فرض الوصاية علي لبنان فشل و"النصر الساحق لم يتحقق" والحزب لم يهزم

nTx3Z.jpg
حجم الخط

بقلم راسم عبيدات

في إسرائيل كثير من القيادات العسكرية والأمنية حالية ومتقاعدة، وكذلك وسائل إعلامية إسرائيلية، قالوا إن ما تحقق لإسرائيل ليس النصر المطلق، ولا وقف إطلاق النار بالشروط التي أرادوها، فكل الشروط التي وضعوها من أجل وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية بالشراكة مع أمريكا، وخاصة بعد حزمة الثلاثية القاتلة التي تمثلت في تفجير أجهزة" البيجر" والآيكوم" والتي أخرجت 4000 من أعضاء الحزب وبيئة المقاومة وحاضنتها من المعركة، وما تلاها من اغتيالات طالت العديد من القيادات العسكرية والأمنية في الحزب، ومن ثم غارات جوية غير مسبوقة على بنية وبيئة المقاومة وحاضنتها، وصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب السيد نصر الله ونائبه الشيخ هاشم صفي الدين. هذه الضربات المؤلمة والتي أصابت من الحزب مقتلاً، وشكلت خسائر كبيرة جداً، من المفترض لو أصابت حزباً آخر أو حتى دولة عظمى، لانهارت وتفككت واستسلمت فوراً، وهذا ما حصل مع اليابان في الحرب العالمية الثانية التي استسلمت بعد القصف الأمريكي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي بالأسلحة الذرية، ونتاج ذلك طافت ليزا جونسون السفيرة الأمريكية الحاكمة في لبنان على حلفائها وجماعتها في لبنان، للحديث عن اليوم التالي لانهيار الحزب عسكرياً وسياسياً، ولكن رهانها ورهان الموالين والمؤتمرين بإمرتها والمعادين للحزب والمقاومة في الداخل اللبناني من "الجعجية" و"القواتية" والسنيورية..

 

 إلخ، والذين يتمنون هزيمتها أكثر من أمريكا وإسرائيل، فهذا الحزب في زمن قياسي استطاع أن يخرج من تحت الرماد كطائر الفينيق، ويرمم أوضاعه الداخلية والتنظيمية، ويوصل كل خيوط التقطع في هرمه القيادي والتنظيمي، وتعبئة الفراغات في الهيكل، وبقيت منظومة القيادة والتحكم والاتصال والتواصل تعمل، كما لو أن أمينها العام ونائبه والعديد من قياداتها العسكرية والأمنية التي ارتقت في التفجيرات والاغتيالات موجودة.

 

 واستمر الحزب في استعادة المبادرة  وانتقل في زمن قياسي من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، مؤكداً على أنه لن يتخلى عن مواقفه ومبادئه، مهما كان حجم الثمن الذي دفعه وسيدفعه، وفشل نتنياهو ومعه قياداته العسكرية والأمنية في تحقيق أهداف حربهم، لا بالقضاء على الحزب عسكرياً، ولا بتحجيمه سياسياً، ولا بإعادة مستوطني المستوطنات المهجرين في الشمال إلى مستوطناتهم، والسقوف الأمنية والسياسية التي أرادوا تحقيقها على حساب سيادة لبنان، والتي وصلت حد فرض الوصاية الكاملة على لبنان، تدويل معابره البرية والمطار والموانىء ومنطقة أمنية إسرائيلية عازلة في الجنوب، لا الحرب البرية أفلحت التي حشدت لها إسرائيل خمس كتائب ولواءين ولا أحدث الطائرات وقنابلها التدميرية منعت استمرار تساقط الصواريخ على عمق إسرائيل ومستوطناتها وقواعدها العسكرية والأمنية والبحرية ومراكز وقواعد استخباراتها ومنشآتها الحيوية، وبدا أن الإنجازات العسكرية والأمنية التكتيكية التي تحققت لإسرائيل من 10 أيلول وحتى 27 أيلول الماضي تبددت، وبات الحزب يستعيد توازنه الناري والجغرافي، وكذلك توازنه العسكري والأمني والسياسي والإعلامي، وباتت إسرائيل تعيش في مأزق استراتيجي وحرب استنزاف في الشمال وفي قطاع غزة، ولم تتحقق لها أهدافها الاستراتيجية المتطرفة على الجبهتين، وليكن يوم الأحد 25-11-2024، يوم الأحد الأسود الإسرائيلي، نقطة تحول كبير في المعركة، حيث أطلق الحزب حوالي 340 صاروخاً بأنواع مختلفة، وعشرات المسيرات الانقضاضية، والتي طال شعاعها الناري وغطى مساحة واسعة من الجولان المحتل مروراً بنهاريا وصفد وكريات شمونة والمطلة، ومن ثم إلى حيفا و"الكريوت"، وتل ابيب و"غوش"دان" و"هشارون" في الوسط  وحتى قاعدة أشدود البحرية في الجنوب.

