها بطول حوالي 6.5 كيلومتر من الشرق وحتى البحر، وكذلك تسيطر على محور "فيلادلفيا" أو ما يعرف بصلاح الدين، وهو شريط استراتيجي لا يتجاوز عرضه مئات الأمتار ويصل طوله حوالي 14.5 كيلومتر.
ربما يفكر نتنياهو في إعادة احتلال قطاع غزة لكن ليست على طريقة ما سبق من خطة فك الارتباط عام 2005، والمعنى أنه قد يسمح بوجود فلسطيني لكنه مُكبّل ومكثف الوجود في قلب قطاع غزة وبعيداً عن المناطق الحدودية مع إسرائيل.
وكذلك قد يسعى لنقل معبر رفح باتجاه كرم أبو سالم حتى يراقب حركة الفلسطينيين، وهذا الأمر وارد في إطار حكومة يمينية متعطشة للاستيطان في قطاع غزة ورافضة للانسحاب منه، في إطار التعاون مع سلطة فلسطينية مرنة ومطيعة بديلة لسلطة "حماس".
المضحك المبكي خبر تناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية عن اعتبار قطاع غزة ساحة حرب ثانوية بعد العدوان الذي تشنه إسرائيل على لبنان. إسرائيل تريد تضليل العالم بأن معركتها الأشرس حالياً هي مع "حزب الله"، لكن في حقيقة الأمر تصب كل غضبها على الفلسطينيين وتستهدفهم في كل مكان.
ربما يريد نتنياهو حرف أنظار العالم حول ما يجري في لبنان، حتى يهندس خطته في قطاع غزة ويجعلها قابلة للتطبيق، وفي الأساس لا يكترث لأسراه في غزة حتى لو قتلوا لأنه يرفض أن يكون مكبل اليدين وغير قادر على فرض شروطه.
حرب نتنياهو الحالية ليست بالتأكيد مع "حماس"، وإنما هي مع الشعب الفلسطيني الذي يرغب في تصفية حساباته معه، وحتى لو اختفت "حماس"، سيكون الشعب الفلسطيني أمام تغيرات استراتيجية تضعه أمام خيارات أحلاها مر، ولن يتمكن حتى الحلم بحقه في تقرير مصيره أو إقامة دولته المستقلة الموعودة.