 

هذا العجز وعدم القدرة على تحقيق الأهداف، عمّق من الأزمة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، وبات واضحاً بأن هذا الجيش يعيش حالة إنهاك، ويعاني من النقص في العنصر البشري والمعدات العسكرية، ونتنياهو في تبريره للموافقة على إطلاق النار، قال إنه يريد إعادة تأهيل الجيش وتجديد تسليحه.

 

السقوف العالية والمنجزات والمكتسابات الأمنية والعسكرية التي أرادت إسرائيل تحقيقها من وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية لم تتحقق، كل رؤساء المستوطنات والمجالس الاستيطانية في الشمال، وقيادات عسكرية وحزبية وازنة أمثال لبيد رئيس المعارضة السياسية وليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" وعميت هليفي عضو كنسيت من الليكود وغانتس زعيم المعسكر الوطني والجنرال المقاعد إسحق بريك، قالوا إن ما حصل ليس "بالنصر الساحق"، ولا بالهزيمة المطلقة للحزب، بل وأبعد من ذلك وصفه قادة المستوطنين والمستوطنات الشمالية، باتفاق الإذعان، والاستسلام أمام الحزب، وهم لن يعودوا ليجدوا أنفسهم أمام معركة 7 أكتوبر أخرى، في حين لبيد قال إن إسرائيل في عهد نتنياهو تسير نحو الكارثة، وصحيفة "يديعوت أحرنوت" قالت إن اتفاق "وقف إطلاق النار مع لبنان هو الشر الضروري، الأفضل الذي يُطاق قياساً للبدائل"، وأبعد من ذلك قالت: "الاتفاق الموقع مع لبنان هو السيء الضروري الأفضل الذي يُطاق قياساً للبدائل"، معترفة بأنّه "لا يمكن إفراغ لبنان من حزب الله ولا يمكن الوصول إلى كل نفق وكل مصنع أسلحة وكل مستودع". كما وأقرت هذه الصحيفة الإسرائيلية بأنه "لا يمكن إفراغ لبنان من حزب الله، ولا يمكن إخراج حماس من غزة".

 

من شاهد الشعب اللبناني الذي وقف موحداً بغالبيته، خلف المقاومة، إلا من بعد الأصوات النشاز المعروفة بعدائها للحزب والمقاومة، والتي تتحكم في قرارها أمريكا وإسرائيل وبعض النظم الرسمية العربية، حيث الاحتضان العالي للنازحين وتقاسمهم السكن والمأوى والأكل والرعاية، وطوابير العائدين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم الجنوبية، يؤكد من هو المنتصر ومن هو المهزوم. سكان المستوطنات الشمالية النازحون، قالوا بشكل واضح إنه اتفاق إذعان وإستسلام للحزب ونحن لن نعود.

 

وفي فقرة أخيرة، في ظل من شحذوا سيوفهم وسنوا سكاكينهم  ومن تجندوا من قادة سياسيين وإعلاميين ووسائل إعلامية وفضائيات وصحف ومواقع اجتماعية، لكي ينالوا من سمعة الحزب، بأنه هزم ودمر لبنان، كما حال حماس وبقية الفصائل في قطاع غزة، وأنه تخلى عن غزة، ويكفي هنا القول ما قالته كل الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية وقوى وفصائل المحور الإسنادية من اليمن إلى العراق وإلى إيران، وكذلك حركات وشعوب التحرر في أمريكا اللاتينية وفي أوروبا نفسها، بأن الحزب قدم من تضحيات الشيء العظيم والكبير، وآخر من يحق لهم الحديث في مثل هذه القضايا الكبرى، هم من لم يقدموا لغزة علبة دواء أو قنينة ماء، ولم يجرؤ أحد منهم من الوصول إلى قطاع غزة، وتهربوا من مسؤولياتهم